
كانتْ الجدةُ في ليبيا تبدأ سرد حكاياتها بذكر نداء تنبيهي بسيط تدعو فيه مستمعيها إلى الإنتباه،
والإصغاء إليه.
كانت تقول :
يا حزاركم . . يا حزاركم . . كان يا ما كان وكان في . .
عبارة بسيطة تتفوه بها الجدة، وبفعل هذه العبارة :
ينقطع الضجيج .. وترهف السماع ويجلس الواقفون ..وتشخص العيون .
ويرتفع صوت الجدة مكرّراً الدعوة إلى الإنتباه قائلاً :
يا حزاركم . . يا حزاركم . . كان يا ما كان وكان في . .
وإذ يدور الزمان دورته، وتبقى عبارة الجدة في الأذهان لما فيها من بساطة وجمال، ومن مقدرة على إسترعاء الإنتباه
إن القصص الشعبية في الوقت ذاته تتشابه في المناطق المختلفة .
إنها تتشابه من بلد، إلى آخر وما بين أمة وأخرى؛ بحيث يصعب على الباحثين تعيين الأصل الذي صدرتْ عنه القصة الواحدة.
وهي نشأتْ مع الشعوب المختلفة، ترعرعت بين ظهرانيها، وإقتبست حيوية أفرادها .
تشابهت تشابه الإنسان في طبائعه البشرية.
وإختلفت في الوقت ذاته، كما أنها تنقلت من محيط لآخر بسبب تعاقب الحروب وتنقل النَّاس من رواة وغيرهم
تأتي القصص الشعبية علي عدة أنواع منها :
1 – القصة الأخلاقية : تتناول القيم والمبادي وتسعي لتهديب الطفل وقويم سلوكه وارقي به
2 – القصة الهزلية : الغرض منها الضحك والفكاهة والترفيه مثل «قصص جحا».
3 – القصة الخيالية : تثري مخيلة الطفل وتنقله إلى عالم ساحر جميل، وهي قصص «النتازيا والسحر وبلاد الواق واق وبساط الريح» مثل : مغامرات السندباد، وعلاء الدين والمصباح السحري
4 – قصص على لسان الحيوانات : مثل إم بسيسي، وكليلة ودمنه .
المرحلة الأولية :
لقد خضعت الخرافة إلى مراحل عديدة من التطور بداية كما نعرفها في الفترة الماضية على لسان جداتنا، وآبائنا الأولين وهذه المرحلة ربما توقفت في فترة الستينيات من القرن الماضي .
مرحلة الحكواتي :
الذي يسرد الحكاية في المسرح أمام الجمهور و لابد ان يتميز بعدة صفات منها الأداء المتميز والتمثيل وإتقان الحركة وغيها.
وأصبح لها مهرجانات سنوية تقام في مختلف البلدان، وكان ليّ شرف الحضور في معرض صفاقس الدولي لكتاب الطفل في الدورة الـ)26( منه؛ حيث كان من ضمن المناشط نشاط الحكاية يقدمه حكواتي مختص باستضافة حكواتية من :
«الجزائر والمغرب، وتونس» وغيرهم.
وهنا نذكر الأستاذ الممثل يوسف خشيم الحكواتي الليبي المبدع الذي يعمل في هذا المجال، ويشارك باسم ليبيا في العديد من المحافل والمهرجانات الدولية .
مرحلة التدوين والكتابة :
حيث إنتقلت الخرافة من الشفاهة والكلام إلى الكتابة في صورة قصص وكتب ومجلات كانت في البداية أبيض وأسود ومع تطور الطباعة أصبحت ملونة
دخلت دور نشر خاصة، وعامة في هذا المضمار وقدمت ولا زالت تقدم حتى الآن آلاف المطبوعات تتنافس في تقديمها وإخراجها بعدة صور وأشكال وتحقّق من خلالها مكاسب وعوائد مالية ضخمة .
مرحلة السينما والتلفزيون :
نقل النصوص المكتوبة إلى أفلام سينمائية، ومسلسلات مرئية، ومسموعة ويصعب الحصر هنا وتقديم نماذج لضخامتها وتعددها عربيًا وعالميًا . . ولكن بالتأكيد كلنا يتذكر المسلسل السوري
)كان يا ما كان( بما يحويه من خدع ومؤثرات بصرية جميلة ومذهلة في وقتها شدتنا وابهرتنا
مرحلة الكرتون والإنمي والألعاب الإلكترونية :
مثل ما هو متداول حاليًا، وموجود بين أيدي أطفالنا في الهواتف وأجهزة الإكس بوكس وغيرها .
وقد ظهر كتيب بعنوان : )ياحزاركم( وهو نموذج لتطوير القصص الشعبية الليبية في سنة 1971، حيث تبنت وزارة التربية والتعليم الليبية مشروعًا لتطوير القصص الشعبية اللليبية برئاسة السيدة هنديت فراج وهي خبيرة في مكتب تنمية المواد التدريسية من جمهورية مصر العربية
بهدف إصدار كتاب يحوي القصص الشعبية الليبية، وتقديمه إلى المجتمع أدبًا شعبيًا نموذجيًا.
تم إقامة مسابقة القصص الشعبية الليبية في طرابلس على أن يتم تعميم هذه المسابقة على باقي المدن إذا قدر لها النجاح.
كانت المسابقة موجهة لتلاميذ الصفوف الخامس والسادس الإبتدائي، والإعدادية .
يقدم التلاميذ قصًصا شعبية يشترط أنها تناهت إلى مسامعهم من أقاربهم، أو أحد الرواة في مجتمعهم.
ويمكن أن يقدم التلميذ أكثر من قصة حتي تتاح فرصة لتجميع أكبر قدر ممكن من القصص، وأيضًا إظهار براعته في التعبير.
في النهاية يتم تجميع القصص وقراءتها من قبل المعلمين، لإنتقاء أفضلها وأحسنها.
قامت وزارة التعليم بدور الوسيط الذي أسهم في أخذ القصة من التلميذ كما هي على علاتها، وما فيها من شوائب وأخطاء إملائية وإنشائية، وإعادتها له في قالب جديد مشوق يولد في نفسه الرغبة في المطالعة الحرة.
تم جعل لغة القصص سهلة بحيث يتمكن تلاميذ الصفين الخامس، والسادس من قراءتها.
كما تم المحافظة على الطابع المحلي والتقيد بقواعد الرواية الشعبية.
تم تقديم هذه القصص، وطباعتها في كتيب بعنوان )ياحزاركم( من إصدار دار الفرجاني، ووزعتْ على التلاميذ مع الكتب المنهجية في ذلك الوقت خارج إطار المنهج أو التقييم والقياس، وذلك لغرض غرس بذرة القراءة لدى الأطفال مما ينعكس على تقوية ملكتهم الإنشائية، وقدرتهم على التعبير .