محليات

زوجة‭ ‬مطرودة‭ ‬وأطفال‭ ‬مفقودون‭ !!‬

عبير أبو عافية

قصةٌ‭ ‬حقيقية‭ ‬هزتْ‭ ‬الشارع،‭ ‬وفتحتْ‭ ‬ملف‭ ‬الزواج‭ ‬غير‭ ‬الموثق‭.‬

في‭ ‬ساعةٍ‭ ‬متأخرة‭ ‬من‭ ‬الليل،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬عند‭ ‬01‭:‬40‭ ‬فجر‭ ‬الجمعة‭ ‬12‭ ‬سبتمبر‭ ‬الحالي،‭ ‬تلقتْ‭ ‬وحدة‭ ‬التحريات‭ ‬العامة‭ ‬بقسم‭ ‬المعلومات‭ ‬والتوثيق‭ ‬بلاغًا‭ ‬غريبًا‭ ‬امرأة‭ ‬ليبية‭ ‬تجلس‭ ‬وحيدة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الحدائق‭ ‬العامة‭ ‬بمدينة‭ ‬بنغازي،‭ ‬تحمل‭ ‬حقيبة‭ ‬صغيرة،‭ ‬وتتأهب‭ ‬للمبيت‭ ‬بين‭ ‬الأشجار‭.‬

عند‭ ‬الوصول‭ ‬بدأ‭ ‬المشهد‭ ‬صادمًا‭ ‬ملامحها‭ ‬تحمل‭ ‬خوفًا‭ ‬وإرهاقًا،‭ ‬وصوتها‭ ‬يختنق‭ ‬بالدموع،‭ ‬أثناء‭ ‬الاستدلال‭ ‬معها،‭ ‬كشفتْ‭ ‬المفاجأة‭ ‬أم‭ ‬لستة‭ ‬أطفال،‭ ‬متزوجة‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬مصري‭ ‬الجنسية‭ ‬قام‭ ‬بطردها‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شهر،‭ ‬لتعيش‭ ‬حالة‭ ‬تنقل‭ ‬بين‭ ‬بنغازي،‭ ‬وأجدابيا‭ ‬دون‭ ‬مأوى‭ ‬ودون‭ ‬أي‭ ‬خبر‭ ‬عن‭ ‬أطفالها‭ ‬الذين‭ ‬احتجزهم‭ ‬والدهم‭.‬

قالتْ‭ ‬بصوتٍ‭ ‬متهدج‭ : ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬أين‭ ‬أخذه‭ ‬يريد‭ ‬تطليقي‭ ‬ولا‭ ‬يمنحني‭ ‬حضانتهم‭.‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬وبعد‭ ‬عمليات‭ ‬بحث‭ ‬وتحر‭ ‬مكثفة،‭ ‬تمكن‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬مكان‭ ‬الزوج‭ ‬وضبطه‭ ‬وهو‭ ‬يقود‭ ‬مركبة‭ ‬نوع‭ ‬‮«‬كيا‭ ‬روندو‮»‬‭ ‬بلوحات‭ ‬ليبية،‭ ‬وبرخصة‭ ‬قيادة‭ ‬وجواز‭ ‬سفر‭ ‬منتهي‭ ‬الصلاحية،‭ ‬ودون‭ ‬إقامة‭ ‬قانونية‭.‬

تم‭ ‬التحفظ‭ ‬عليه‭ ‬وإحالته‭ ‬للنيابة‭ ‬العامة‭ ‬بأجدابيا‭ ‬لاستكمال‭ ‬التحقيقات،‭ ‬بينما‭ ‬بقي‭ ‬مصير‭ ‬الأطفال‭ ‬مجهولًا،‭ ‬والقضية‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاحتمالات‭  ‬ناقوس‭ ‬خطر‭ ‬يتجاوز‭ ‬الحادثة‭ .. ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬مأساة‭ ‬عائلية،‭ ‬بل‭ ‬تُنذر‭ ‬بخطر‭ ‬اجتماعي‭ ‬يتسع‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬الزيجات‭ ‬غير‭ ‬الموثقة‭ ‬بين‭ ‬ليبيات‭ ‬وأجانب‭ .. ‬زواج‭ ‬يتم‭ ‬خارج‭ ‬الأطر‭ ‬القانونية‭ ‬أحيانًا،‭ ‬بلا‭ ‬توثيق‭ ‬رسمي‭ ‬أو‭ ‬إقامة‭ ‬شرعية،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬المرأة‭ ‬والأطفال‭ ‬الحلقة‭ ‬الأضعف‭ ‬عند‭ ‬أول‭ ‬خلاف‭ ‬أو‭ ‬طلاق‭.‬

خبراء‭ ‬اجتماعيون‭ ‬يحذرون‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ضياع‭ ‬حقوق‭ ‬الأطفال،‭ ‬وصعوبة‭ ‬إثبات‭ ‬النسب،‭ ‬وحرمان‭ ‬الأمهات‭ ‬من‭ ‬الحماية‭ ‬القانونية،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬الوعي‭ ‬ومراقبة‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭.‬

القانون‭ ‬الليبي‭ ‬يجرّم‭ ‬الزواج‭ ‬غير‭ ‬المسجل،‭ ‬ويحمل‭ ‬أطرافه‭ ‬المسؤولية،‭ ‬لكن‭ ‬الحاجة‭ ‬تبقى‭ ‬ماسة‭ ‬لتشديد‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬مكاتب‭ ‬التوثيق،‭ ‬وتفعيل‭ ‬حملات‭ ‬توعية‭ ‬تقي‭ ‬الأسر‭ ‬من‭ ‬الانزلاق‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المآسي‭.‬

القصة‭ ‬ليستْ‭ ‬مجرد‭ ‬حادثة‭ ‬أمنية،‭ ‬بل‭ ‬جرس‭ ‬إنذار‭ ‬يدق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬ليبي‭..‬فكل‭ ‬زواج‭ ‬غير‭ ‬قانوني‭ ‬اليوم‭ ‬قد‭ ‬ينتهي‭ ‬غدًا‭ ‬بحياةٍ‭ ‬ضائعة،‭ ‬وأطفال‭ ‬بلا‭ ‬هوية،‭ ‬ونساء‭ ‬مشرّدات‭ ‬يبحثن‭ ‬عن‭ ‬مأوى‭ ‬في‭ ‬حدائق‭ ‬المدن‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى