رأي

سردية وعنف أسطورة “الحضارة اليهودية-المسيحية”

مراد حميمة

يتوالى استخدام مصطلح “الحضارة اليهودية المسيحية “! من قبل مسؤلي الكيان الصهيوني وبعضا من داعميهم في الغرب عند توصيف الحرب في غزة لتقديمها وفق ابعاد دينية.
ان عبارة «القيم اليهودية-المسيحية» كُررت كثيراً لدرجة أن البعض يعتبرها حقيقة لا جدال فيها توحي بشراكة تاريخية وسلسة بين اليهودية والمسيحية تقوم عليها الحضارة الغربية. ولكن هذا المفهوم غالباً ما يمثل ظاهرة سياسية تخفي واقعاً أكثر تعقيداً وإثارة للقلق.
يكشف الفحص الدقيق أن سردية «اليهودية-المسحية» هي اختراع حديث يتم إعادة توظيفه بشكل خطير في سياق الحرب على غزة من خلال حشد هذه الوحدة السطحية المزعومة وغير التاريخية بين اليهودية والمسيحية بهدف تقديم صراع سياسي معقد على أنه حرب حضارية ترتب عن ذلك عواقب وخيمة على أرض الواقع.
ان هذا المصطلح يسعى إلى محو 2000 عام من التاريخ بداية من قتل المسيح وما نتج عنها من إضطهاد ضد اليهود ( الحروب الصليبية إلى محاكم التفتيش و المذابح في ألمانيا ) والتغاضي عن اختلافات لاهوتية لا يمكن التوفيق بينها ( الثتليت والتوحيد( . لم تكن هذه شراكة بل كانت علاقة حددتها القوة وعقيدة الاستبدال (فكرة أن المسيحية حلت محل اليهودية في العهد الجديد).
ان مفهوم الحضارة اليهودية المسيحية مغالطة تاريخيّة أصبحت الآن أساساً لاستراتيجية سياسية حديثة. لم تعد السردية تتعلق فقط بالهوية المحلية؛ بل يتم توظيفها لخلق كتلة جيوسياسية أحادية ضد عدو مشترك مُتصوَّر بحيت يتم تبسيط خطابيا حرب مأساوية جذورها في القومية والاستعمار إلى حرب دينية ينتج عنها عواقب كارثية.
تعزز السردية التضامن الحضاري غير المشروط مع الدولة الإسرائيلية، وتخلط بشكل استراتيجي بين الإجراءات العسكرية للكيان الصهيوني وسلامة جميع اليهود في جميع أنحاء العالم. لقد أصبح دعم سياسات عنصرية إمبريالية محددة مرادفاً للدفاع عن «الحضارة اليهودية-المسيحية».
يعتمد هذا الخطاب غالباً على الفكر الاستشراقي الذي أنتج انقسام أساسي وأبدي بين «الغرب» العقلاني و«الشرق» العنيف. لذلك لا يتم تقديم مقاومة حماس المشروعة على أنه عمل يكفله القانون الدولي لشعب تحت الاحتلال بل كتعبير عن طبيعة إسلامية جوهرية الأمر الذي يثير الخوف لدي الغرب ويبرر رداً دون حدود.
ان سردية «صراع الحضارات» تُجرد الصراع من طابعه السياسي بشكل عميق، فمن خلال تقديم الصراع على أنه كفاح ديني أبدي، توحي السردية بأن العنف حتمي، ناتج عن اختلافات ثقافية جوهرية عوضا عن خيارات وإخفاقات سياسية، مما يودي إلى تغييب دراسة الماضي الفعلي.
يتم الاعتراض على هذا التصوير بقوة من قبل أولئك الذين يصرون على طريق أكثر صدقاً وذلك من
داخل المجتمعات اليهودية ذاتها حيت ترفض العديد من الأصوات اليهودية هذا التوظيف، وكذلك
داخل بعض المجتمعات المسيحية حين ترفض الكنائس البروتستانتية الرئيسية الحرب ضد غزة وتطلب وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي.
نشاهد ايضاً جدالا كبيرا حول هذه في الأوساط الأكاديمية حيت يحذر عدد كبير من الأكاديميين والخبراء السياسيين من أن خطاب «الصراع» هو نبوءة تحقق ذاتها.
تكشف المأساة في غزة عن التطور الخطير لأسطورة الحضارة اليهودية المسيحية الأمر الذي بدأ كأداة سياسية محلية تم تعميمه لتقديم حرب مدمرة في مصطلحات نهاية العالم.
تفكيك هذه الأسطورة هو ضرورة ملحة وتجاوزها يساهم في الالتزام بمبادئ القانون الدولي الذي يميز بين انتقاد تصرفات دولة ما وبين كراهيه شعبها ، وذلك من اجل عالم مبني على العدالة والمساواة للجميع، لان البديل هو أن يبقى العالم رهينة في في مسرحية دموية لا تنتهي يردد سطوراً كتبها حمقى التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى