قبل غروب الشمس بقليل، كانت «الحاجة فاطمة» تقف أمام صيدلية في أحد أحياء طرابلس، تمسك وصفة طبية بيد، ومحفظة قديمة باليد الأخرى. سألتْ الصيدلي عن السعر، فرفع عينيه بهدوء وأجاب. لم تناقش، لم تساوم، فقط أغلقتْ المحفظة ببطء، وقالتْ:
اعطني نوعًا واحدًا فقط .. والباقي الشهر الجاي..خرجتْ «الحاجة فاطمة»، وهي تُعدّ خطواتها لا نقودها. في عمرٍ كان يفترض أنّ تنشغل فيه بالراحة، أصبحتْ تقايض صحتها بقدرتها على الدفع. لم تكن وحدها. في الشارع نفسه، كان شابٌ يُعيد علبة حليب أطفال إلى الرف، وموظفٌ يتفحص هاتفه محاولًا حساب ما تبقّى من مرتبه، وبائعٌ ينظر بقلق إلى لوحة الأسعار التي يغيّرها كل أسبوع.
في ليبيا اليوم غلاء المعيشة لم يعد أزمةً اقتصادية صامته، بل واقعًا يوميًا يهينُ الإنسان في أبسط تفاصيله: في )الدواء، في الطعام، في الإيجار(، وحتى في السؤال عن السعر. هذا التحقيق يرصد، بالأرقام الصامتة والقصص الناطقة، كيف تحوّل الراتب إلى عبء؟، وكيف أصبح العيشُ الكريمُ حلمًا مؤجّلًا .. كيف يعيش المواطن الليبي في ظل انفلات الأسعار؟
ومَنْ المسؤولُ عن موجة الغلاء؟
وهل التاجر مذنبٌ، أم ضحية؟
وأين تقف الدولةُ من كل هذا؟
* سامي – موظف حكومي
يبدأ يومه بحساب ما تبقى من مرتبه لا بما يحتاجه أطفاله. الإيجار وحده يلتهمُ أكثر من نصف المرتب، وما تبقى يتوزعُ بين ديون قديمة وأخرى جديدة.
يضيف أنَّ الطعام لم يعد خيارًا، بل معادلةً حسابية، وإن التسوقَ أصبح عبئًا نفسيًا قبل أن يكون ماليًا.
* نجلاء .. معلمة
تقول إنَّ مرتبها لم يعد يعكس مكانتها الاجتماعية، أو دورها التربوي. تقف طويلًا أمام رفوف السوق، تختار الأرخص، وتتخلى عن الكثير.
أُعلّم طلابي القيم، لكني أعجز عن تأمين حياة كريمة لنفسي.
* أبو القاسم – متقاعد
بعد سنوات طويلة من الخدمة، وجد نفسه ينتظر نهاية كل شهر بخوف.
المعاش بالكاد يغطي الدواء، أما باقي الاحتياجات فمؤجلة حتى إشعار آخر. يشعر أن التقاعد ليس راحة، بل بداية قلق دائم.
* لمياء – أم لطفلين
تحملُ لمياءُ قائمةً قصيرةً جدًا عند ذهابها للسوق، ومع ذلك تعود ناقصة.
أسعار حليب الأطفال، والحفاضات تستهلك الجزء الأكبر من دخل الأسرة.
تقول إنها تختصر في نفسها كثيرًا، لكنها تخافُ على صحة أطفالها أكثر من أي شيء.
* علاء – شاب أعزب
يعملُ منذ سنوات، لكنه لم ينجح في الادخار. فكرة الزواج باتتْ بعيدة، ليس لغياب الرغبة، بل لانعدام القدرة. يرى أن الغلاء سرق منه مراحل طبيعية من الحياة، وجعله عالقًا في دائرة الانتظار.
* أم فتحي – أرملة
تعيش على معاش محدود، تقسمه بعناية شديدة. تقول إنّ كل فاتورة جديدة تعني حرمانًا من شيء آخر. تشعر أن الغلاء ضاعف شعورها بالوحدة، وجعلها أكثر هشاشةً أمام متطلبات الحياة.
* يوسف – عامل يومي
لا يعرف معنى الاستقرار، يعمل اليوم ليأكل اليوم، وإذا مرض، أو توقف العمل، يتوقف كل شيء.
يقول إن الغلاء حوّل حياته إلى سباق يومي من أجل البقاء فقط.
* أريج – موظفة مصرف
رغم عملها في قطاع مالي، إلا أنها تشعر أن راتبها يتآكل بسرعة. تقول : إن الأسعار ترتفع أسرع من أي علاوة، وإن قيمة المال لم تعد ثابتة. نقبض، لكن لا نعيش تختصر المشهد.
* علي – سائق أجرة
يقضي ساعات طويلة في العمل، لكن دخله يتآكل بسبب ارتفاع قطع الغيار، ومصاريف الصيانة. يقول إن الراكب يشكو من السعر، وهو يشكو من الواقع، وفي النهاية الجميع خاسر.
* مرام – طالبة جامعية
تحاول التركيز في دراستها، لكن التفكير في المصروف والنقل يلاحقها. تشعر أن الغلاء سرق من الطلبة حقهم في التفرغ للعلم، وجعلهم يفكرون في المال أكثر من المستقبل.
* خالد – أب لخمسة أبناء
يرى أن تلبية احتياجات أطفاله أصبحتْ تحديًا يوميًا. الكسوة، المدرسة، الطعام. كلها أعباءٌ ثقيلة.
يقول إنه يعمل أكثر، لكنه يحصل على أقل.
* عائدة – ربة بيت
تحسب مصروف البيت بدقة شديدة. تقلل الكميات، تستبدل الأصناف، وتؤجل الكثير.
تقول إنّ الغلاء دخل المطبخ الليبي، وغيَّر عاداته بالكامل.
* يعقوب – موظف بلدية
يربط يعقوب بين الدولار، وحياته اليومية. كل ارتفاع في سعر الصرف يعني ضغطًا جديدًا.
يشعر أن راتبه ثابتٌ في مكانه، بينما الأسعار تسبقه بخطوات، واسعة.
* أحمد – شاب مريض بمرض زمن
العلاجُ بالنسبة لأحمد ليس رفاهية، بل ضرورة يومية. ارتفاع أسعار الأدوية جعله يقلّل الجرعات أحيانًا.
يقول إن الغلاء هنا لا يهدَّد المعيشة فقط، بل الحياة نفسها.
* بشرى – موظفة شابة
تقول إنّ العملَ لم يعد ضمانًا للاستقرار. رغم اجتهادها، تشعر أن المستقبل غامض. الغلاء جعل التخطيط لأي خطوة قادمة أمرًا معقدًا ومقلقًا.
* سالم – عامل نظافة
يشعر أن دخله لا يعكس جهده. يعمل في ظروف صعبة، لكن العائد لا يكفي. يقول إن الغلاء جعله يشعر بأنه يعمل فقط ليبقى واقفًا.
* نرجس – أم مطلقة
تعتمد على نفقة محدودة، لا تكفي سوى أيام. تقول إن الغلاء ضاعف معاناتها، وجعلها تعيش قلقًا دائمًا على مستقبل أبنائها.
* إسماعيل – خريج جديد
يحمل شهادة جامعية، لكنه بلا عمل. يرى أن الغلاء يضغط عليه نفسيًا، ويجعله يشعر أن الدراسة لم تمنحه الأمان الذي كان يتوقعه.
* الحاج محمد – صاحب دكان
يقول إن الزبائن غاضبون، لكنه مثلهم متضرر. يشتري بأسعار مرتفعة ويبيع بهامش بسيط. يشعر أن التاجر الصغير محاصر بين السوق والنّاس.
* مجدي – تاجر جملة
يرى أن تقلب الدولار أربك السوق بالكامل. لا يستطيع تثبيت الأسعار، ولا التخطيط. يقول إن الفوضى الاقتصادية أضرّتْ بالجميع.
* بائع خضار
يبدأ يومه فجراً، لكن الربح ضئيل. يقول إن الخسارة لم تعد في قلة البيع، بل في عدم الاستقرار. يشعر أن الغلاء كسر العلاقة بين البائع، والزبون.



