
الحال الذي نعيشه هذه الأيام لاأقل من وصفه بالبؤس الحقيقي والشقاء من ذلك النوع الذي قرأنا عنه في الروايات .
بؤس عميق متغلغل في جميع أروقة البلد وشوارعها وترزح تحته كل مكونات المجتمع الليبي وعلى جميع الأصعدة وفي مختلف المجالات .
إنه بإمتياز حالة عامة تكاد تشكل مورفولوجيا المواطن الليبي الذي تراه يسير في الطرقات مذهولاً ترهقه الحياة وتعاكسه وترفض أن تؤاتيه برياح العون والفرج .
لاتجد في الطريق ما يسرك ..
إزدحام خانق فاق القدرة على استيعابه عصبية واحتقان غير طبيعي..
سباب وشتائم تعلو من الجنسين ..
تسول وشحاذة بمختلف الاعمار والأجناس ..
طوابير طويلة بائسة وصياح متواصل .
عجائز ونساء يفترشن الإسفلت والأرصفة قدام البنوك والمصارف ..
زحمة غير عادية في المستوصفات ومراكز الرعاية الصحية وكذلك حتى في المصحات الخاصة حتى يتبادر الى ذهنك سؤال هل هناك شخص بصحة جيدة في البلد .
البؤس تراه جلياً في المواطن الذي تنظر الى وجهه بتلك اللحية غير المهذبة يلطخها شيب يشي بالإكتئاب الذي يسحق هذا الرجل .
والشمس التي أحرقت إبتسامته ووجهه ودمه ..
البؤس .. علامة واضحة وجلية في السلوك العام لمستوطني هذه البقعة من الأرض حتى لكأنه لازمة وهوية ويكاد أن يكون توصيفاً لحالة نفسية عامة .
فمن ياتراه المسؤل عن كل هذا الشقاء ؟
ومن كلف نفسه بالبحث عن الاسباب الحقيقية لهذا البؤس؟
وهل هو «المواطن البائس» فاعل أم مفعول به ؟
يعني هل هو بمعنى آخر بائس بإرادته أم أنه مغلوب حقاً على أمره وبائس بالضرورة .
برأيي أنه غير بريء من هذه التهمة في الوقت الذي يكون فيه مجنياً عليه فعلا ومنتهك الحقوق .
هو غير بريء كونه لايريد التعرف على حقيقة كونه مسؤلا أولياً عن وعيه وإدراكه بالضرورات التي من شأنها التحرك به في إتجاه التغير والتحسن بمعنى رفضه لمواجهة الحقائق التي يعدها طواطم ثابتةومحاولة نقدها النقد الذي من شأنه أن يميز الخبيث في عقله من الطيب ليتشكل له بذلك وعي مغاير وأدراك مختلف يقوده الى وضع آمن وسلس وهي مستبعدة أعني فكرة ممارسة التفكير النقدي لكونها مرهقة وصعبة بالاضافة لإفتقاره للمنهج المهم والصحيح للممارسة النقدية بعيدا عن المقارنات والنظر في صحون الآخرين .هذا تقصير نمارسه يومياً ونرفض التخلي عنه إستسهالا بينما نعلق هذا الفشل وغير على الاخرين .
نحن مقصرون حقيقة تجاه أنفسنا وتجاه أفكارنا ولانبذل لأجلها الجهد المطلوب بينما نكتفي بالصراخ وإسقاط الملامة على الغير .
غير أن للدولة «إذا كان ثمة من دولة» دوراً غائبا بالكلية في التخفيف من حدة هذا البؤس والتقليل من وطأته على المواطن .
وأستطيع القول أني لاأرى مساع حقيقية من المسؤلين نحو توفير سبل الحياة الكريمة للناس وإنما يفتك المواطن في حاجته إفتكاكاً ويسعى بكل قوته وجهده لتوفير ضروراته بإستماتة أشبه بتلك التى تميز الغابة عن المجتمع الإنساني حيث «جهدك وما يجيب» .
ليصير السؤال الذي يفرض نفسه في غياب إيقاع الدولة بمؤسساتها المتعددة هو .
هل الدولة ومسؤولوها مسؤلين عن توفير الحياة الكريمة للشعب بإعتباره الأصل وهم فروعه . أم أن الشعب هو المسؤل عن توفير الحياة الكريمة للدولة ومسؤليها .؟!
من هو الخادم والمخدوم ؟!.
ومن هو السيد والمسود؟!
تساؤلات قد لاتكون بريئة .!



