
تشهد ليبيا، كغيرها من الدول، تزايدًا ملحوظًا في استخدام شبكة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهو ما جعلها في مواجهة تحديات جديدة تتمثل في تنامي ظاهرة الجرائم الإلكترونية. وتُعد هذه الجرائم، بطبيعتها العابرة للحدود والمتطورة، تهديدًا مباشرًا للأمن القومي والاقتصادي والاجتماعي، مما يستدعي استراتيجيات تشريعية وتنفيذية قوية لحماية الفضاء الرقمي.
و تُعرَّف الجرائم الإلكترونية بأنها أي فعل غير مشروع يُرتكب باستخدام نظام معلوماتي، أو شبكة حاسوب، أو جهاز إلكتروني، أو يستهدف هذه الأنظمة والأجهزة. تشمل هذه الجرائم طيفًا واسعًا من الأنشطة مثل الاحتيال المالي، وسرقة البيانات، واختراق الأنظمة، والاعتداء على الملكية الفكرية، ونشر المحتوى غير المشروع.أما الأمن السيبراني فهو مجموعة من التقنيات والعمليات والممارسات المصممة لحماية الشبكات والأجهزة والبرامج والبيانات من الهجمات أو التلف أو الوصول غير المصرح به فالعلاقة بين الجرائم الإلكترونية والأمن السيبراني بذاك هي علاقة التهديد والاستجابة؛ فالأمن السيبراني هو خط الدفاع الأول والأكثر أهمية ضد الجرائم الإلكترونية.كما أن العلاقة بينهما هي أن ارتفاع الجرائم الإلكترونية يعني ضعفاً في الأمن السيبراني، والعكس صحيح: كلما تعزّز أمن المعلومات والبُنى التحتية الرقمية، قلت إمكانية ارتكاب الجرائم الإلكترونية أو قلّت آثارها. لذلك الدول والمؤسسات تعمل على بناء أنظمة أمنية، وتدريب العاملين، وتوعية المستخدمين، ووضع القوانين التي تجعل مرتكبي هذه الأفعال يتحمّلون المسؤولية.
وفي ليبيا، كما في أي مكان، لا يمكن الحديث عن أمن سيبراني فعال دون وجود إطار قانوني صارم لمكافحة الجرائم الإلكترونية.
والسؤال المهم هنا هو هل في قانون يجرم الجرائم الإلكترونية في ليبيا؟
نعم، يوجد في ليبيا قانون متخصص يجرم الجرائم الإلكترونية وهو القانون رقم «5» لسنة 2022 بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية بتاريخ 27 سبتمبر 2022.
لقد جاء هذا القانون لسد الفراغ التشريعي وتوفير أداة قانونية لمواجهة الأفعال الإجرامية الحديثة التي تتم باستخدام التقنيات الرقمية. ويتضمن القانون نصوصًا تجرم أفعالاً متعددة، منها:
التعدي على الأنظمة والبيانات: مثل الدخول غير المشروع لنظام معلوماتي، وإلحاق الضرر المادي بالبيانات عن طريق الإدخال أو التبديل أو المحو أو التدمير.
الجرائم المالية: مثل تقليد واستعمال البطاقات المصرفية الإلكترونية المسروقة أو المقلدة.
جرائم الملكية الفكرية: كالاعتداء على حقوق المؤلف بوسيلة إلكترونية.
جرائم تهديد الأمن والسلامة العامة: وهي من أخطر المواد التي تعاقب بالسجن والغرامة على نشر بيانات أو معلومات تهدد الأمن والسلامة العامة في الدولة أو أي دولة أخرى من خلال شبكة المعلومات الدولية.
وتجدر الإشارة أنه رغم أهمية إصدار هذا القانون، فقد واجه انتقادات واسعة من منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، التي رأت أن بعض مواده تتضمن مصطلحات «فضفاضة» و«غير دقيقة» قد تسمح بتقييد مبالغ فيه لحرية التعبير والرأي على الإنترنت، لا سيما المواد المتعلقة بالتهديد للأمن العام وحجب المواقع والمحتوى.
وتُعد الجرائم الإلكترونية في ليبيا خطيرة ومتطورة باستمرار، وتتزايد مخاطرها بالتوازي مع ارتفاع معدلات استخدام الإنترنت والاعتماد على الخدمات الرقمية. وتتجلى خطورة هذه الجرائم في عدة أبعاد منها اضرار اقتصادية ومالية تتعلق بجرائم الاحتيال المالي، وسرقة البيانات المصرفية، وتزوير العملات الرقمية، مما يتسبب بخسائر كبيرة للأفراد والمؤسسات المالية، ويؤثر سلبًا على الثقة في التعاملات الإلكترونية.
وتهديد الأمن القومي حيث يستهدف المجرمون والجهات المعادية أنظمة الدولة الحيوية، مثل شبكات الطاقة، الاتصالات، أو قواعد بيانات الوزارات، مما يهدد الأمن القومي والاجتماعي للبلاد. القانون الليبي شدد العقوبات على الجرائم الماسة بأمن الدولة القومي والسلامة العامة.
أما عن التهديدات الاجتماعية وهى الاخطر فتتعلق بتزايد قضايا الابتزاز الإلكتروني، التحرش، التشهير، وسرقة الهوية، مما يترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا على الضحايا، ويُفاقم من حالة عدم الاستقرار الاجتماعي حبث يتميز المجرمون الإلكترونيون بتطور أدواتهم وتقنياتهم بشكل مستمر لمواكبة التطور التكنولوجي، ما يجعل عملية الكشف والملاحقة صعبة على الأجهزة الأمنية غير المجهزة دائمًا بأحدث التقنيات والخبرات في ظل غياب الوعي الكافي بآليات الحماية السيبرانية لدى الجمهور الذى زاد من حجم هذه المخاطر.
فالقانون الليبي، كغيره من القوانين، يوازن بين حق الفرد في التعبير وحماية المجتمع والمقدسات والأفراد من التعدي. وعليه، فإن حرية الرأي ليست مطلقة، وتصبح جريمة إلكترونية إذا تجاوزت الحدود التالية:
القذف والسب والتشهير: إذا كان ما يُنشر يتضمن قذفًا صريحًا أو سبًا أو تشهيرًا لشخص معين، فهذه جريمة يعاقب عليها القانون (قانون الجرائم الإلكترونية والقانون الجنائي العام).
التحريض على العنف والكراهية: النصوص التي تتحدث عن «بث إشاعة أو نشر بيانات أو معلومات تهدد الأمن والسلامة العامة» يمكن أن تُستخدم لتجريم نشر محتوى يحرض على العنف أو الكراهية بين الفئات الاجتماعية.
الإساءة للآداب العامة والمقدسات: القانون يجرم الإساءة إلى أحد المقدسات أو الشعائر الدينية، وكذلك بعض النصوص المتعلقة بـ «النظام العام والآداب العامة» التي قد تُفسّر بشكل واسع لتشمل المحتوى الذي يُعتبر «فاضحًا» أو مخالفًا للقيم المجتمعية.
الخطر على حرية التعبير: كما ذُكر سابقًا، يُخشى من أن بعض المواد الفضفاضة في قانون 2022، مثل مفهوم «زعزعة أمن المجتمع واستقراره أو المساس بسلمه الاجتماعي»، قد تُستخدم لتقييد النقد السياسي أو الاجتماعي المشروع تحت ستار محاربة «الرأي الفاضح» أو «الإشاعة»، مما يضع حدًا واسعًا جدًا أمام حرية الرأي.
لذا، فإن الرأي «الفاضح» أو المسيء الذي يمس سمعة الأفراد، أو يحرض على العنف والكراهية، أو يهدد الأمن العام، يُعد جريمة إلكترونية في القانون الليبي.
من المبادئ الأساسية أن الإنسان له الحق في التعبير عن رأيه، ونشر أفكاره، ومشاركة ما يريد ضمن حدود القانون والآداب. وهذا جزء من الحقوق الأساسية.
فمتى يُعدّ التعبير الحر عن الراي سلوكاً جرمياً؟
وفقاً للقانون الليبي رقم 5 لسنة 2022، هناك مواد تجرّم استخدام شبكة المعلومات الدولية ووسائل التقنية الحديثة إذا ترافقت مع “مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة أو الإساءة إلى الآخرين أو الإضرار بهم”.
من ذلك يمكن القول: إذا كان “نشر حرّية رأي” مجرد رأي أو معلومة أو نقاش، فقد يكون ضمن حرّية التعبير. لكن إذا تخلّلها:
سبّ أو قذف أو تشهير مباشر بشخص أو مجموعة،
نشر محتوى «مخلٌّ بالآداب العامة« بحسب تعريف القانون،
نشر صور أو فيديوهات خاصة لشخص بدون إذنه، أو ابتزاز،
تحريض على الكراهية أو العنف أو زعزعة أمن المجتمع أو النظام العام،
فقد يُعتبر هذا “جريمة إلكترونية” بموجب القانون.
وبالرغم من ذلك، كما ذكرنا، هناك نقد لأنّ صياغات القانون فضفاضة، وهذا قد يؤدي إلى أن يُحوّل رأي أو تعبير أو نقاش حول موضوع ما إلى جريمة، في حال تفسّره الجهات المختصة بهذه الطريقة.
بالتالي، الجواب: نعم من الممكن أن يكون ما يُنشر من “حرّية رأي” يُعدّ جريمة إلكترونية إذا تجاوز حدود التعبير إلى الأفعال والمحتوى الذي ينصّ عليه القانون. ولكن ليس كل رأي أو نقاش يُعدّ جريمة تلقائياً.
وتوجد في ليبيا جهات رسمية تتولى مهمة مكافحة الجرائم الإلكترونية وتلقي البلاغات، ولكن لا تتوفر معلومات بسهولة عن موقع مركزي موحد رسمي مخصص لنشر الإحصائيات الدورية والشفافة بشكل منتظم للعموم مثل.الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات و هي الجهة المنوط بها، وفقًا للقانون، مراقبة ما يُنشر وعرضه وحجب كل ما ينشر النعرات أو الأفكار التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره «وفقًا للمادة 8 من القانون رقم 5 لسنة 2022». وهي تلعب دورًا محوريًا في الإشراف على الأمن السيبراني.
و رغم وجود بعض الأجهزة المكافحة لهذا النوع من الجرائم، فإن نشر إحصائيات دورية وموثوقة عن عدد ونوع الجرائم الإلكترونية المبلغ عنها أو المحالة للقضاء غير متاح على نطاق واسع أو بشكل منتظم للجمهور، مما يجعل من الصعب تقييم المدى الحقيقي لخطورة وتطور هذه الجرائم بشكل دقيق وعام. غالبًا ما يتم الحصول على المعلومات والإحصائيات من خلال التقارير الأكاديمية أو التصريحات الرسمية المتفرقة.لكن من حيث “موقع إحصائي رسمي” مفتوح للجمهور يحتوي على أرقام مفصلة لعدد الجرائم الإلكترونية وتصنيفها، لا توجد معلومات واضحة متوفّرة بسهولة في المصادر التي اطلعتُ عليها. مثلا: الدراسة الأكاديمية في ليبيا تقول إنه “على الرغم من وجود جرائم إلكترونية، فإنّ عددها المكتشف حتى وقت الدراسة لم يكن كبيراً جداً” لكن لا تعطينا أرقام مفصلة.
هناك أيضاً تنبيه وتحذيرات عبر «مكافحة الجرائم الإلكترونية» على الإنترنت تنشر إرشادات للمواطنين في ليبيا «مثلاً تحذير من روابط مجهولة، أو من ترك الهواتف دون رقابة».
باختصار: نعم توجد جهة مختصة تعمل في ليبيا لمكافحة الجرائم الإلكترونية، لكنها قد لا تكون تعرض إحصائيات مفصلة واضحة أو متاحة بسهولة لكل الجمهور. ويمكن القول إنه من المهم أن تطوّر ليبيا نظاماً رسميّاً لنشر بيانات الاحصائيات بحيث يكون شفافاً ومتابعاً.
فالجرائم الإلكترونية أصبحت حقيقة موجودة ومحلياً ودولياً، والعالم اليوم لا يستطيع تجاهل تأثيرها السلبي.
وفي الختام، يمكن أن نقول إنّ مكافحة الجرائم الإلكترونية تمثّل جزءاً هامّاً من أمن الدولة وأمن الأفراد. في ليبيا، الوضع في تطور، والقانون موجود، لكن العمل وكما سبق ذكره لا يزال يحتاج إلى تعميق وتحديث وإجراءات تفعيل. كطلاب، أنتم جزء من هذا المجتمع الرقمي، ويمكنكم أن تكونوا فاعلين في نشر الوعي والحذر والسلامة الرقمية. المعرفة هي أول خطوة نحو الأمان.



