
أصابني الذهولُ حين قرأتُ قبل سنوات بالإنجليزية مقالةً للمؤرخ السويدي «يواخيم أوستلوند» عن القنصلية السويدية في طرابلس بين عامي 1795 و 1844 في كتاب جماعي عنوانه : )الدبلوماسية والاستخبارات بالعالم المتوسطي في القرن التاسع عشر( صدر عام 2019 في المملكة المتحدة عن دار «بلومسبري أكاديميك».
وكان سبب ذهولي معلومات غير مسبوقة استقاها الكاتب من وثائق الأرشيف السويدي عن كتاب ألفه القنصل السويدي المستشرق «يعقوب جرابيرج دا همسو» بلغته الأم طبع في مدينة طرابلس عام 1828 في مطبعة يملكها رجل يدعى محمد السويد يقول عنه كاتب المقالة إنه فنلندي الأصل اسمه «يوهان أوهمان» ولد في «كريستيستاد» عام 1785 وأسر وهو في نحو الثانية عشرة في سفينة سويدية سيقتْ إلى طرابلس فاعتنق الإسلام وعرف باسم القايد محمد السويد أي – السويدي، وغدا أحد المقربين من الباشا.
وكانتْ الخطوة الأولى التي قمت بها حين وقفت على هذه المعلومة أنني عكفت على مجلدي يوميات حسن الفقيه حسن لعلي أجد ذكرا لهذا السويد مستعينا بالفهارس التي أضاء بها أستاذنا المؤرخ عمار جحيدر النص الأطول في المكتبة التاريخية الليبية بحثا عن هذه الشخصية المثيرة ولكن لم أعثر على ذكر هذا الشخص.
كما حاولت العثور عن صورة من هذا الكتاب في أرشيف الكتب القديمة المتاحة في الشبكة فلم أظفر بشيء آنذاك سوى ذكر له ضمن مؤلفات دا همسو في بضعة مصادر من كتب الببليوغرافيا، وهي جميعا تذكر طرابلس مكانا للطباعة ومحمدا السويد صاحبا للمطبعة، وأفادتني بأن الطبعة الطرابلسية كانت الثانية لا الأولى.
ولكني قبل أيام عثرت على الدليل المادي القاطع على وجود هذا الكتاب، وعلى غلافه اسم طرابلس الغرب ومحمد السويد، وتبين أنه كتيب صغير يشغل النص فيه تسعا وتسعين صفحة، ومن الطريف أن طرابلس الغرب هنا مترجمة ترجمة حرفية (vester = western)، لا كما اعتدنا في اللغات اللاتينية كتابتها طرابلس باربري tripoli of barbary
تلك المعلومات وهذه الصورة تغير معلوماتنا عن تاريخ دخول المطبعة الأجنبية إلى الديار الليبية، وتدعونا إلى مزيد البحث عن هذه تاريخ هذه المطبعة وظروف نشأتها وشخصية صاحبها محمد السويد، ولا يخفى على المعنيّ بتفاصيل تلك المرحلة من العهد القرمانلي أن صحيفة فرنسية كان قد بدأ صدورها في طرابلس في الحادي والثلاثين من يوليو عام 1827 واستمرت لوقت وجيز اسمها L›investigateur Africain وكان من محرريها قنصل السويد وقنصل فرنسا البارون روسو، وكان من المساهمين فيها رسام خرائط فرنسي شهير يدعى بوكاج، فهل كانت تلك الدورية قصيرة العمر تطبع في مطبعة محمد السويد؟ وهل يجعلنا اكتشاف هذا الكتاب نأمل في العثور على تلك الصحيفة التي لا أثر لها حتى هذا اليوم سوى بضعة أخبار نشرت عنها في
صحف أوروبية.
ولهذا الكتاب اليوم نسخة واحدة معروفة تملكها مكتبة نيويورك العامة، ونجاة نسخة منه أمر عجيب إذا عرفنا أنه لم يطبع منه عام 1828 سوى ثلاثين نسخة فقط.
وكان نشري لتفاصيل هذا الموضوع في صفحتي على فيسبوك مناسبة طيبة للنقاش، واستفدت من بعض الأصدقاء الذين أثارهم الموضوع وحرك فيهم رغبة البحث فأفادوني بدورهم ومن أبرز التعليقات التي تلقيتها تعليق صديقي المهندس محمد الزرقاني الذي أشار إلى مقالة للكاتب تُوربيورن أوديجار في مقال له في أحد أعداد المجلة الدولية للدراسات التركية ذكر فيه أن السويد كان شخصاً غير مرغوب فيه لدى القنصلية السويدية، وعد توظيفه مخاطرة. ومع ذلك فقد وظف فيها، وربما كان ذلك لبراعته في الترجمة، أو لعلاقته ببلاط الباشا، كما أشار إلى احتمال جلب السويد أحرف مطبعته المتحركة من مالطا.
وختم المهندس محمد الزرقاني تعليقه المفيد بأن للسويد ترجمة مقتضبة في كتاب فنلندي سير ذاتية لشخصيات فنلندية في الماضي والحاضر منشور سنة 1879.