
يواصل منصور بوشناف في هذا الحوار، التحدث عن مسيرته الزاخرة والمتنوعة، لنقترب فيه من منصور الكاتب والانسان وصاحب التجارب العديدة في المكابدة والكتابة في المسرح والرواية والمقالة والنقد،
منصور يتبث هنا أن ليبيا ستعيش وتنهض بمثل هكذا تجارب حقيقية تشعل الشموع وتعاند الظلام
منصور الكافكاوي صاحب الخيال الجامح، الذي شهد بحياته وخياله التحولات
والتغيرات المثيرة وكيف خرج منها مبتسما وهو يهتف
منصور انت رجل عابر للمحن عشت ظروفا صعبة وكابدت
قل لي كيف استطعت أن تنجو؟!
انا لم انجو تماما, ولكنني ظللت احاول النجاة حتى ان حياتي ظلت معركة كر وفر ضد القيد, تكبلني مخاوفه واثاره وتفلت روحي قافزة خارج جدرانه ومخاوفه, ولا تكون تلك القفزة النهاية والتحرر بل بداية المطاردة والمناورة والتخفي, ولكنني ظللت وانا الهث مطاردا من مخاوفي السجنية اكتشف انتصارات الفن على سجن الزمن وضروراته, انتصارات الشعر والايقاع, انتصارات الموسيقى,
انتصارات الجانب الوضيء, ذلك الجوهر الذي خبأه الله فينا كي لاتطاله جحافل الظلام والموت والتحجر, لقد كان الشعر والنثر واللوحة والموسيقى اقوى “ عربات النجاة “ من مصائر العدم واللامعنى , ان رسام ماقبل التاريخ لازال يقف منتصرا على التصحر والموت والاهم منتصرا على الجدار الصلد وقد احاله واحة تضج بالحياة, وارى هوميروس وانهاره تتدفق, وارى الامير الضليل يهديه ضلاله للنجاة والخلود وارى البصير “ابو العلاء “ وهو يكشط طبقات الكلس والتحجر والموت, ولكن ضفائر “ميدوسا” الافاعي تسعى في الشوارع من حولنا لتحيل كما في الاساطير كل كائن حيا حجرا, ولا انجو تماما, رغم هذه الجرعات الغنائية, فابن المقفع يشوى ورماد فناء الحلاج يذوب ملوثا برذاذ ثرثرة الفقهاء, وكتف ابن حنبل يخلع بعصي المعتزلة والاشتراكيون اقطاعيون بياقات بيضاء, وحمير “غويا “ تكتب الشعر والنثر وتنهق بالاناشيد, وتمتال بيجماليون يحيل النحات الى تمثال قالبا سردية الفن بانسنة الجماد, ليشييء الفن الفنان والانسان, ان نجوت فالفن كان طوق نجاتي.
2- عقب خروجك من السجن كانت ليبيا تمر بفترة مغلقة ومحاصرة وكان هناك الكثير من التقييد على حرية الرأي
هذه مرحلة النجاة الثانية
في ظل هذا الانغلاق التام ومصادرة الحريات والمنابر الثقافية تحولت لجوقة طويلة من الانشاد الثوري
لكأنه السجن الأكبر مقارنة بسجنك الأول
ألم تصبك خيبة أمل ؟ كيف تعاملت مع نفسك كمثقف كان في عزلة؟ وكيف تعاملت مع المعايير الجديدة للسلطة؟
حين القوا بنا خارج السجن, اسمونا “ الطلقاء “, اي اننا لم نكن الا فيئة من الليبيين العصاة, بقايا “ قريش “ الذين عليهم ان يهتدوا, كانت البلاد تعاني الحصار والانغلاق, وكان الليبيون يتراجعون نحو رحمهم الغيبي, وكنا “ الطلقاء “ العائدون من جدران السجن الى جدران البلاد المغلقة والمحاصرة, كنت وانا بالسجن اخاف ان اجد المحتمع وقد اجتازني بسنوات وسار الى الامام ولكنني وجدت هذا التراجع, هذا التخلي عن العصر, هذا النكوص الى الوراء, كان الشارع الليبي “ينظر خلفه متشوفا والى الحاضر متبرما والى الغد متوجسا خائفا “, كانت بلاد “حالات الحصار والطواري “ وكان عليّ ان اتكيف كما رباني السجن ان ابحث عن جانب الحياة الليبية الوضي, وكانت الاداب والفنون, كان ورغم كل شيء قد كبر بعدنا جيل ومن رحم الفوضى والعزلة, هم قلة ولكنهم حالمون, قادتهم مشاعل الفنون والاداب الى “ خارج الكهف “ ينثرون الشعر والسرد والالوان, انهم “ ماتبقى لنا “
ابصرنا بهم غد مشرق, كانت معاولهم تواصل الطرق على جدار العزلة, كانوا يهشمون جدران الشعر واللوحة , محطمو قوالب وصناديق, هم قلة ولكننا عرفنا عبرهم “ اننا لا ننمو جميعا عندما يأتي الربيع “ ولكن بعضنا ينجو ويحلم, لقد تعلمت في السجن ان الاداب والفنون هي “ ادوات الحرية الاهم “ رغم جعجة شعارات السياسة .
يقول عبد السلام المسدي، في كتابه الأدب وخطاب النقد
إن نقلة جوهرية قد قفزت بالنقد قفزا نوعيا فأصبح الناقد طرفا رئيسا في إنتاج المعرفة، لأنه من الموقع الذي يتحرك فيه مشارك في وضع قواعد المعرفة الإنسانية المتجددة. .
احك لنا عن تجربتك في النقد؟ وهل تحس أن الناقد عندنا أصبح فعلا طرفا مهما في انتاج المعرفة؟
النقد هو مفتاح المستقبل لكل المجالات, انه “ انزيم الابداع والتقدم, وانحطاط النقد وموته هو تابوت ومقبرة المجتمعات وحضارتها, غياب النقد ومنعه ومصادرة الحق في ممارسته “ خروج للروح “ ومفارقة للحياة وان نجحت عمليات التحنيط او حتى نجحت صناعة “الزومبي “ “ مجتمع بلا نقد محكوم بالاعدام بردا حتى الموت” .
والنقد ايضا وفي الان نفسه “تابوت التحنيط “ وصانع زومبيات الحضارة, فالادب والفن مهاجر غير شرعي,يركب قوارب الولادة والموت نحو شطأن الحرية والنقد يمكن ان يتحول الى خفر سواحل, الى حامل مفاتيح القوالب والصناديق, قد يتحول الى “ الاخ الاكبر “ الى “ بروكست وسريره “
4_يقولون أن منصور مجامل لاينتقد احدا !
وأنت في هذا الوقت المهم من عمر تجربتك هل تخشى أن تكون صداميا؟
لست صداميا بطبعي, انا اعمل على ايجاد معنى لما ننتج, الى فهم لمجتمعنا وحركته عبر منتوجنا الادبي والفني, فالفن وكما ارى اصدق المعبرين عن المجتمع, عن تخلفنا وايضا سعيينا لحياة افضل, لذا اكتب عن اعمال او اصوات اراها تضيء طريقنا نحو الحرية والابداع, لست مشغولا بلعن الظلام, انا مشغول بالشموع .
.5_ الرواية الان وهي تعبر مطمئنة من أنماطها التقليدية الى حساسية سردية جديدة في اتجاه شمولية السرد الذي ينفتح على الأنماط المختلفة كالتاريخ والخيال والغرائبية
برأيك هل استطاعت الرواية الليبية ان تكون مسايرة للتغيرات في الكتابة الروائية؟
الرواية الليبية تخوض معركة وجودها ببطولية لافته, ضد التهميش والنكران الليبي والعربي, اصوات روائية ليبية لافتة وخاصة النسائية ظهرت وتشق طريقها بثبات .
الرواية الليببية كغيرها من روايات “ التخوم “ للادب الاوروبي وخاصة العربية لم تستطع وكما فعل اليابانيون واللاتين ان يقدموا منجزا “ فنيا “ اعني على صعيد بنية الرواية وتكنيك كتابتها, لم ينتجوا كما فعل الاوروبيون “ الف ليلة وليلة” الخاصة بهم رغم ولادتها من رحم المنجز السردي العربي المبهر.
6_حدثنا عن هذا الخبل اللذيذ في الكلب الذهبي؟
ماظروف تكون هذه الرواية البديعة؟
الكلب الذهبي محاولة لكتابة رواية ليبية خاصه, بمخيال ليبي وبتكنيك سرد يتكيء على ميراث السرد في ليبيا, منذ فنان ماقبل التاريخ الى هيريدوت
الى ابوليوس الى خرافات الجدات الليبيات, الى “ اطروحة بعث المؤلف وكسر الايهام “ التي اتبناها مهتديا “ببرتولد بريخت”, كبديل ومناقض لاطروحة “موت المؤلف “ كانت شعلتها قد ولدت داخلي وانا اقف مشدوها امام لوحات الخصوبة بالاكاكوس .
7__ وأنت الآن كمثقف مكتمل التجربة
كيف تنظر للماضي والمستقبل؟
الحاضر هو الماضي متحولا والمستقبل هو الحاضر متحولا, ولاشيء يذهب الى العدم كما نتصور, ان عواصف وسيول الامس ورغم عنفها تهدم جدرانها
ويذيب صلادتها طوفانها نفسه, ولينطلق من كهوفها سجنائها وضحاياها .