رأي

صحة‭ ‬مفقودة

معمر‭ ‬الزايدي

الحال‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬لاأقل‭ ‬من‭ ‬وصفه‭ ‬بالبؤس‭ ‬الحقيقي‭ ‬والشقاء‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬قرأنا‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الروايات‭ .‬

بؤس‭ ‬عميق‭ ‬متغلغل‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أروقة‭ ‬البلد‭ ‬وشوارعها‭ ‬وترزح‭ ‬تحته‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬الليبي‭ ‬وعلى‭ ‬جميع‭ ‬الأصعدة‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ . ‬

إنه‭ ‬بإمتياز‭ ‬حالة‭ ‬عامة‭ ‬تكاد‭ ‬تشكل‭ ‬مورفولوجيا‭ ‬المواطن‭ ‬الليبي‭ ‬الذي‭ ‬تراه‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬مذهولاً‭ ‬ترهقه‭ ‬الحياة‭ ‬وتعاكسه‭ ‬وترفض‭ ‬أن‭ ‬تؤاتيه‭ ‬برياح‭ ‬العون‭ ‬والفرج‭ .‬

لاتجد‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬ما‭ ‬يسرك‭ .. ‬

إزدحام‭ ‬خانق‭ ‬فاق‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استيعابه‭ ‬عصبية‭ ‬واحتقان‭ ‬غير‭ ‬طبيعي‭..‬

سباب‭ ‬وشتائم‭ ‬تعلو‭ ‬من‭ ‬الجنسين‭ ..‬

تسول‭ ‬وشحاذة‭  ‬بمختلف‭ ‬الاعمار‭ ‬والأجناس‭ ..‬

طوابير‭ ‬طويلة‭ ‬بائسة‭ ‬وصياح‭ ‬متواصل‭ .‬

عجائز‭ ‬ونساء‭ ‬يفترشن‭ ‬الإسفلت‭ ‬والأرصفة‭ ‬قدام‭ ‬البنوك‭ ‬والمصارف‭ ..‬

زحمة‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬في‭ ‬المستوصفات‭ ‬ومراكز‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬وكذلك‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المصحات‭ ‬الخاصة‭ ‬حتى‭ ‬يتبادر‭ ‬الى‭ ‬ذهنك‭ ‬سؤال‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬شخص‭ ‬بصحة‭ ‬جيدة‭ ‬في‭ ‬البلد‭ .‬

البؤس‭ ‬تراه‭ ‬جلياً‭ ‬في‭ ‬المواطن‭ ‬الذي‭ ‬تنظر‭ ‬الى‭ ‬وجهه‭ ‬بتلك‭ ‬اللحية‭ ‬غير‭ ‬المهذبة‭ ‬يلطخها‭ ‬شيب‭ ‬يشي‭ ‬بالإكتئاب‭ ‬الذي‭ ‬يسحق‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ .‬

والشمس‭ ‬التي‭ ‬أحرقت‭ ‬إبتسامته‭ ‬ووجهه‭ ‬ودمه‭ ..‬

البؤس‭ .. ‬علامة‭ ‬واضحة‭ ‬وجلية‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬العام‭ ‬لمستوطني‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭  ‬حتى‭ ‬لكأنه‭ ‬لازمة‭ ‬وهوية‭ ‬ويكاد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬توصيفاً‭ ‬لحالة‭ ‬نفسية‭ ‬عامة‭ .‬

فمن‭ ‬ياتراه‭ ‬المسؤل‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الشقاء‭ ‬؟

ومن‭ ‬كلف‭ ‬نفسه‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬الاسباب‭ ‬الحقيقية‭ ‬لهذا‭ ‬البؤس؟

وهل‭ ‬هو‭ ‬‮«‬المواطن‭ ‬البائس‮»‬‭ ‬فاعل‭ ‬أم‭ ‬مفعول‭ ‬به‭ ‬؟‭ ‬

يعني‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬بائس‭ ‬بإرادته‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬مغلوب‭ ‬حقاً‭ ‬على‭ ‬أمره‭ ‬وبائس‭ ‬بالضرورة‭ .‬

برأيي‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬بريء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التهمة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬مجنياً‭ ‬عليه‭ ‬فعلا‭ ‬ومنتهك‭ ‬الحقوق‭ .‬

هو‭ ‬غير‭ ‬بريء‭ ‬كونه‭ ‬لايريد‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬كونه‭ ‬مسؤلا‭ ‬أولياً‭ ‬عن‭ ‬وعيه‭ ‬وإدراكه‭ ‬بالضرورات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬التحرك‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬إتجاه‭ ‬التغير‭ ‬والتحسن‭ ‬بمعنى‭ ‬رفضه‭ ‬لمواجهة‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬يعدها‭ ‬طواطم‭ ‬ثابتةومحاولة‭ ‬نقدها‭ ‬النقد‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يميز‭ ‬الخبيث‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬من‭ ‬الطيب‭ ‬ليتشكل‭ ‬له‭ ‬بذلك‭ ‬وعي‭ ‬مغاير‭ ‬وأدراك‭ ‬مختلف‭ ‬يقوده‭ ‬الى‭ ‬وضع‭ ‬آمن‭ ‬وسلس‭ ‬وهي‭ ‬مستبعدة‭ ‬أعني‭ ‬فكرة‭ ‬ممارسة‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬لكونها‭ ‬مرهقة‭ ‬وصعبة‭ ‬بالاضافة‭ ‬لإفتقاره‭ ‬للمنهج‭ ‬المهم‭ ‬والصحيح‭ ‬للممارسة‭ ‬النقدية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المقارنات‭ ‬والنظر‭ ‬في‭ ‬صحون‭ ‬الآخرين‭ .‬هذا‭ ‬تقصير‭ ‬نمارسه‭ ‬يومياً‭ ‬ونرفض‭ ‬التخلي‭ ‬عنه‭ ‬إستسهالا‭ ‬بينما‭ ‬نعلق‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬وغير‭ ‬على‭ ‬الاخرين‭ .‬

نحن‭ ‬مقصرون‭ ‬حقيقة‭ ‬تجاه‭ ‬أنفسنا‭ ‬وتجاه‭ ‬أفكارنا‭ ‬ولانبذل‭ ‬لأجلها‭ ‬الجهد‭ ‬المطلوب‭ ‬بينما‭ ‬نكتفي‭ ‬بالصراخ‭ ‬وإسقاط‭ ‬الملامة‭ ‬على‭ ‬الغير‭ .‬

غير‭ ‬أن‭ ‬للدولة‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬دولة‮»‬‭ ‬دوراً‭ ‬غائبا‭ ‬بالكلية‭ ‬في‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬هذا‭ ‬البؤس‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬وطأته‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ . ‬

وأستطيع‭ ‬القول‭ ‬أني‭ ‬لاأرى‭ ‬مساع‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬المسؤلين‭ ‬نحو‭ ‬توفير‭ ‬سبل‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬للناس‭ ‬وإنما‭ ‬يفتك‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬حاجته‭ ‬إفتكاكاً‭ ‬ويسعى‭ ‬بكل‭ ‬قوته‭ ‬وجهده‭ ‬لتوفير‭ ‬ضروراته‭ ‬بإستماتة‭ ‬أشبه‭ ‬بتلك‭ ‬التى‭ ‬تميز‭ ‬الغابة‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬الإنساني‭ ‬حيث‭ ‬‮«‬جهدك‭ ‬وما‭ ‬يجيب‮»‬‭  .‬

ليصير‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬إيقاع‭ ‬الدولة‭ ‬بمؤسساتها‭ ‬المتعددة‭ ‬هو‭ .‬

هل‭ ‬الدولة‭ ‬ومسؤولوها‭ ‬مسؤلين‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬للشعب‭ ‬بإعتباره‭ ‬الأصل‭ ‬وهم‭ ‬فروعه‭ . ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬هو‭ ‬المسؤل‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬للدولة‭ ‬ومسؤليها‭ .‬؟‭!‬

من‭ ‬هو‭ ‬الخادم‭ ‬والمخدوم‭ ‬؟‭!.‬

ومن‭ ‬هو‭ ‬السيد‭ ‬والمسود؟‭!‬

تساؤلات‭ ‬قد‭ ‬لاتكون‭ ‬بريئة‭ .!‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى