
دون إهمال ما حُذِّرنا منه أو أُمِرْنا به ونحن نطرق أبواب الكتابة الصحفية في خمسينيات القرن الماضي تحت عنوان «المحضورات على الصحفي»، تلك التي نصت ضمن ما نصت على وجوب عدم تناول ما يمت إلى المصلحة الشخصية بصلة، أريد أن أتناول في هذه المساحة ما قرأته في العاشر من أغسطس على صفحات الصباح الليبية وبصفحتها الثانية عشر تحديدا، تحت عنوان معاشات الضمان بمناسبة تنفيذ صندوق الضمان الاجتماعي للقانون الذي صدر منذ فترة والذي أُريد منه تطبيق جدول المرتبات المُوحَّد على شريحة المتقاعدين ممن لست خارجهم انطلاقا من المبدأ المعمول به من أن كل من بلغ سن التقاعد وأصبح يعتاش على مرتب صندوق الضمان، يستحق بالضرورة الراتب المقرر لكل من يماثله في الدرجة، وظل المُسَيِّر للصندوق يمانع الصرف بحُجة أن المعاش الضماني يُدفع وفقا للإسهامات التي سبق للمتقاعد أن سددها، فيتعذّر، وفق هذا الاجتهاد غير المسبوق، أن يتقاضى المتقاعد مبالغ زائدة على ما سبق أن سدد، الأمر الذي لم تُقرُّه أطراف كثيرة ليس خارجها نقابة الموظفين، وثمة من أشاع أن الشريحة المذكورة أو بعض المتحركين منها قد شاركوا في مسيرة دعت إلى رفع هذا الحيف، وتوالت بعد ذلك عديد النداءات التي جمعت بين المطالبة والاحتجاج، إلا أن التجاهل ظل سيد الموقف حتى كان القرار الأخير الذي أقدم عليه مُسَيِّر الصندوق، وتلاه هذا التناول الذي نشرته أخيرا صحيفة الصباح وحاولت أن تطالب بالتي هي أحسن بعدم التراجع عن التطبيق وإن شئنا المكاشفة قلنا التناول بدا يستشرف إمكانية التلكؤ في الدفع على خلفية ما قد غدا يستشعره كل من يؤول إليه تسيير مرفق من المرافق من أن المكان ملك له وحده، ويحق له أن يسيره كيفما يريد وأن ما يقوم به من إصدار الأوامر المتعلقة بالدفع ستُقتص من مدخراته الخاصة واحتياجات أسرته ومن يعول من عباد الله، حيث لا تتوقف عن حاجتهم عند لقمة عيشهم، وإنما تشمل كمالياتهم، حتى ليُنسَب إليه التصريح بأن الضمان يُصرف انطلاقا مما دُفِع وليس من مبدأ الحق الذي يستوي فيه المواطنون جميعا ومن بينه الموظف الذي يُفترض أن يُحال إلى التقاعد فور تجاوزه الثانية والستين وعلى الأكثر الخامسة والستين، وليس هذا العدد الكبير من مشاهير القوم ممن تجاوزوا هذا العمر بما لا يقل عن السبعين مُمَدد لمن مدد واستمر الكثير من دون تمديد وبلغت فيه مرتبات أو مكافآت كبار شخصياته هذه الأرقام الفلكية، وحسب بعضها بين ما يتقاضاه المتقاعد حتى أصبح المرتب لدى هذه الفئة يفوق ما يتقاضاه من لا يزال داخل جدول المرتبات والكلام في هذا الباب يطول والحديث فيه وإن لم يخلُ من المصلحة أو الحق الشخصي، إلا أنه يسوغ من تعلقه بفئة كبيرة من أبناء الوطن تعاني الظلم في عيشها وأخرى دأبت على الفوز بالاستثناء الذي ليس له من مبرر سوى غياب النواعز وانقلاب الموازين، فوجب الخوض فيها؛ لأن زمن المحضورات لم يعد له مكان إلا في بقايا الذاكرة التي لم تفقد بعدما روت بدأ من دولة الاستقلال وإلى هذه الأيام حيث ما زال الجهد كفيلا بدوام الترفع على من يُعتَبرُ الترفُّعُ عنهم عبادة.