رأي

أكبر‭ ‬من‭ ‬الرواية

أمين‭ ‬مازن

لئن‭ ‬لم‭ ‬تُؤدِ‭ ‬المكالمة‭ ‬الهاتفية‭ ‬التي‭ ‬تلقيتها‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬ظهر‭ ‬الخميس‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬تعتزم‭ ‬بعض‭ ‬الدوائر‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬تجاه‭ ‬تخصيص‭ ‬يوم‭ ‬للرواية‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬موافقًا‭ ‬للثاني‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬القادم،‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬اهتمامي‭ ‬خاصةً‭ ‬وأنها‭ ‬محالة‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬الناشطين‭ ‬الإداريين‭ ‬الذين‭ ‬عرفتهم‭ ‬في‭ ‬اللجان‭ ‬الثقافية‭ ‬شبه‭ ‬الرسمية‭ ‬فيما‭ ‬وجدتُ‭ ‬المسؤول‭ ‬أحد‭ ‬أبناء‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الأُسَرِ‭ ‬التي‭ ‬عرفتُ‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬وارتبطتُ‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬بعلاقات‭ ‬وثيقة‭ ‬قامتْ‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬المثمر‭ ‬والموقف‭ ‬الجامع‭ ‬طوال‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وما‭ ‬سبقها‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬من‭ ‬عنيف‭ ‬الصراعات‭ ‬وقوى‭ ‬التحالفات،‭ ‬مما‭ ‬قفز‭ ‬إلى‭ ‬الذاكرة‭ ‬وأنا‭ ‬أتحدث‭ ‬على‭ ‬الهاتف‭ ‬في‭ ‬لهجة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يُقرُّها‭ ‬الاتصال‭ ‬الأول‭ ‬وبالذات‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يوضع‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬اختلاف‭ ‬المواقع‭ ‬والطموحات‭ ‬ودواعي‭ ‬التنازلات،‭ ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬شريك‭ ‬الحوار‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المنتسبين‭ ‬لعالم‭ ‬الكتابة‭ ‬ومن‭ ‬مدخلها‭ ‬السياسي‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬وفي‭ ‬معرض‭ ‬تقديره‭ ‬للكتابة‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬صُنِّفْتُ‭ ‬عليها‭ ‬باعتبارها‭ ‬النَّوع‭ ‬الذي‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬غلّبناه‭ ‬عند‭ ‬تحرك‭ ‬قطار‭ ‬النشر‭ ‬الصحفي‭ ‬في‭ ‬الخمسينيات‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬السلطة‭ ‬لا‭ ‬ترحب‭ ‬كثيراً‭ ‬بالكتابة‭ ‬السياسية‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬جاءت‭ ‬تأييداً‭ ‬شديد‭ ‬الوضوح‭ ‬لمن‭ ‬بيدهم‭ ‬الحكم‭ ‬إدارةً‭ ‬وسياسةً‭ ‬وتحركاً‭ ‬بالداخل‭ ‬والخارج‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬فكان‭ ‬في‭ ‬تمسكهم‭ ‬بأن‭ ‬يلتزم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عُرِفوا‭ ‬بالأدباء‭ ‬بالكتابة‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬بالتعبير‭ ‬الأدبي‭ ‬شعراً‭ ‬وقصةً‭ ‬ومسرحاً‭ ‬ومقاربات‭ ‬تتعلق‭ ‬بها‭ ‬مجتمعة،‭ ‬فَدُعيَ‭ ‬القائمون‭ ‬بها‭ ‬بالنُّقَّاد‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تأسس‭ ‬لمن‭ ‬يخوضون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التعبير،‭ ‬تنظيم‭ ‬نقابي‭ ‬أُطلِقَ‭ ‬عليه‭ ‬بدايةً‭ ‬اتحاد‭ ‬ولاحقاً‭ ‬رابطة‭ ‬أُنيط‭ ‬بها‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬النظائر‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬نظمت‭ ‬المؤتمرات‭ ‬والمهرجانات‭ ‬استضيف‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬أحياناً‭ ‬وتم‭ ‬الاشتراك‭ ‬فيها‭ ‬بواسطة‭ ‬موفدين‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تولت‭ ‬الجهات‭ ‬المشرفة‭ ‬إيفادهم‭ ‬أحياناً‭ ‬بالتشاور‭ ‬وأحياناً‭ ‬أخرى‭ ‬بالتكليف‭.‬

إنه‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬قائماً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬الانقسام‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬عمد‭ ‬الكثير‭ ‬ممن‭ ‬يحترمون‭ ‬أنفسهم‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الاكتراث‭ ‬بما‭ ‬جرى‭ ‬من‭ ‬سلبييه‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬والمثقفين‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وجد‭ ‬كل‭ ‬ذي‭ ‬نصِّ‭ ‬محترمٍ‭ ‬ورؤيةٍ‭ ‬لم‭ ‬تؤثر‭ ‬عليها‭ ‬محاولات‭ ‬التدجين‭ ‬المخجل‭ ‬والتربّح‭ ‬الذي‭ ‬يأنف‭ ‬عنه‭ ‬كل‭ ‬ذي‭ ‬رؤية‭ ‬مكتملة‭ ‬وثقة‭ ‬غير‭ ‬خافية،‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬والأهلية‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬تأثيرها‭ ‬مجتمعة‭ ‬عدم‭ ‬اكتراثي‭ ‬بما‭ ‬رآه‭ ‬البعض‭ ‬اهتماماً‭ ‬بفن‭ ‬الرواية‭ ‬والروائيين‭ ‬اعتماداً‭ ‬على‭ ‬الاهتمام‭ ‬العربي‭. ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬لأعيد‭ ‬الاتصال‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬تكرم‭ ‬وتحدث‭ ‬إليَ‭ ‬بما‭ ‬أنس‭ ‬الأهمية‭ ‬للأشخاص‭ ‬والجدوى‭ ‬للموضوع‭ ‬متوسماً‭ ‬ما‭ ‬يعلق‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬أمل‭ ‬بشأن‭ ‬الرواية‭ ‬والروائيين‭ ‬الذين‭ ‬رؤيَ‭ ‬اختيار‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬السنة‭ ‬لتتاح‭ ‬الفرصة‭ ‬لأصحاب‭ ‬الاختصاص‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬أن‭ ‬يقترحوا‭ ‬ما‭ ‬يرون‭ ‬بخصوصه‭ ‬وأسباب‭ ‬ازدهاره‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬أشارك‭ ‬من‭ ‬أمّلوا‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬الثقافة‭  ‬والمثقفين،‭ ‬غير‭ ‬أنني‭ ‬رأيت‭ ‬ألا‭ ‬مهرب‭ ‬من‭ ‬المراجعة‭ ‬والتوضيح‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬شأنٌ‭ ‬وطنيٌ‭ ‬عامٌ‭ ‬والرواية‭ ‬جنسٌ‭ ‬من‭ ‬أجناس‭ ‬التعبير‭ ‬الدال‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬في‭ ‬متنها‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الإجادة،‭ ‬ولما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الإجادة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬نشاطٍ‭ ‬وطنيٍ‭ ‬عامٍ،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يسعها‭ ‬ما‭ ‬يسع‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الحياة،‭ ‬وما‭ ‬دامت‭ ‬هذه‭ ‬العلامات‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام،‭ ‬فليس‭ ‬أمام‭ ‬الرواية‭ ‬والروائيين‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬الحال،‭ ‬وقديماً‭ ‬قيل‭ ‬كيفما‭ ‬تكونوا‭ ‬يُولَّى‭ ‬عليكم،‭ ‬وبالجملة‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يشغلنا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الرواية‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى