على الطريق

مدينة‭ ‬فِي‭ ‬غياهب‭ ‬الضياع

رجاء‮ ‬‭ ‬يوسف‭ ‬

عُدتُ‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬من‭ ‬روتين‭ ‬الموت‭ ‬اليومي‭ , ‬أعانق‭ ‬الجدار‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬زمام‭ ‬مدينتي‭ ‬الحزينة‭ ‬ذات‭ ‬أجنحة‭ ‬كهربائية‭ ‬شائكة‭ , ‬جُئت‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬وطن‭ ‬أمن‭ ‬لي‭ , ‬بين‭ ‬الأشلاء‭ ‬المبعثرة‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬ركام‭ ‬البيوت‭ , ‬ومن‭ ‬تصاعد‭ ‬رائحة‭ ‬اللحوم‭ ‬البشرية‭ , ‬والقبور‭ ‬المرصوصة‭ ‬على‭ ‬أرصفة‭ ‬طريق‭ ‬المُشاة‭ . ‬

بالأمس‭ ‬لم‭ ‬أنم‭ ‬سوى‭ ‬بضع‭ ‬دقائق‭ ‬عابرة‭ ‬كلمح‭ ‬البصر‭ , ‬فزعت‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الزنانة‭ ‬التي‭ ‬تنهش‭ ‬السماء‭ ‬والأرض‭ , ‬تُفجر‭ ‬بصوتها‭ ‬على‭ ‬أناس‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ,‬استطلاعات‭ ‬حربية‭ ‬متكررة‭ , ‬مشاهد‭ ‬من‭ ‬القيامة‭ , ‬الفزع‭ ‬الأكبر‭ , ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬المجنونة‭ .‬

هُنا‭ ‬في‭ ‬فلسطينيتي‭ ‬الصغيرة‭ , ‬استباحت‭ ‬الدماء‭ ‬على‭ ‬أنظار‭ ‬تلك‭ ‬الحكام‭ , ‬ولقاءات‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬بلادي‭ ‬المحتلة‭ , ‬والمصافحات‭ ‬للمستعمر‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يلبث‭ ‬هنا‭ ‬سوى‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬عجاف‭ ‬تتملق‭ ‬على‭ ‬أجسادنا‭.‬

اعتدت‭ ‬على‭ ‬عناق‭ ‬أمي‭ ‬في‭ ‬عودتي‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬الثانوية‭ , ‬وتوبيخها‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬بعثرت‭ ‬الخزانة‭ , ‬وأوراقي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زوايا‭ ‬الغرفة‭ , ‬وعلى‭ ‬تلك‭ ‬الطعام‭ ‬الذي‭ ‬تركته‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬في‭ ‬الإفطار‭ ‬وذهبت‭ ‬إلى‭ ‬عالمي‭ ‬الصغير‭ .‬

ولكن‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ,‬

البيت‭ … ‬

ولا‭ ‬عائلتي‭ …‬

ولا‭ ‬خزانتي‭ …‬

وقفت‭ ‬على‭ ‬ركام‭ ‬ذاك‭ ‬البيت‭ ‬المُحطم‭ , ‬الدمع‭ ‬يتكور‭ ‬على‭ ‬وجنتيه‭ .. ‬أرثي‭ ‬عائلتي،‭ ‬وتلك‭ ‬البيت،‭ ‬وأمتي‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬تشاهدني‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬أمتار‭ ‬‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى