
لم تستطع سوء الأحوال الجوية عصر السابع والعشرين من أغسطس أن تحول بيني وبين مغادرة البيت والتوجه شطر المدينة حيث المركز الليبي للمحفوظات و الدراسات التاريخية أو الجهاد كما هي التسمية التي رسخت بالذاكرة، حيث لقاء الأربعاء التقليدي وما درج على ترتيبه من حوار يعقب كل محاضرة يُكلَّفُ بها أو يُستجاب لها، وكانت قد حُدِّدَت هذه المرة حول أدب السجون للكاتب خالد درويش في ثلاثين سنة بدأت بالعام الثاني والسبعين من القرن الماضي، وقد حرص على حضورها عدد غير قليل من المعنيين، أولئك الذين طالما داوموا على الحضور والإصغاء وإبداء الرأي أحيانا، فمنَّ الله بالحضور والاستماع إلى المحاضرة التي استغرقت من الزمن ما تجاوز الساعة لما عُرِفَ عن المحاضر من دوام الاهتمام بموضوعه إن من خلال القراءة أو التواصل مع عديد المعنيين والحرص على إثبات حقوقهم، سواء من الكتابة أو الروايات، بما فيها النصوص الشعرية فصيحة كانت أو شعبية مما تَبينَ من همهمة عديد المستمعين الذين توزعوا في القاعة واتضح ما لدى الكثير من التواصل وسابق الأحاديث، فشكل في مجمله إضافات يحتاج إليها المناخ العام الذي أثقلته خيبات الأمل ومؤلمات الأحداث وتوالي أيام الفراق، فكان لا بد من إلحاق تحية المحاضر على جهده وعديد الموجودين الذين باعدت الكثير منهم المسافات والصعوبات ليكون جزءا من هذه السطور التي كثيرا ما أحرص أن تكون مرتبطة بما استمعت إليه وأثق أنها قد تثير الحوار بين الموجودين ولا سيما في منصات التواصل الاجتماعي وبوابات الحوار المشرعة أمام الوطنيين الجادين ممن لم تَفُتّ عزائمهم عديد المثبطات الرسمية والخاصة، فتأتي تحياتهم مؤكدة بكل القوة أن في السويداء رجال كما يقول العرب في استشهاداتهم القديمة، فوجب أن نحذر من أن يؤدي بنا الإمعان في إدانة ما شهدته العقود الأربعة والتي هي مجموع عمر عهد سبتمبر بما سبقها من تنامٍ في الروح الوطنية وارتفاعٍ في الوعي الفكري الذي استكثر على مجموعة أولئك الملازمين الذين لم يمض على ترقية بعضهم إلى النجمة الثالثة والمتأرجحة بين مصطلح الرؤساء والنقباء وأفلحوا في تحريك عربات السلاح لتحتل الدوائر وتعتقل كبار المسؤولين والضباط وتودعهم السجن وتعلن إسقاط النظام وحضر التجوال بحيث لم تمض من العمر سنوات ثلاثة حتى بدأ الاصطدام وفُتحت السجون وكان ما كان، فننسى أن الحديث اليوم في حضرة التاريخ حيث اصطدام المصالح واختلاف الرؤى والمواقف والحاجة إلى البحث في المحاولة أكثر من إدانة الأيام، فإذا ما وضعنا في الاعتبار حاجة الأجيال دوما إلى كل ما مر بها من الإيجابي والسلبي لتطوير الإيجابي ليبقى، ومعرفة السلبي ليُعدَّل أو يُزال إلى الأبد انطلاقا من قول الشاعر «الخير ما كان لولا الشر يجمعه ** طهر الملائك من رجس الشياطين.