
أنا لا أرى أن نقد المفكرين العرب كالجابري والأنصاري وطرابيشي وغيرهم للعقل العربي تهجما على الشخصية العربية لأجل الاستهزاء بها، بل أراه توصيفا لواقع معيش لا يمكن إنكاره، تؤكده هذه الهزائم المتلاحقة التي لحقت بهذا العقل على جميع الصعد، وتؤكده حالة الضعف والهوان والتأخر التي نحن بها الآن، وهؤلاء المفكرون النقاد حاولوا الإجابة عن السؤال الحضاري القديم الذي يتكرر على لسان كل عربي : لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟.
نحن العرب كسائر خلق الله لنا مناقب ومثالب، ومناقبنا شهد بها القريب والبعيد والعدو قبل الصديق، ولكن نحن للأسف تربينا على تضخيم الذات وتعظيم الأنا والتلذذ بذكر مناقبها فقط، وقد تغنينا بمناقبنا وأمجادنا وأيامنا أزمانا طويلة، وصرنا جيلا بعد جيل نستمتع بذكرها والترنم بها كثيرا، ولا نقبل أن يقال أن لدينا مثالب وعيوبا في نمط التفكير والسلوك، بل إننا نتهم من يذكرها لنا بأنه صنيعة الغرب وبوق للمستشرقين، وربما عميل الامبريالية والماسونية والاستعمار،
وأرى أن إلقاء التهم الجاهزة جزافا ضد منتقدي العقل العربي لا يؤكد صحة ما يفعله هذا العقل، وبدلا من هذا علينا أن نعوّد أنفسنا على تقبل النقد الهادف، وألا تأخذنا العزة بالإثم، فنزعم لأنفسنا ما ليس فينا، علينا أن نستلهم من نصوص مفكرينا وعلمائنا العبرة والفائدة، ونربي أجيالنا على تجاوز السلوكيات والأنماط الفكرية التي جعلتنا في مؤخرة الأمم.