على الطريق

أصوات‭ ‬بعيدة

أمل‭ ‬الغيثي

لم‭ ‬أعد‭ ‬أستيقظ‭ ‬على‭ ‬الخسارات‭ ‬

كما‭ ‬يفعل‭ ‬الآخرون‮…‬

أستيقظ‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬بعيدة،

تشبه‭ ‬طرق‭ ‬الجدّات‭ ‬على‭ ‬أواني‭ ‬النحاس،

حين‭ ‬يتهيأن‭ ‬للطهو‭ ‬ويتبادلن‭ ‬الحكايات

عن‭ ‬الهادئات‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغي،

عن‭ ‬اللواتي‭ ‬مرّ‭ ‬القطار‭ ‬وهنّ‭ ‬يبتسمن،

عن‭ ‬الانتظار‭ ‬الطويل‭ ‬الذي‭ ‬يُربّى‭ ‬في‭ ‬حجور‭ ‬النساء‭. ‬

تمرّ‭ ‬المعلّمات‭ ‬في‭ ‬الممرات‭ ‬كالعصافير‭ ‬المتعبة،

يخفضن‭ ‬أصواتهنّ‭ ‬إذا‭ ‬مرّت‭ ‬إحداهن‭ ‬بابتسامة‭ ‬زائدة،

وأحيانًا‭ ‬يكتفين‭ ‬بنظرة‭ ‬صغيرة،

كميزان‭ ‬خفيٍّ‭ ‬يُوزن‭ ‬فيه‭ ‬مقدار‭ ‬الوداعة‭ ‬فينا‭. ‬

وأنا‮…‬

لم‭ ‬أتقن‭ ‬ترتيبَ‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬القوالب،

ولا‭ ‬كنتُ‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬الكِنَن

اللواتي‭ ‬يُشاد‭ ‬بهنّ‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬المجالس‭ ‬النسائية،

يُتقنَّ‭ ‬“الفتلكة”‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الأطعمة‭ ‬

لم‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬أُمسك‭ ‬الفنجان

بطريقة‭ ‬تُرضي‭ ‬الأمَّ‭ ‬المنتظرة

على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الصالون‭. ‬

لكنني‮…‬

أعرف‭ ‬كيف‭ ‬أرمّم‭ ‬قلبًا‭ ‬فقد‭ ‬صوته،

وأشرب‭ ‬شاي‭ ‬الصباح

كمن‭ ‬ينتظر‭ ‬وجهًا‭ ‬مألوفًا‭ ‬في‭ ‬البخار‭.‬

أكنس‭ ‬البيت‭ ‬على‭ ‬مهل،

كأنني‭ ‬أُزيل‭ ‬الغبار‭ ‬عن‭ ‬أيامي،

أُعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬الرفوف‭ ‬التي‭ ‬وضعتُ‭ ‬عليها‭ ‬أحلامي،

ثم‭ ‬أُمشّط‭ ‬شعري‭ ‬بمشط‭ ‬تركته‭ ‬أمي‭ ‬قبل‭ ‬رحيلها،

ما‭ ‬زال‭ ‬يحمل‭ ‬دفءَ‭ ‬كفّها،

ورائحة‭ ‬أنساها‮…‬‭ ‬وأعود‭ ‬لها

أتحدث‭ ‬مع‭ ‬أبي‭ ‬كلما‭ ‬مرّ‭ ‬طيفه‭ ‬في‭ ‬الممر،

أسأله‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الغياب‭ ‬يؤلم‭ ‬مثلي‭ ‬؟‭!‬

ثم‭ ‬أبتسم‭ ‬لنفسي،

حتى‭ ‬لا‭ ‬أبدو‭ ‬حزينةً‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يجب‭. ‬

أعيش‭ ‬كما‭ ‬تشاء‭ ‬الحياة،

لكنني‭ ‬لا‭ ‬ألين‭ ‬كما‭ ‬تشاء‭ ‬القوالب‭.‬

أمشي‭ ‬بملامحي‭ ‬كما‭ ‬هي،

دون‭ ‬أن‭ ‬أُعيد‭ ‬طلاء‭ ‬نفسي

لتناسب‭ ‬نظراتٍ‭ ‬ترمقني‭ ‬باستغراب‭. ‬

وأعود‭ ‬إلى‭ ‬قلبي‭ ‬من‭ ‬جديد،

أجلس‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬النهار،

أشرب‭ ‬الشاي‭ ‬مع‭ ‬وجه‭ ‬المدينة،

ألوّح‭ ‬للغرباء‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعرفني‭ ‬أحدٌ‭ ‬منهم،

كمن‭ ‬يودّع‭ ‬حياةً‭ ‬قديمة‭ ‬دون‭ ‬بكاء‭.‬

أغادر‭ ‬دائمًا‭ ‬محمّلةً‭ ‬بأشيائي‭ ‬الصغيرة،

بما‭ ‬تبقّى‭ ‬من‭ ‬دفئي،‭ ‬ومني،

إلى‭ ‬وجعٍ‭ ‬جديد‭ ‬لا‭ ‬يُشبهني،

ولا‭ ‬يتّسع‭ ‬لقالبٍ‭ ‬ضاق‭ ‬بي‭ ‬منذ‭ ‬زمن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى