
لوحة فنيّة طبيعية جميلة وهبها الله لنا، يجهل حقيقتها الكثير من الليبيون، بل وعبثوا بها، ولم يتركوها حتى تتعايش مع التراث، كنز ذات قيمة كبيرة، كان يفترض أن يتم التعريف به، والعمل على الترويج له سياحيا، ولمن لا يعرف هذه اللوحة الفنيّة الطبيعية الجميلة، كنز بنغازي الجميل، المدينة التي تأسست عام 631 ق م، والزاخرة بتاريخ وتراث غني ومتميز، وتعدد الحضارات. هي أول مدينة (كوزومبوليتية) في التاريخ، اشتهرت باسم مدينة البحيرات السبع، نسبة لسبع بحيرات فيها، ونهر الليثون الشهير والمقدس أسطورة بنغازي الغامضة الذي يشقها ويجري في باطن أرضها منذ الأزل، صنف بأنه أحد خمسة أنهار سفلية في العالم تجري تحت الأرض، والمعروفة بأنهار (هاديس) وهي: نهر أكيرون، ونهر كوكتيوس، ونهر فليجيثون، ونهر ليثون، ونهر ستيكس، وقد ذُكر في الأدبيات الأوروبية القديمة، وكتب عنه الشعراء، سُمى بنهر النسيان، ونهر الحياة، ونهر الموت، ونهر الجنون، ونهر العفاريت، ونهر الليثي Lethe، وكلمة الليثي تعني النسيان في اللغة اللاتينية، كذلك سميت به منطقة الليتي لجريان النهر بها حيث كان كل من يشرب من مياهه العذبة ينسى نفسه ويغرق في عالم الحوريات والموسيقى وسحر المكان، سُمى بنهر النسيان، حيث كان كل من يشرب من مياهه العذبة ينسى نفسه ويغرق في عالم الحوريات والموسيقى وسحر المكان، له مدخل وحيد في منطقة بوعطني شرق المدينة، وهو عبارة عن كهف ضخم موجود تحت سطح الأرض، تحيط به الحدائق، وعند القاع على بعد 50 متر توجد بحيرة جوفية ساكنة يمتد منها هذا النهر الذي لا نهاية له، تاركاً في طريقه سبع بحيرات خلابة تخطف الألباب، وبها سُميت المدينة قديماً.
هذه المدينة القديمة مرت بها عهود طويلة من الازدهار والانتكاس تبعا لسنة الحياة، فقد تغيرت تسميتها ثلاث مرات في غضون حوالي 3000 سنة، هيسبريديس، وبرنيكي، وبنغازي.
استمدت اسمها الاول هيسبريديس من حدائق هيسبريديس الاسطورية، حيث كانت تُحظى ببساتين غنّاء وُصفت بأنها (آخر جنّات الله على الأرض)، التي احتلت حيزا هاما في الميثولوجيا الإغريقية، واعتبرت في التاريخ القديم من عجائب الدنيا، فقد ألهبت خيال الشعراء والمؤرخين الذين نسجوا الكثير من الأساطير حولها وحول البحيرة التي كانت آلهة الجمال فينوس Venus تسبح فيها، وتذكر كتب التاريخ أن (هيسبريديس) تعني آلهة الغروب الثلاثي: إيجل Aegle وإيرثيا Erytheia وهيسبيريا Hesperia واللاتي كن يحرسن شجر التفاح الذهبي المقدس الذي ينعكس بريق وأشعة ثمارها على الأفق عند التقاء السماء بالبحر، فتظهر الشمس النائمة بلونها البرتقالي الجذاب لتكوّن ذلك الغروب الرائع.
زارها هرقل للاستحمام في هذا النهر وبحثاً عن التفاح الذهبي، وتضيف الأساطير الإغريقية القديمة بأن هرقل قد صارع الشيطان في هذا النهر الذي أرتبط بحدائق شجرة التفاح الذهبي المقدسة، حيث اشتهرت هذه الحدائق بأنها كانت مقرا لشجرة التفاح الذهبي المقدسة التي أهدتها المؤلهة «جى» إلى المؤلهة «هيرا» بمناسبة زواجها من زيوس كبير المؤلهين عند الإغريق، وتقوم الحوريات الحسناوات الثلاث والتنين الضخم اللآدوت بحراسة البستان والتفاح الذهبي كما ورد في الأساطير، وقد نسجت حولها الكثير من الأساطير الإغريقية المليئة بالأحداث التاريخية المشوقة.
أُنشئت المدينة في 525 ق.م، فوق مرتفع من الأرض التي تعرف باسم (مقبرة سيدي عبيد) ومع مرور الزمن نمت وامتدت نحو الجنوب الشرقي بجوار سبخة السلمانى وهي المنطقة المقابلة لمقبرة سيدي أعبيد، ومن المعروف إن هذه المدينة قد بنيت عند الطرف الشمالي في المنطقة الممتدة الان من اللثامة وحتى السلماني مرورا بمنطقة الزريرعية، يطلق عليه في الوقت الحاضر (سبخة السلماني) وكانت هذه السبخة في زمنها القديم عبارة عن بحيرة عميقة، حين تم تجفيفها تحول سكانها عنها متخذين مكانا قريبا من ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهو المكان الذي يطلق عليه حاليا (سيدي خريبيش)، وتوجد انقاضها في منطقة الزريريعية العلوة ومقبرة سيدي اعبيد بالزريريعية، وصممت المدينة لكي تصبح ميناء للظهير الريفي المكون من الاطراف الغربية للجبل الاخضر، وتعتبر المدينة آخر حلقة في سلسلة من المدن المتعاقبة التي خضع لها حكم قورينائية (كيرينايكي) في فترات مختلفة من تاريخها.
..يتبع