
علي المغازة )اللقب( الخاص به وهو عن مكان عمل جده، بن عطية وهو والده عمي محمد، و زبيدة لقب جده لوالدته مصطفى زبيدة الذي رباه وكفله صغيرًا رحمهما الله، هذه الالقاب كلها لعلي، ويحق له أن تطلق عليه أيضًا حتى لقب «علي الشيخة راضية»، فهو قد تربى في حومتها و ازقتها و حوضها و زاويتها ، كبر وشب من طفولته وهو من مريديها و روادها ، اما بالنسبة ليّ علي هو )عرفي( وكيف لا وقد عملتُ لثلاث سنوات «حوكي وحرايري» بمغازة عرفي عمي مصطفى رفقته ، وابن عرفي .. عرفي .. هكذا كانت الامور حينها ، هكذا العرف وهكذا جرت العادة
المغازة بيت قديم للنول، اذكره في مبناه الاول وانا طفل اول السبعينيات كـ)داموس( كبير تحت الارض ، تنزل اليه باربع درجات وبه العديد من انوال الحرير لعمي مصطفى، وكانت الشيخة راضية تقابله تمامًا بمبناها القديم جامع ضرب باب، وبه العديد من القبَّب تكاد تصل الى ثماني ، الجامع اكثر ارتفاعًا بقليل من المغازة فتنزل إليه بدرجتين فقط .
حين دخل الاسفلت على شارعنا تغيرتْ معالمه وملامحه بالكامل، صارت البيوت مكان السواني القديمة، و في اول السبعينيات ايضا صار للشيخة راضية مبناها الجديد ، لم تصمد المغازة كثيرًا بشكلها ذاك بعد ذلك، فرفعها عمي مصطفى رحمه الله اعلى قليلا من مستوى الاسفلت، لم يتغير اسمها ظلت مغازة، لكن تصعد اليها باربع درجات وبها أربع انوال. وغرفة جانبية ،كالعادة لضيوف عمي مصطفى القدامى ، رفاقه منذ القديم غرفة جعلها للحديث عند راحته من العمل وشرب الشاي .
في الثمانينيات كنتُ ادرس بمعهد «مالك بن انس» ، واشتغل ببيت جدي العربي ، والذي كان يؤجره لعرفي محمود البوني ، كان بكل غرفة نول وهناك تعلمت انا واخي ياسين العمل على النول و صنعة «حوكي وحراير» .
منتصف الثمانينات دخلتُ في خلاف حول الاجر مع عرفي محمود، حين سمع جدي بذلك نهرني ولامني على معاتبتي لعرفي ، فاوقفني على العمل قال وقف نولك توا ندبروله غيرك .
لم ازعل ولم اتبرم فهو جدي في النهاية، انا اخطأت ثم أنه كانت ليّ خططي اذ سارعت لعمي مصطفى بعد ايام ورويتُ له ما حدث ، واخبرته عن حاجتي للعمل، قال ليّ عد غداً ، علمتُ إنه سيتشاور مع جدي بخصوصي ، في اليوم التالي وجدتُ عمي مصطفي وقد اعد لي نولي الخاص «جاكار » بسدوته الجديدة وبمناولة من ارفع مايكون «منشي» حتى أن الياف الحرير البيضاء كانت تبدو كآلة قانون موسيقية كبيرة الحجم ولا تحتاج إلا لعازف يجيد التعامل معها ، علمت رضى جدي عني وثقة عمي مصطفي بي ، من فوري باشرتُ العمل و بتحد كبير فقد قررتُ ان اكون انا ذاك العازف .
ثلاث سنوات قضيتها بالمغازة ، قبل عودتي لنولي القديم ببيت جدي، كان عمي مصطفى فيها معي في غاية الكرم عرف حقيقي بالصيغة الطرابلسية .. وكانه جد آخر لي .
اما عرفي علي ، فقد تجدرتْ علاقتي به طوال تلك الفترة، علي اكبر سناً مني لكننا كنا على تناغم واحد ، سير العمل همنا ، ورضى عمى مصطفى عنا وعملنا ، ووقت راحتنا لاشئ نفعله سوى الحديث العتبي والحكايات، ثم ان جارتنا الشيخة راضية موالد ومالوف خمرة وشكار وتديجة كبيرة يوم الطلعة . مالذي كنا نريده غير ذلك ..
الخلاصة كانت ايام من ذهب .
رحم الله عمي مصطفي وجدي ورحم الله جميع من ذكرت، فقد تغير الحال الآن تزوج علي وكبر الاولاد وتزوجت بعده بسنوات وكبر الاولاد، ولم تعد هناك مغازة ولا بيت جدي العتيق ، واختفت كل الانوال وصنعة الحوكي والحرايري، ليس من شارعنا فقط بل من طرابلس كلها، ثم انه لم تعد هناك زاوية بالشيخة راضية ، نحن لانحمل اعتراض على الاجراء بشكله الديني ، لكننا نتحسر على غياب ذاك المظهر الاجتماعي و الثقافي والفني ، الذي كانت تقوم به تلك الزوايا ، وفي عدم إيجاد البديل بنفس المنطقة ، بل لا وجود حتى تفكير بالموضوع واهميته ، رغم ان الامر يمس و بضراوة هويتنا الليبية اولا والطرابلسية ثانيا .
يظل افترقنا طويلا انا و عرفي علي ، اخذتنا الدنيا الاولاد والاحداث ، لكنني والاصدقاء محظوظين برؤيته هذه الايام ، بحضوره الانيق اما بالبدلة العربية وعادة تكون لباسه كل جمعة او فترة المساء وفي الصباح بملابس كبارنا فترة الستينات البدلة فرنحي والشنة طرابلسية .
وحديث علي حفظ الله له ذاكرته عن شارعنا وعائلاته المؤسسة .. عن ايام الشارع بيت واحد الكل للواحد والواحد للجميع ، جيران من نسيج واحد ، وكانهم قبيلة يجمعهم رابط الدم مع العلم ان سكان الحي مشاربهم شتى ، ومن كل انحاء ليبيا لكن تاريخهم المشترك والطويل ، يحعلك تتحسر على تلك الايام ، وتتحسر الان والكره يعم ، بل والحقد احيانا بين الشارع والشارع والزنقة والزنقة بل بين الجار والجار .
.