ثقافة

قراءة في كتاب.. رؤية جمالية في رواية (أمنية على حافة السماء) للأديب أ. محمد التليسي

سميرة البوزيدي

يقول‭ ‬الأديب‭ ‬المبدع‭ ‬محمد‭ ‬التليسي‭: ‬

‭)‬رؤية‭ ‬الجمال‭ ‬تجربة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬متاحة‭ ‬للجميع،‭ ‬هي‭ ‬مغامرة‭ ‬لن‭ ‬تجيد‭ ‬عيشها‭ ‬إلا‭ ‬فئة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الناس‭(.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬زمن‭ ‬جحود‭ ‬العواطف‭ ‬الإنسانية،‭ ‬تشرق‭ ‬رواية‭ )‬أمنية‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬السماء‭(‬،‭ ‬وترسل‭ ‬أشعتها‭ ‬الصافية‭ ‬إلى‭ ‬القارئ،‭ ‬وتكسر‭ ‬قسوة‭ ‬القلوب،‭ ‬وتبعث‭ ‬الأملَ‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬المحبين،‭ ‬وأول‭ ‬خطوات‭ ‬المحبّة‭ ‬يدركها‭ ‬المتلقي‭ ‬في‭ ‬‮ ‬

حكمة‭ ‬الأديب‭ ‬محمد‭ ‬التليسي‭ ‬تأخذنا‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬التي‭ ‬مزجتْ‭ ‬بمشاعر‭ ‬الحب‭ ‬والسعادة‭ ‬والنظر‭ ‬في‭ ‬جمالية‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬مختلفة،‭ ‬فكانت‭ ‬سطوره‭ ‬تنبض‭ ‬بالعواطف‭ ‬الصادقة،‭ ‬تملك‭ ‬شخصياته‭ ‬الإحساس‭ ‬المرهف،‭ ‬والأحداث‭ ‬المترابطة‭ ‬تبوح‭ ‬بأوجاع‭ ‬أصحاب‭ ‬القضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬أمنيات‭ ‬وأحلام‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬السماء‭ ‬كادت‭ ‬أن‭ ‬تتحقق‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬لكن‭ ‬تغيرت‭ ‬أحوالهم‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الرواية‭.‬

اشتملتْ‭ ‬الروايةُ‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬اجتماعية،‭ ‬وإنسانية‭ ‬نُسِجتْ‭ ‬بقلم‭ ‬العاشق‭ ‬للحياة،‭ ‬والمتأمل‭ ‬لما‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬بوح‭ ‬للحب،‭ ‬الاستقرار،‭ ‬الأسرة،‭ ‬المستقبل،‭ ‬للجمال‭ ‬الروحي‭ ‬والمعنوي‭ ‬زُينتْ‭ ‬مفاصل‭ ‬الرواية‭ ‬بأمنيات‭ ‬كثيرة‭ ‬وعميقة‭ ‬للنفس‭ ‬الإنسانية‭. ‬

‭-‬القضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬

مشكلة‭ ‬الزواج‭ ‬غير‭ ‬الشرعي‭ ‬وأثره‭ ‬على‭ ‬الأبناء‭:‬

حركتْ‭ ‬الرواية‭ ‬مشكلة‭ ‬الزواج‭ ‬غير‭ ‬شرعي‭ ‬وتأثيره‭ ‬على‭ ‬الأبناء‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬رنيم‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تجهل‭ ‬محيطها‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬تعيش‭ ‬مع‭ ‬والدتها‭ ‬وتذهب‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬وعندما‭ ‬ابتعدتْ‭ ‬الصديقة‭ ‬عنها‭ ‬اكتشفتْ‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬صديقتها‭ ‬قائلة‭:‬

قالت‭ ‬ليّ‭ ‬أمي‭ ‬لا‭ ‬تعودي‭ ‬إلى‭ ‬اللعب‭ ‬مع‭ ‬‮«‬رنيم‮»‬،‭ ‬فهي‭ ‬بنت‭ ‬حرام

‭)‬بينما‭ ‬تجهل‭ ‬‮«‬رنيم‮»‬‭ ‬المعنى‭ ‬المراد‭(‬،‭ ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬هذا،‭ ‬وتسير‭ ‬الرواية‭ ‬تضيء‭ ‬المحور‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬منها‭ ‬معاناة‭ ‬‮«‬رنيم‮»‬‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬المظلم،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬والدها‭ ‬وربط‭ ‬الحاضر‭ ‬بالماضي‭ ‬في‭ ‬سرد‭ ‬يذهل‭ ‬القراء،‭ ‬ويفتح‭ ‬الآفاق‭ ‬نحو‭ ‬أهمية‭ ‬الأسرة‭ ‬ودور‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الإنسان‭ ‬السليم‭ ‬من‭ ‬المعوقات‭ ‬الاجتماعية‭.‬

ورسمت‭ ‬‮«‬رنيم‮»‬‭ ‬حديقة‭ ‬صغيرة‭ ‬بداخلها‭ ‬رجل‭ ‬وامرأة‭ ‬يمسكان‭ ‬بيدي‭ ‬فتاة‭ ‬في‭ ‬عمرها‭ ‬لونتْ‭ ‬‮«‬رنيم‮»‬‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬داخل‭ ‬الرسمة‭ ‬إلا‭ ‬صورة‭ ‬الأب‭ ‬‭)‬أظهر‭ ‬الأديب‭ ‬آثار‭ ‬الفقد‭ ‬العاطفي‭ ‬عند‭ ‬‮«‬رنيم‮»‬‭ ‬وهذا‭ ‬يشكل‭ ‬رسالة‭ ‬تربوية‭ ‬للقارئ‭( . ‬

تضمنت‭ ‬الرواية‭ ‬قضايا‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ :‬

قضية‭ ‬التحرش‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭. ‬

قضية‭ ‬التنمر‭ ‬العائلي،‭ ‬التنمر‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭.‬

وفتحت‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الأسرة‭ ‬والتربية‭ ‬وكيفية‭ ‬بناء‭ ‬الإنسان‭ ‬الصحيح‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬والسلوكية،‭ ‬والحقيقة‭ ‬إن‭ ‬الرواية‭ ‬تستحق‭ ‬القراءة‭ ‬لطلاب‭ ‬المرحلة‭ ‬الجامعية‭ ‬والوقوف‭ ‬على‭ ‬معالمها‭ ‬القيمة‭ ‬والاستفادة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬العملية‭ ‬والتعليمية‭. ‬

جمالية‭ ‬البناء‭ ‬السردي‭:‬

ظهرت‭ ‬الجمالية‭ ‬السردية‭ ‬في‭ ‬مواطن‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭:‬

1-‭ ‬جمالية‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬تجول‭ ‬الأديب‭ ‬بالقارئ‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬كثيرة،‭ ‬رسم‭ ‬لوحاته‭ ‬الجميلة‭ ‬بحركة‭ ‬الشخصيات‭ ‬وقوة‭ ‬الأحداث،‭ ‬وتكثيف‭ ‬الوصف‭ ‬الخارجي‭ ‬فاجتمعتْ‭ ‬العناصر‭ ‬الفنية‭ ‬تلتحم‭ ‬مع‭ ‬السرد‭ ‬الجميل‭ ‬تارة‭ ‬وصف‭ ‬المكان‭ ‬بقوله‭ : ‬‭)‬في‭ ‬صفوفها‭ ‬المتشابكة‭ ‬تتابعت‭ ‬النوارس‭ ‬فوق‭ ‬رؤوس‭ ‬الإسكندرانية‭(‬،‭ ‬وتارة‭ ‬يتصل‭ ‬الزمن‭ ‬بالمكان‭ ‬قائلاً‭: ‬‭)‬كان‭ ‬يومًا‭ ‬ربيعيًا‭ ‬بامتياز‭(‬،‭ ‬وأخرى‭ ‬بالمواقف‭ ‬المثيرة‭ ‬التي‭ ‬تحفز‭ ‬المتلقي‭ ‬القراءة‭ ‬بقوله‭: )‬غدًا‭ ‬سأعود‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬طائرة‭ ‬من‭ ‬مطار‭ ‬برج‭ ‬العرب‭(‬،‭ ‬فالأديب‭ ‬يبدع‭ ‬في‭ ‬تصوير‭ ‬الأمكنة‭ ‬بجمالية‭ ‬مناظرها‭ ‬مع‭ ‬لمسات‭ ‬الرومانسية‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭ ‬وروعة‭ ‬نسيج‭ ‬السرد‭ ‬المتماسك‭ ‬بناصية‭ ‬الراوي،‭ ‬والأمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬للوقوف‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الرواية‭.‬

2-‭ ‬يأخذنا‭ ‬الوصف‭ ‬الخارجي‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مواطن‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬مثل‭ :‬

الوصف‭ ‬الخارجي‭ ‬للشخصية‭ ‬صفاء،‭ ‬وحركة‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬عمر‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬رجاحة‭ ‬عقله‭ ‬وقوة‭ ‬شخصيته،‭ ‬وهكذا‭ ‬تمشي‭ ‬الأوصاف‭ ‬الجميلة‭ ‬والرقيقة‭ ‬مع‭ ‬الرواية‭ ‬دون‭ ‬ضجيج‭ ‬تحمل‭ ‬سمات‭ ‬الهدوء‭ ‬في‭ ‬الحروف‭ ‬والعبارات‭ ‬برومانسية‭ ‬عميقة‭ ‬تهز‭ ‬فؤاد‭ ‬القارئ‭ ‬كأنها‭ ‬قصيدة‭ ‬عاشق‭.‬

3-جمال‭ ‬الحب‭ ‬والسعادة‭:‬

انتشر‭ ‬عبير‭ ‬الحب‭ ‬وعطره‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬الرواية،‭ ‬وكانت‭ ‬إطلالة‭ ‬الشخصيات‭ ‬العاشقة‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الرواية‭ ‬كأننا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬العشق‭ ‬والهوى،‭ ‬كسرت‭ ‬الشخصيات‭ ‬حاجز‭ ‬المادة‭ ‬والتحجر‭ ‬وارتقت‭ ‬إلى‭ ‬الجمال‭ ‬الروحي‭ ‬والابتسامات‭ ‬الزاهرة‭ ‬بقول‭ ‬الأديب‭: ‬‭)‬ولما‭ ‬تحسست‭ ‬قلبها‭ ‬وجدته‭ ‬يتوق‭ ‬للتواصل‭ ‬الروحي‭ ‬ولمسات‭ ‬الحب‭ ‬البسيطة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تشترى،‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬الضحك‭ ‬بسعادة،‭ ‬والنظرات‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬إلى‭ ‬ألف‭ ‬معنى‭(.‬

معالم‭ ‬الرواية‭ ‬نشر‭ ‬الحنان‭ ‬وطهارة‭ ‬القلب‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬العداوة‭ ‬ورغم‭ ‬ألم‭ ‬شخصيات‭ ‬الساكنة‭ ‬بالحزن‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬منافذ‭ ‬الحب‭ ‬والسعادة‭ ‬المؤقتة‭ ‬والدائمة،‭ ‬وتمنح‭ ‬في‭ ‬جمالها‭ ‬العبرة‭ ‬والعظة‭ ‬مثل‭ ‬قوله‭:‬

‭)‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬المرء‭ ‬قد‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬زحام‭ ‬العطاء‭ ‬المادي‭ ‬بينما‭ ‬تظل‭ ‬روحه‭ ‬تتوهج‭ ‬شوقا‭ ‬للمشاركة‭ ‬العاطفية‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬تضيء‭ ‬الوجود‭(.‬

حملت‭ ‬الرواية‮ ‬‭ ‬بصمات‭ ‬السعادة‭ ‬والشقاء،‭ ‬الحب‭ ‬والكره،‭ ‬النجاح‭ ‬والفشل‭ ‬وهذه‭ ‬المتناقضات‭ ‬صورت‭ ‬جمالية‭ ‬الإبداع‭ ‬عند‭ ‬الأديب‭ ‬المتألق‭ ‬محمد‭ ‬التليسي‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى