اجتماعي

الستر الاجتماعي أم سجن الصمت؟ “ما نفضحوش رواحنا”

فائزة صالح

في‭ ‬المجتمع‭ ‬الليبي،‭ ‬تتردّد‭ ‬عبارة‭: )‬ما‭ ‬نفضحوش‭ ‬رواحنا‭( ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وصفة‭ ‬علاج‭ ‬حقيقية‭ ‬لمشكلات‭ ‬البيوت‭ ‬تُقال‭ ‬حين‭ ‬تتعرَّض‭ ‬الزوجة‭ ‬للعنف،‭ ‬حين‭ ‬يُظلم‭ ‬الطفل،‭ ‬أو‭ ‬حين‭ ‬ينكسر‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬داخليًا،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يُطلب‭ ‬منه‭ ‬الصمت‭ ‬فقط‭ ‬لأنّ‭ )‬الناس‭ ‬ما‭ ‬يلزمهاش‭ ‬تعرف‭(.‬

الستر‭ ..‬‭ ‬في‭ ‬جوهره،‭ ‬قيمة‭ ‬عظيمة،‭ ‬تحفظ‭ ‬الكرامة‭ ‬وتجنّب‭ ‬التشهير‭ ‬والفضائح‭. ‬لكنه‭ ‬تحوّل،‭ ‬للأسف،‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬كثيرة‭ ‬إلى‭ ‬قيد‭ ‬يكبّل‭ ‬الضحية،‭ ‬ويُجمّل‭ ‬الظالم،‭ ‬ويُبقي‭ ‬الوجعُ‭ ‬مستمرًا‭ ‬خلف‭ ‬الأبواب‭ ‬المغلقة‭.‬

فكم‭ ‬من‭ ‬زوجة‭ ‬تتلقى‭ ‬الإهانات‭ ‬والضرب،‭ ‬لكنها‭ ‬تُجبر‭ ‬على‭ ‬السكوت‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ )‬تشمت‭ ‬فينا‭ ‬العايلة‭( !!.‬

وكم‭ ‬من‭ ‬طفل‭ ‬يتعرض‭ ‬للإهمال‭ ‬أو‭ ‬القسوة،‭ ‬أو‭ ‬التحرّش،‭ ‬لكن‭ ‬يُطلب‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ينسى‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يُقال‭ ‬إن‭ ‬بيته‭ ‬مفكك‭ ‬أو‭ ‬فاسد‭ ..!!‬

الصمت‭ ‬لا‭ ‬يعالج،‭ ‬بل‭ ‬يؤجل‭ ‬الانفجار‭.‬

الوجع‭ ‬حين‭ ‬يُكبت،‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬كره،‭ ‬وإلى‭ ‬مشكلات‭ ‬نفسية،‭ ‬وإلى‭ ‬سلوكيات‭ ‬مدمّرة‭.‬

وحين‭ ‬يصبح‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬كلام‭ ‬النَّاس‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬سلامة‭ ‬أفراد‭ ‬البيت‭… ‬فهنا‭ ‬تبدأ‭ ‬الكارثة‭.‬

المجتمعات‭ ‬لا‭ ‬تتقدّم‭ ‬وهي‭ ‬تلبس‭ ‬أقنعة،‭ ‬والبيوت‭ ‬لا‭ ‬تصمد‭ ‬وهي‭ ‬تخفي‭ ‬الألم‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الستر‮»‬‭ .‬

الفرق‭ ‬واضح‭ ‬بين‭ ‬الستر‭ ‬الذي‭ ‬يحمي،‭ ‬والصمت‭ ‬الذي‭ ‬يُخفي‭ ‬الجريمة‭.‬

فالستر‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬الزوجة‭ ‬سجينة،‭ ‬أو‭ ‬الطفل‭ ‬ضحية،‭ ‬أو‭ ‬المراهق‭ ‬غارقًا‭ ‬في‭ ‬الاكتئاب‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬يُنصت‭ ‬إليه‭.‬

النجاة‭ ‬الحقيقية‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬لحظة‭ ‬شجاعة،‭ ‬نقول‭ ‬فيها‭ : ‬هذا‭ ‬خطأ‭… ‬ويجب‭ ‬إصلاحه‭.‬

فلنكفّ‭ ‬عن‭ ‬تربية‭ ‬أبنائنا‭ ‬على‭ ‬الصمت‭ ‬والخوف،‭ ‬ولنربّيهم‭ ‬على‭ ‬المواجهة‭ ‬بالحكمة،‭ ‬والحديث‭ ‬بالحُجة،‭ ‬والحب‭ ‬والعدل‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى