
أحبَّ المسرحَ فأحبه جعل من ستارته فستان يتراقص معه كل عرض قدمه، لن تتوارى من أول لحظة أن تحكم عليه أنه يشكل أدواره كعجينة بين يديه يشكلها كيف شاء لعب العديد من الشخصيات وتفوق عليها .. الفنان لديه لا يصنف.. بل الفنان أينما وجد يكون مبدعًا سواء كوميديًا أم تراجيديًا هذا مقياس الإبداع لديه
عن التجربة الفنية والبدايات
بدايتكَ مع المسرح ؟ هل جاءتْ بالصدفة أم كانتْ حلمًا منذ الطفولة ؟
وُلدتُ وتربّيتُ في بيئة أدبية فنية؛ أنتمي لعائلة من الكتّاب، والشعراء والتشكيليين. والدي هو الكاتب والمخرج المسرحي عبدالعزيز ونيس، وهو مؤطر مسرحي، ومؤسس لعدد من الفرق المسرحية. منذ طفولتي كنتُ أستيقظ على أصوات المسرح .. وأجواء الأدب والفن تحيط بي من كل جانب؛ فكان من الطبيعي أن تتكوّن شخصيتي الفنية والأدبية في إطارٍ تربوي واعٍ .. جعل الفن بالنسبة ليّ أسلوب حياة قبل أن يكون مهنةً، أو خيارًا .
ما أول مرة شعرتَ فيها أنَّ المسرح سيكون طريقكَ؟
من الصعب أنَّ أحدد لحظة بعينها .. لأن المسرح كان حاضرًا في حياتي منذ البدايات الأولى، كنتُ أراه في البيت.. في أحاديث والدي .. في البروفات .. وفي المقاعد الأولى من العروض التي كان يخرجها؛ لكن ربما اللحظة التي شعرتُ فيها أن المسرح سيكون طريقي فعلاً كانتْ عندما وقفتُ لأول مرة على خشبة المسرح المدرسي، وسمعتُ تصفيق الجمهور. وقتها أدركتُ أنّ هذا المكان يحمل سحرًا لا يُقاوَم، وأنني أنتمي إليه بكل ما فيّ.
مَنْ هو الشخصُ، أو الحدث الذي دفعك فعلاً إلى دخول هذا المجال؟
بصراحة .. والدي هو الشخص الذي كان له التأثير الأكبر في دخولي هذا المجال.. لم يكن يدفعني بشكل مباشر .. بل كان وجوده الفني وحضوره المسرحي يلهمني دون أن يتكلم كثيرًا .. كنتُ أراه يعمل بإخلاص للمسرح، يتعامل معه كرسالة لا كمهنة، وهذا انعكس فيّ بشكل طبيعي. الحدث الفعلي ربما كان عندما شاركتُ في إحدى بروفاته وطلب مني أنّ أؤدي مشهدًا بسيطًا.. فشعرتُ بشيء مختلف.. شعور بالانتماء والمسؤولية في الوقت نفسه .. ومن هناك بدأتْ رحلتي مع الخشبة وكان ذلك عام 2003 .
ما أصعب مرحلة مرَّرتَ بها في بداياتكَ المسرحية؟
كانتْ مرحلة الإصرار في وجه الإحباط.. أن تعمل وأنتَ لا تجد دعمًا، ولا إمكانات .. ومع ذلك تواصل لأنك مؤمن. كثيرون توقفوا في تلك المرحلة .. لكن المسرح بالنسبة ليَّ لم يكن هواية .. كان ضرورة.
لو عدتَ للبداية، هل كنتَ ستختار المسرح من جديد ؟
نعم .. وبقوة .. رغم توجهاتي لفنون الصحافة .. وكتابة القصص القصيرة، والمقالة .. ولكن المسرح هو المسرح رغم التعب، والخذلان أحيانًا .. المسرح هو المكان الوحيد الذي أشعر فيه أنني أعيش بصدق دون أقنعة. عن العمل المسرحي.
حدّثنا عن آخر عمل مسرحي شاركتَ فيه وما الذي يميّزه عن تجاربك السابقة؟
العمل كان مونودراما الممثل الأخير .. ضمن المونديال المغاربي للمسرح الذي أقيم بمدينة البيضاء .. وهو عمل يقترب من الذات .. من علاقة الفنان بفنه ..من فكرة العزلة، والتمثيل كقدر .. يميّزه أنه صادق جدًا.. وقد تحصلتُ فيه على جائزة أفضل ممثل وتحصل الوالد على جائزة أفضل نص بمشاركة مغاربية ومحلية.
ما الدور هذا العمل؟ وكيف تعاملتَ معه من الناحية النفسية؟
كنتُ أجسّد شخصية الممثل الذي يعيش صراعه بين الفن والواقع .. بين ما يريد قوله وما يُسمح له أن يقوله.. تعاملتُ مع الدور كمرآة.. أفرغتُ فيه الكثير منّي .. من خيباتي
وأحلامي المؤجلة.
ما الرسالة التي تحاول إيصالها من خلال هذا العرض؟
إنّ الفنان ليس آلةً للترفيه .. بل إنسانًا يحمل همّ النَّاس بصوته وجسده.. وأنَّ المسرح مهما بدأ بسيطًا يمكن أن يكون صرخة، واعترافًا في آنٍ واحد.
ما الصعوبات التي واجهتكم أثناء البروفات والتحضير للعمل؟
الظروف الإنتاجية كانت محدودة جداً .. إضافة إلى ضيق الوقت وصعوبة توفير فضاء للتدريب.. لكن التحدي الأكبر كان نفسياً .. كيف تحافظ على صدقك الفني وسط الفوضى والضغوط.
عن الفكرة والرؤية الفنية
كيف ترى وضع المسرح اليوم مقارنة بالماضي..؟
المسرح اليوم يعيش حالة مفصلية.. لدينا طاقات شابة ورؤى جديدة ..لكن في المقابل هناك ضعف في البنية التحتية والدعم.
هل المسرح ما زال قادرًا على التأثير في الجمهور وسط طغيان السوشيال ميديا؟
نعم .. لأن المسرح لا ينافس في السرعة.. بل في العمق.. في زمن الصور السريعة يظل المسرح المكان الوحيد الذي يجعلك ترى الإنسان أمامك.. تسمع أنفاسه وتشعر بنبضه. هذه العلاقة لا يعوضها أي «لايك»
ما الفرق بين الممثل المسرحي، والممثل التلفزيوني، أو السينمائي برأيك؟
الممثل المسرحي يعيش اللحظة كاملة بلا مونتاج ولا إعادة.. هو يغامر في كل عرض.. وكل مساء يولد من جديد .. أما الممثل أمام الكاميرا فله أدواته الخاصة .. لكنه لا يملك تلك الحرارة التي تمنحها الخشبة.
ما القضايا التي تشغلك كمبدع وتود طرحها على خشبة المسرح؟
أهتم بالقضايا الإنسانية.. الإنسان المهمش.. الحلم المكسور.. علاقة الفنان بمجتمعه.. أؤمن أن المسرح ليس للترفيه.. للمساءلة.
هل تفضل المسرح الجاد، أم الكوميدي؟ ولماذا؟
أفضل المسرح الصادق .. سواء أكان جادًا أم كوميديًا .. لأن الكوميديا حين تكون نابعة من وجع صادق تصبح أصدق من الدموع
عن الشخصية والجانب الإنساني
ما أكثر شيء يخيفك قبل الصعود إلى الخشبة؟
الصمت .. تلك اللحظة قبل الإضاءة حين تسمع دقات قلبك.. الخوف ليس من النسيان بل من ألا أصل إلى الناس كما أريد
هل ترى اختلافًا بين العرض المسرحي وتحضيراته في الدورة السابقة وهذه الدورة؟
نعم .. هناك تطور ملحوظ في مستوى التحضير والجرأة الفنية .. المهرجانات صارت مختبراً للتجريب.. وهذا شيء مبشّر.
كيف تتعامل مع النقد؟ وهل تعتبره دافعاً أم عبئًا ثقيلاً ومزعجًا ؟
أتعامل معه بوعي.. لا يوجد فنان فوق النقد لكن المهم من أين يأتي النقد وكيف يُقال.. النقد الحقيقي يبني .. أما التهكم فمجرد ضجيج
ما الدور الذي تحلم بأدائه ولم يتحقق بعد؟
أحلم بدور يعري الفنان من الداخل ..يُظهر هشاشته وضعفه الإنساني دون أقنعة ولا تزيين.. ربما شخصية تمثل «الإنسان العادي» الذي يحاول أن يكون بطلاً رغم كل شيء
عن المستقبل والرؤية العامة
كيف ترى مستقبل المسرح في ليبيا والعالم العربي؟
أراه ممكناً .. رغم كل الصعوبات.. هناك وعي جديد .. ومخرجون شباب يؤمنون بأن المسرح ليس ترفًا بل حاجة.. إذا وُجد الإيمان والإصرار فالمستقبل لا يُخيفني.
هل لديك مشروع مسرحي تحلم بتقديمه مجددًا؟
نعم .. لديّ مشروع مسرحي أعمل عليه حاليًا مع رفاقي في المسرح بمدينة شحات .. وهو بعنوان )أيام قورينا المسرحية( هذا المشروع يمثل حلمًا نحاول تحقيقه منذ فترة وقد وصلنا بالفعل إلى خطوات متقدمة في التحضير له.
نؤمن بأنه سيكون إضافة حقيقية للحراك المسرحي في ليبيا .. وسنعلن عن تفاصيله في الوقت المناسب إن شاء الله
ما الرسالة التي تود توجيهها لجيل الشباب المهتم بالمسرح؟
أن لا يستعجلوا الشهرة ..وأن يفهموا أن المسرح ليس منصة للظهور ..بل طريق لا يُسلك إلا بالعشق والصبر.. من لم يحب المسرح بصدق لن يحتمله طويلاً.
. كيف تتمنى أن يتذكرك الجمهور بعد سنوات طويلة؟
أتمنى أن يُقال إن عزالدين الدويلي كان فنانا صادقا .. أحب المسرح كما يُحب الإنسان وطنه وان امشي في طريقي حتى اخر الضوء.



