رأي

طهر الملائك من رجس الشياطين

أمين مازن

لم‭ ‬تستطع‭ ‬سوء‭ ‬الأحوال‭ ‬الجوية‭ ‬عصر‭ ‬السابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬أغسطس‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬مغادرة‭ ‬البيت‭ ‬والتوجه‭ ‬شطر‭ ‬المدينة‭ ‬حيث‭ ‬المركز‭ ‬الليبي‭ ‬للمحفوظات‭ ‬و‭ ‬الدراسات‭ ‬التاريخية‭ ‬أو‭ ‬الجهاد‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬التسمية‭ ‬التي‭ ‬رسخت‭ ‬بالذاكرة،‭ ‬حيث‭ ‬لقاء‭ ‬الأربعاء‭ ‬التقليدي‭ ‬وما‭ ‬درج‭ ‬على‭ ‬ترتيبه‭ ‬من‭ ‬حوار‭ ‬يعقب‭ ‬كل‭ ‬محاضرة‭ ‬يُكلَّفُ‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬يُستجاب‭ ‬لها،‭ ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬حُدِّدَت‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬حول‭ ‬أدب‭ ‬السجون‭ ‬للكاتب‭ ‬خالد‭ ‬درويش‭ ‬في‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬بدأت‭ ‬بالعام‭ ‬الثاني‭ ‬والسبعين‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وقد‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬حضورها‭ ‬عدد‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬المعنيين،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬طالما‭ ‬داوموا‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬والإصغاء‭ ‬وإبداء‭ ‬الرأي‭ ‬أحيانا،‭ ‬فمنَّ‭ ‬الله‭ ‬بالحضور‭ ‬والاستماع‭ ‬إلى‭ ‬المحاضرة‭ ‬التي‭ ‬استغرقت‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬ما‭ ‬تجاوز‭ ‬الساعة‭ ‬لما‭ ‬عُرِفَ‭ ‬عن‭ ‬المحاضر‭ ‬من‭ ‬دوام‭ ‬الاهتمام‭ ‬بموضوعه‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القراءة‭ ‬أو‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬عديد‭ ‬المعنيين‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬إثبات‭ ‬حقوقهم،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬أو‭ ‬الروايات،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬النصوص‭ ‬الشعرية‭ ‬فصيحة‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬شعبية‭ ‬مما‭ ‬تَبينَ‭ ‬من‭ ‬همهمة‭ ‬عديد‭ ‬المستمعين‭ ‬الذين‭ ‬توزعوا‭ ‬في‭ ‬القاعة‭ ‬واتضح‭ ‬ما‭ ‬لدى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬وسابق‭ ‬الأحاديث،‭ ‬فشكل‭ ‬في‭ ‬مجمله‭ ‬إضافات‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬المناخ‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬أثقلته‭ ‬خيبات‭ ‬الأمل‭ ‬ومؤلمات‭ ‬الأحداث‭ ‬وتوالي‭ ‬أيام‭ ‬الفراق،‭ ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إلحاق‭ ‬تحية‭ ‬المحاضر‭ ‬على‭ ‬جهده‭ ‬وعديد‭ ‬الموجودين‭ ‬الذين‭ ‬باعدت‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬المسافات‭ ‬والصعوبات‭ ‬ليكون‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬التي‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬أحرص‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مرتبطة‭ ‬بما‭ ‬استمعت‭ ‬إليه‭ ‬وأثق‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تثير‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الموجودين‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وبوابات‭ ‬الحوار‭ ‬المشرعة‭ ‬أمام‭ ‬الوطنيين‭ ‬الجادين‭ ‬ممن‭ ‬لم‭ ‬تَفُتّ‭ ‬عزائمهم‭ ‬عديد‭ ‬المثبطات‭ ‬الرسمية‭ ‬والخاصة،‭ ‬فتأتي‭ ‬تحياتهم‭ ‬مؤكدة‭ ‬بكل‭ ‬القوة‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬السويداء‭ ‬رجال‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬استشهاداتهم‭ ‬القديمة،‭ ‬فوجب‭ ‬أن‭ ‬نحذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬بنا‭ ‬الإمعان‭ ‬في‭ ‬إدانة‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬العقود‭ ‬الأربعة‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬مجموع‭ ‬عمر‭ ‬عهد‭ ‬سبتمبر‭ ‬بما‭ ‬سبقها‭ ‬من‭ ‬تنامٍ‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬الوطنية‭ ‬وارتفاعٍ‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬الفكري‭ ‬الذي‭ ‬استكثر‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬أولئك‭ ‬الملازمين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يمض‭ ‬على‭ ‬ترقية‭ ‬بعضهم‭ ‬إلى‭ ‬النجمة‭ ‬الثالثة‭ ‬والمتأرجحة‭ ‬بين‭ ‬مصطلح‭ ‬الرؤساء‭ ‬والنقباء‭ ‬وأفلحوا‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬عربات‭ ‬السلاح‭ ‬لتحتل‭ ‬الدوائر‭ ‬وتعتقل‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬والضباط‭ ‬وتودعهم‭ ‬السجن‭ ‬وتعلن‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬وحضر‭ ‬التجوال‭ ‬بحيث‭ ‬لم‭ ‬تمض‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬سنوات‭ ‬ثلاثة‭ ‬حتى‭ ‬بدأ‭ ‬الاصطدام‭ ‬وفُتحت‭ ‬السجون‭ ‬وكان‭ ‬ما‭ ‬كان،‭ ‬فننسى‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬حضرة‭ ‬التاريخ‭ ‬حيث‭ ‬اصطدام‭ ‬المصالح‭ ‬واختلاف‭ ‬الرؤى‭ ‬والمواقف‭ ‬والحاجة‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬المحاولة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬إدانة‭ ‬الأيام،‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬وضعنا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬حاجة‭ ‬الأجيال‭ ‬دوما‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الإيجابي‭ ‬والسلبي‭ ‬لتطوير‭ ‬الإيجابي‭ ‬ليبقى،‭ ‬ومعرفة‭ ‬السلبي‭ ‬ليُعدَّل‭ ‬أو‭ ‬يُزال‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭ ‬‮«‬الخير‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لولا‭ ‬الشر‭ ‬يجمعه‭ ** ‬طهر‭ ‬الملائك‭ ‬من‭ ‬رجس‭ ‬الشياطين‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى