رأي

عندما يعيق الجمود الإيديولوجي جهود مكافحة التدخين وتقليل الضرر في ليبيا

ربيعة أبوالقاسم

 

في ليبيا، كما هو الحال في العديد من الدول ذات الدخل المتوسط، لا يزال التدخين يشكل تحديًا كبيرًا للصحة العامة. يبلغ معدل انتشار التدخين بين البالغين حوالي 21%، حيث يدخن 38.6% من الرجال مقابل 1.5% فقط من النساء. أما بين الفئة العمرية من 10 إلى 14 سنة، فتصل نسبة التدخين إلى 6.4%، مع انتشار أعلى بين الذكور (9.5%) مقارنة بالإناث (3.4%).

في عام 2021، تسبب التدخين في وفاة 4,776 شخصًا، أي ما يعادل 10.3% من إجمالي الوفيات في البلاد — أزمة صحية صامتة.

وفقًا لأحدث بيانات معهد القياسات الصحية والتقييم، يُقدّر أن التبغ يتسبب في وفاة أكثر من أربعة آلاف وسبعمائة شخص سنويًا في ليبيا. وتُظهر الأرقام أن نسبة المدخنين بين الرجال تتجاوز 38%، وهو مؤشر مقلق. ولا يقتصر الضرر على الجانب الصحي فقط، بل يشكل التدخين عبئًا اقتصاديًا كبيرًا من حيث تكاليف العلاج، وانخفاض الإنتاجية، وتدهور أوضاع الأسر.

سياسة مدفوعة بالإيديولوجيا

ليبيا من الدول الموقعة على الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ، وهي معاهدة دولية تقودها منظمة الصحة العالمية تهدف إلى الحد من استهلاك التبغ عبر إجراءات صارمة مثل حظر الإعلانات، وزيادة الضرائب، والتحذيرات الصحية. ورغم فعالية هذه الإجراءات، إلا أنها تُظهر محدوديتها عند التعامل مع الفئات المدمنة على السجائر.

المشكلة، كما يشير العديد من الخبراء، تكمن في الرفض القاطع من قبل منظمة الصحة العالمية والاتفاقية الإطارية لإدراج المنتجات منخفضة المخاطر ضمن استراتيجياتهما. فالسجائر الإلكترونية، والتبغ المُسخن، وأكياس النيكوتين، جميعها تُعامل كأنها مساوية للسجائر التقليدية من حيث الضرر، وهو موقف إيديولوجي وأخلاقي أكثر منه علمي.

فرص ضائعة مع المنتجات البديلة

في عدة دول، ساهمت المنتجات البديلة في خفض معدلات التدخين بشكل ملحوظ:

السويد: أول دولة أوروبية تحقق هدف “دولة خالية من التدخين” بنسبة أقل من 5% بين السكان الأصليين، بفضل اعتمادها على منتجات أقل ضررًا مثل “سنوس”، والسجائر الإلكترونية، وأكياس النيكوتين. وقد انخفضت معدلات الوفيات المرتبطة بالتبغ بنسبة 39.6% مقارنة بمتوسط الاتحاد الأوروبي.

اليونان: شهدت انخفاضًا بمقدار 6 نقاط في معدل التدخين خلال ثلاث سنوات بعد دمج استراتيجية تقليل الضرر في السياسة الوطنية، وسمحت باستخدام ادعاءات صحية مثبتة علميًا لمنتجات التبغ المُسخن.

التشيك: سجلت انخفاضًا بمقدار 7 نقاط في معدل التدخين بين عامي 2021 و2024، بعد دمج تقليل الضرر في استراتيجيتها الوطنية للإدمان، مما ساهم في تحسين الصحة العامة.

استمرارية المخاطر في منتجات النيكوتين

يشير مفهوم “استمرارية المخاطر” إلى أن منتجات النيكوتين والتبغ تختلف في مستوى الضرر الذي تسببه. فالسجائر التقليدية تُعد الأكثر ضررًا بسبب الاحتراق وإنتاج المواد السامة، بينما تُظهر الدراسات أن البدائل مثل السجائر الإلكترونية، والتبغ المُسخن، وأكياس النيكوتين قد تكون أقل ضررًا، خاصة إذا استُخدمت كوسيلة للإقلاع أو تقليل الاستهلاك. ومع ذلك، فهي ليست خالية من المخاطر، ويجب أن تُستخدم ضمن إطار تنظيمي صارم يضمن حماية غير المدخنين والشباب.

دعوات لتبني نهج أكثر توازنًا

بدأ بعض العاملين في القطاع الصحي الليبي في التشكيك بهذا النهج المتشدد، معتبرين أن الوقت قد حان لتجاوز التفكير الثنائي القائم على “كل شيء أو لا شيء”. فإذا لم يتمكن المدخن من الإقلاع أو لم يرغب بذلك، فإن تقديم بديل أقل ضررًا يُعد خيارًا منطقيًا.

ويطالب باحثون، وجمعيات مستهلكين، وحتى مسؤولون سابقون في منظمة الصحة العالمية، بإصلاح الاتفاقية الإطارية، منتقدين غياب الشفافية ورفض الحوار العلمي.

لا يمكن اختزال مكافحة التدخين في المنع فقط. في ليبيا، كما في غيرها، آن الأوان لتبني نهج أكثر توازنًا، يستند إلى العلم ويركز على صحة الفرد. تجاهل البدائل يعني الحكم على آلاف المدخنين بالموت لأسباب يمكن تجنبها. الجمود لا ينقذ الأرواح. الابتكار يفعل.

السيادة الوطنية والاستراتيجية المحلية

من الضروري أن يتخذ صناع القرار الليبيون قراراتهم بشكل مستقل فيما يتعلق بمكافحة التدخين.

يجب تطوير استراتيجية وطنية تأخذ في الاعتبار السياق المحلي، الثقافي والاجتماعي، لضمان فعالية السياسات وتحقيق نتائج صحية مستدامة.

السيادة الصحية تقتضي أن تكون السياسات مبنية على الأدلة العلمية وتخدم مصالح المواطنين الليبيين أولاً، بعيدًا عن النسخ الأعمى لتجارب دول أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى