
في صباح السبت الماضي، وبرعاية واستضافة دار الفنون بطرابلس نظمتْ مجلة )مربعات( لقاءً حواريًا مفتوحًا مع الفنان عدنان معيتيق، لقاء ضم ثلة من المعماريين، والتشكيليين؛ حول «الشجرة» كرمز قوي في الفن يجسد مفاهيم عميقة كـ«المعرفة، والانتماء، واليقظة الروحية» .
التأم هذا اللقاء عقب اختتام معرض )انطباعات موضوعية( للفنان والناقد التشكيلي عدنان معيتيق، وكان المعرض قد افتتح يوم السبت 13 ديسمبر 2025، حضره لفيفٌ من الفنانين التشكيليين الليبيين؛ وعدد من الشخصيات الفنية، والصحفية؛ وجمهور من المتابعين للمشهد التشكيلي .
اتسع فضاء المعرض لخمس وعشرين لوحة كانتْ مزيجًا من الحلم، والخيال، والصدق، والجموح؛ بريشة فنان يدب في خلاياه نسغ هذا الوئام الخلاّب، فنان يعمل بروح حرة خارج حسابات مدارس التشكيل، بل سعى إلى استعادة الذاكرة الجمعية من سطحية الحداثة؛ حيث نبض اللوحات مستقى من جغرافية بلدة «طمينة» بمصراتة؛ حيث تحوَّلتّ تضاريس طمينة إلى طاقة تشكيلية منحت اللوحة بُعدًا روحًيا عميقا.
انطباعات موضوعية
ليستْ لوحات توثيقية فقط بقدر ما هي فضاءات تأملية تحتفي بالحياة؛ وبوح تشكيلي يعيد وصل المتلقي إلى أسئلته الأولى وجذوره البكر أعاد معيتيق ريف طمينة باعتباره ذاكرة جمعية ومقاومة فنية مرهفة ضد التشوه والبشاعة .. لم يكن عدنان مقلدًا وناقلاً للطبيعة بل مفككًا ومؤولاً للطبيعة التي أعاد رسمها عبر خياله، متسلحًا ببراعة تشكيلية عالية لينتشلها من رماد الحقول المغادرة ويمنحها حياة أخرى.
في لوحات عدنان فضاءٌ طبيعي نقي محاط بالأشجار العتيقة، ومزدان باخضرار الريف وطزاجة الهواء وحمرة الطين وزرقة السماء وبهاء الألوان، وتلك أشياء عالقة في الذاكرة الفردية والجمعية معًا..
يتكرَّر حضور الجذور والأشجار بوصفه استعارة كبرى وليس ممارسة تشكيلية فقط، بل وثيقة فنية جمالية ؛ ورسما لكثافة الحياة لا تجسيدا لنمطية الطبيعة. ربما من العسير العثور على الأماكن المرسومة في لوحات معيتيق التي اعتدنا أن نذهب إليها؛ فقد طالتها تغييرات كارثية بفعل زحف الكتل الإسمنتية على الحقول الخضراء.يسكن الشعورُ بين الألوان ويصير التأمل أبلغ من التأويل.. كثافة لونية شديدة الغنى تستمد حيويتها من بيئة حقول طمينة التي تتشابه كثيرًا بالبيئة الليبية الأخرى، فاللون عند عدنان انفعال متجسد قد يكون هادئًا أو لاذعًا، وهو شعور داخلي وليس اختيارًا لا تبصر فيه.
في لوحات «معيتيق» لم نرَ الطبيعة فحسب بل رأينا طاقتها الحيوية وهي تتحوّل إلى فن؛ وككائن يتنفس وليست سطحًا مدهونًا..
كل ذلك ضمن رؤية تجديدية تزاوج بين إيقاع الريف وإيقاع اللون الدلالي.
التقتْ صحيفة «فبراير» الفنان عدنان معيتيق وسألته : بعد الانتهاء من رسم لوحتكَ؛ هل تتعامل معها كمتلقٍ، أم ناقدٍ ؟
أجاب: طبعًا أثناء الرسم أتعامل مع لوحتي كرسام، وحين تقترب اللوحة من الاكتمال بشكلها الأمثل من حيث التكوين الفني، وبعض الإضافات الضرورية أتعامل معها كناقد، أما بعد الانتهاء الكلي من إنجاز اللوحة يتكون عندي إحساسٌ جميلٌ وعلاقةٌ حميمية وتربطني معها فعل الفرجة، ويكون لزامًا عليّ تخصيص وقت لمشاهدة اللوحة أكثر من مرة، إلى أنَّ أنجز لوحة أخرى جديدة فأستبدل حماسي بها، أو يبقى الاهتمام في المستوى نفسه، وأكون متلقيًا شغوفًا .
للفنان والناقد التشكيلي والباحث الجمالي عدنان معيتيق كتابان مميزان، كتاب «مكامن الضوء » يحوي مقالات عن التشكيل الليبي المعاصر، وكتاب«رياحين» يتضمن مقالات في التشكيل العربي المعاصر.



