تقارير

التأمين في ليبيا: انعدام الوعي .. وضـعف التطبيق

عبير أبو عافية

يُعدّ‭ ‬التأمين‭ ‬من‭ ‬الركائز‭ ‬الأساسية‭ ‬لأي‭ ‬منظومة‭ ‬اقتصادية‭ ‬حديثة،‭ ‬فهو‭ ‬آلية‭ ‬لحماية‭ ‬الأفراد‭ ‬والمؤسسات‭ ‬من‭ ‬المخاطر،‭ ‬وضمان‭ ‬لاستقرار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬أمام‭ ‬الأزمات‭ ‬والكوارث‭. ‬وفي‭ ‬ليبيا،‭ ‬ورغم‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬أول‭ ‬شركة‭ ‬تأمين،‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬الوعي،‭ ‬وتفاوت‭ ‬الخدمات‭ ‬بين‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬وتراجع‭ ‬تطبيق‭ ‬القوانين‭ ‬المنظمة‭ ‬له‭.‬

‭ ‬التأمين‭ ‬في‭ ‬ليبيا

بدأ‭ ‬النشاط‭ ‬التأميني‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬خلال‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬مع‭ ‬تأسيس‭ ‬الشركة‭ ‬الليبية‭ ‬للتأمين‭ ‬عام‭ ‬1964،‭ ‬كأول‭ ‬كيان‭ ‬وطني‭ ‬يتولى‭ ‬عمليات‭ ‬التأمين‭ ‬وإعادة‭ ‬التأمين‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭. ‬ومع‭ ‬توسّع‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬أُنشئت‭ ‬لاحقاً‭ ‬شركات‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬الشركة‭ ‬الأفريقية‭ ‬للتأمين‭ ‬والشركة‭ ‬الليبية‭ ‬الضمانية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬شركات‭ ‬خاصة‭ ‬ظهرت‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬الانفتاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬التسعينيات‭.‬

تخضع‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬لإشراف‭ ‬وزارة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتجارة،‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬مكتب‭ ‬مراقبة‭ ‬شركات‭ ‬التأمين‭ ‬هو‭ ‬الجهة‭ ‬الرسمية‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬تنظيم‭ ‬القطاع،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أُنشئت‭ ‬هيئة‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬التأمين‭ ‬بموجب‭ ‬القرار‭ ‬رقم‭ ‬‮«‬274‮»‬‭ ‬لسنة‭ ‬2012،‭ ‬بهدف‭ ‬توحيد‭ ‬الإشراف‭ ‬والرقابة‭ ‬وتحسين‭ ‬الأداء‭ ‬المؤسسي‭ ‬للقطاع‭.‬

ثانياً‭: ‬الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬واللوائح‭ ‬المنظمة

ينظم‭ ‬التأمين‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬‮«‬131‮»‬‭ ‬لسنة‭ ‬1970‭ ‬بشأن‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬التأمين،‭ ‬واللوائح‭ ‬التنفيذية‭ ‬التابعة‭ ‬له،‭ ‬التي‭ ‬حددت‭ ‬طبيعة‭ ‬العقود،‭ ‬والتزامات‭ ‬شركات‭ ‬التأمين،‭ ‬وحقوق‭ ‬المؤمن‭ ‬لهم‭.‬

كما‭ ‬نصّت‭ ‬اللائحة‭ ‬التنفيذية‭ ‬رقم‭ ‬‮«‬86‮»‬‭ ‬لسنة‭ ‬2004‭ ‬على‭ ‬أنواع‭ ‬التأمين‭ ‬المسموح‭ ‬بها،‭ ‬مثل‭:‬

التأمين‭ ‬على‭ ‬الحياة‭.‬

التأمين‭ ‬ضد‭ ‬الحريق‭.‬

التأمين‭ ‬البحري‭ ‬والجوي‭.‬

التأمين‭ ‬على‭ ‬المركبات‭.‬

التأمين‭ ‬الصحي‭ ‬والاجتماعي‭.‬

التأمين‭ ‬ضد‭ ‬الحوادث‭ ‬المهنية‭.‬

ورغم‭ ‬وضوح‭ ‬النصوص‭ ‬القانونية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التطبيق‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬يواجه‭ ‬عراقيل‭ ‬تتعلق‭ ‬بضعف‭ ‬الرقابة،‭ ‬وغياب‭ ‬الإلزام‭ ‬القانوني‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المجالات،‭ ‬باستثناء‭ ‬التأمين‭ ‬الإجباري‭ ‬على‭ ‬المركبات‭.‬

ثالثاً‭: ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬التأمين‭ ‬في‭ ‬ليبيا

يقتصر‭ ‬اعتماد‭ ‬التأمين‭ ‬بشكل‭ ‬فعلي‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬القطاعات،‭ ‬أبرزها‭:‬

شركات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭: ‬وهي‭ ‬الأعلى‭ ‬التزاماً‭ ‬بالتأمين‭ ‬نظراً‭ ‬لطبيعة‭ ‬المخاطر‭ ‬الصناعية‭.‬

المصارف‭ ‬وشركات‭ ‬الطيران‭ ‬والنقل‭ ‬البحري‭: ‬بحكم‭ ‬اشتراطات‭ ‬السلامة‭ ‬الدولية‭.‬

القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬الخاص‭: ‬يعتمد‭ ‬التأمين‭ ‬الطبي‭ ‬للمرضى‭ ‬والعاملين‭ ‬بشكل‭ ‬جزئي‭.‬

القطاع‭ ‬العام‭: ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬مظلة‭ ‬‮«‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التأمين‭ ‬التجاري‭ ‬فيه‭ ‬محدود‭ ‬للغاية‭ ‬ويكاد‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬المركبات‭ ‬والمباني‭ ‬الحكومية‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قطاعات‭ ‬واسعة‭ ‬مثل‭ ‬الزراعة،‭ ‬والمشروعات‭ ‬الصغيرة،‭ ‬والقطاع‭ ‬الأهلي‭ ‬خارج‭ ‬مظلة‭ ‬التأمين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬غياب‭ ‬ثقافة‭ ‬المخاطرة‭ ‬والوعي‭ ‬بأهميته‭.‬

رابعاً‭: ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬والخاص

القطاع‭ ‬العام‭: ‬يخضع‭ ‬لإشراف‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬الدولة،‭ ‬ويعاني‭ ‬من‭ ‬البيروقراطية‭ ‬وضعف‭ ‬الخدمات،‭ ‬مع‭ ‬محدودية‭ ‬المنتجات‭ ‬التأمينية‭.‬

القطاع‭ ‬الخاص‭: ‬أكثر‭ ‬مرونة‭ ‬وتنويعاً،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬الثقة‭ ‬لدى‭ ‬المواطن،‭ ‬وقلة‭ ‬الوعي‭ ‬القانوني،‭ ‬وغياب‭ ‬آليات‭ ‬الشفافية‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬التعويضات‭.‬

القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬يسعى‭ ‬حالياً‭ ‬لتوسيع‭ ‬خدمات‭ ‬التأمين‭ ‬الصحي‭ ‬والعقاري‭ ‬والتأمين‭ ‬على‭ ‬الحياة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬يركّز‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬التقليدية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالمركبات‭ ‬والممتلكات‭.‬

خامساً‭: ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬المشرفة‭ ‬على‭ ‬التأمين‭ ‬في‭ ‬ليبيا

‭. ‬هيئة‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬التأمين‭ ‬‮«‬تأسست‭ ‬سنة‭ ‬2012‮»‬‭:‬

الجهة‭ ‬الأعلى‭ ‬رقابة‭ ‬على‭ ‬شركات‭ ‬التأمين‭.‬

تضع‭ ‬السياسات‭ ‬العامة‭ ‬وتصدر‭ ‬التراخيص‭ ‬وتراقب‭ ‬الأداء‭ ‬المالي‭ ‬والإداري‭.‬

2‭. ‬الشركة‭ ‬الليبية‭ ‬للتأمين‭ ‬‮«‬تأسست‭ ‬1964‮»‬‭:‬

تعتبر‭ ‬أقدم‭ ‬وأكبر‭ ‬شركة‭ ‬وطنية‭.‬

تقدم‭ ‬خدمات‭ ‬التأمين‭ ‬العام‭ ‬وإعادة‭ ‬التأمين‭.‬

3‭. ‬الشركة‭ ‬الأفريقية‭ ‬للتأمين‭ ‬‮«‬تأسست‭ ‬1972‮»‬‭:‬

تهتم‭ ‬بالتأمين‭ ‬على‭ ‬المخاطر‭ ‬الصناعية‭ ‬والنقل‭ ‬والطيران‭.‬

4‭. ‬الشركة‭ ‬الليبية‭ ‬الضمانية‭ ‬وشركة‭ ‬الضمان‭ ‬للتأمين‭ ‬الصحي‭:‬

متخصصة‭ ‬في‭ ‬التأمين‭ ‬الصحي‭ ‬والاجتماعي‭.‬

5‭. ‬صندوق‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‭:‬

يقدم‭ ‬مظلة‭ ‬تأمين‭ ‬اجتماعي‭ ‬تشمل‭ ‬التقاعد‭ ‬والعجز‭ ‬والوفاة‭.‬

سادساً‭: ‬الجهات‭ ‬الأكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للمخاطر

تُعتبر‭ ‬القطاعات‭ ‬النفطية‭ ‬والصناعية‭ ‬والملاحية‭ ‬الأكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للمخاطر‭ ‬بسبب‭ ‬طبيعة‭ ‬عملها‭ ‬المعقدة‭ ‬واحتمال‭ ‬وقوع‭ ‬الحوادث‭ ‬والانفجارات‭ ‬والتسربات‭ ‬البيئية‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬فإن‭ ‬القطاعين‭ ‬التعليمي‭ ‬والخدمي‭ ‬هما‭ ‬الأقل‭ ‬تعرضاً‭ ‬للمخاطر‭ ‬التأمينية‭ ‬المباشرة‭.‬

سابعاً‭: ‬مقارنة‭ ‬ليبيا‭ ‬بالدول‭ ‬العربية

عند‭ ‬مقارنة‭ ‬ليبيا‭ ‬بدول‭ ‬عربية‭ ‬مثل‭ ‬مصر،‭ ‬والمغرب،‭ ‬والإمارات،‭ ‬وتونس،‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬السوق‭ ‬الليبي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬النمو‭ ‬البطيء‭:‬

نسبة‭ ‬مساهمة‭ ‬التأمين‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬0‭.‬4‭%‬،‭ ‬بينما‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬2‭% ‬إلى‭ ‬3‭% ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭.‬

نسبة‭ ‬الوعي‭ ‬بالتأمين‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬محدودة،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬عدد‭ ‬المؤمن‭ ‬عليهم‭ ‬فعلياً‭ ‬15‭% ‬من‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭.‬

غياب‭ ‬التأمين‭ ‬الإجباري‭ ‬الشامل‭ ‬‮«‬كالتأمين‭ ‬الصحي‭ ‬أو‭ ‬المهني‮»‬‭ ‬يجعل‭ ‬ليبيا‭ ‬متأخرة‭ ‬مقارنة‭ ‬بمعايير‭ ‬المنطقة‭.‬

ثامناً‭: ‬التحديات‭ ‬والآفاق‭ ‬المستقبلية

من‭ ‬أبرز‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬قطاع‭ ‬التأمين‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭:‬

ضعف‭ ‬الإطار‭ ‬التشريعي‭ ‬وتعدد‭ ‬الجهات‭ ‬الرقابية‭.‬

غياب‭ ‬الإلزام‭ ‬بالتأمين‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬حساسة‭ ‬كالصحة‭ ‬والعمل‭.‬

نقص‭ ‬الكفاءات‭ ‬والخبرات‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المخاطر‭.‬

ضعف‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬وشركات‭ ‬التأمين‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬المستقبل،‭ ‬فيُتوقع‭ ‬أن‭ ‬يشهد‭ ‬القطاع‭ ‬تحسناً‭ ‬تدريجياً‭ ‬مع‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬إعادة‭ ‬تفعيل‭ ‬هيئة‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬التأمين،‭ ‬وتوسيع‭ ‬دائرة‭ ‬التأمين‭ ‬الصحي‭ ‬الإجباري،‭ ‬وإدخال‭ ‬أنظمة‭ ‬رقمية‭ ‬تسهّل‭ ‬الخدمات‭ ‬وتزيد‭ ‬من‭ ‬الشفافية

يبقى‭ ‬التأمين‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬قطاعاً‭ ‬حيوياً‭ ‬لكنه‭ ‬غير‭ ‬مستثمر‭ ‬بما‭ ‬يكفي،‭ ‬ويحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬جادة‭ ‬لإعادة‭ ‬هيكلته،‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاقه‭ ‬ليشمل‭ ‬كل‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭. ‬فالأمان‭ ‬الاقتصادي‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬الإنسان‭ ‬وممتلكاته،‭ ‬والتأمين‭ ‬هو‭ ‬البوابة‭ ‬الأولى‭ ‬لذلك‭ ‬الأمان‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى