
شجرة «الشماري» التي تنمو في الجبل الأخضر، وتتعرض للحرق والتقطيع، ولم تلقَ أي اهتمام يتناسب مع أهميتها، أو الاستفادة الاقتصادية منها، ونظراً لأهميتها من الناحية البيئية والاقتصادية؛ نسلط الضوء على المخاطر البيئية الناجمة عن تلك الأنشطة، لأن هذه البيئة حساسة لأدنى تغيير يحدثه النشاط البشري، وبالتالي تستدعي اتخاذ إجراءات التخطيط البيئي لضمان الاستدامة عند استغلال الموارد الطبيعية، وممارسة التحجير «استخراج المواد الخام»،
التي تستخدم في صناعات البناء مثل الإسمنت وأحجار البناء، التي تزامن طلبها مع نمو السكان في المنطقة، حيث شهد البناء والتشييد توسعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة بفضل استثمار العائدات النفطية، ليزداد عدد المحاجر والكسارات، التي تتركز غالبًا في مناطق الغطاء النباتي، وسببت تدميرًا للغطاء النباتي وتدهورًا في خصائص التربة، بالإضافة إلى تلوث البيئة بالغبار والأتربة، وظاهرة تدهور الأحياء البريّة لا تتركز في منطقة محددة بل تعاني منها مناطق متعددة في ليبيا.
وتشكل الأحياء البريّة جزءاً لا ينفصل عن مكونات النظام البيئي الطبيعي التي تشمل الغطاء النباتي الطبيعي والمياه والتربة وغيرها، وتستمر هذه المكونات محتفظة بتوازنها الطبيعي طالما بقيت تحت الظروف الطبيعية، لكن استغلال الإنسان الجائر لها يُخل بهذا التوازن، ويظهر هذا الخلل عادةً في عدة أشكال من التدهور البيئي مثل تناقص الأحياء البريّة وانقراضها، الذي إذا تُرِكَ دون معالجة في الوقت المناسب فإنه يؤدي إلى فقدان أحد عناصر النظام البيئي الطبيعي، التي تلعب دوراً مهمًا في حفظ التوازن البيئي الطبيعي وعندها يكون علاج هذا الخلل أمراً بالغ الصعوبة، وتُعد مشكلة تلوث التربة إحدى المشكلات البيئية المعاصرة التي يعاني منها الجبل.
وقد أخذت عينات من التربة، والمياه، لتحليلها؛ ولمعرفة أنواع التلوث، والإرسابات الجوية من الغازات، والجسيمات الناتجة عن وسائل النقل، ومخلفات الصناعة، والمخلفات الصلبة مثل :
المخلفات المنزلية، والمخلفات السائلة كمياه الصرف الصحي، وكذلك الإسفلت، والأدوية، وزيوت المحركات، فهذه الكنوز بحاجة كبيرة لمكافحة هذه المشاكل البيئية الملحة في ليبيا.
يتركز غرس )الشماري( حول وادي الكوف، ووادي درنة، وفي محمية منطقة لملودة شرق مدينة قوريني بـ 15كم.
تُزهر الشجرة في آخر الخريف وبداية الشتاء، وموسم الشجرة أواخر نوفمبر وحتى منتصف يناير.
من العجيب الغريب في هذه الشجرة أنها تزهر في عام، وتثمر في العام القادم، أي في آخر موسم ثمارها في شهر ديسمبر، تزهر وتثمر في خريف العام التالي، ثمارها تنضج بعد 12 شهرًا من التلقيح، وعند نضج الثمار تكون الأزهار الجديدة قد ظهرت بالوقت نفسه، لذلك يظن البعض أن الثمار ليس لها دخل بالأزهار، فالأزهار تلقح بالنحل.
يميل ساق هذه الشجرة إلى اللون الأحمر «النبيتي»، أوراقها أصفر قليلاً من أوراق شجرة البرتقال.
الغريب أنَّ ثمارها تخرج قبل أزهارها، وهذا حير علم النبات، فالأزهار تظهر في موسم البرد، وزهرتها بيضاء يُطلق عليها محلياً «الحنّون»، وهي على شكل جرس مائل إلى أسفل حتى لا تدخلها مياه الأمطار.
ثمارها تبدأ صلبةً، وتحتاج إلى وقت لكي تنضج، ولكنها حين تنضج تكون شديدة الليونة لدرجة تصعب معها عمليتي النقل والتخزين.
وتؤكل الثمار بعد قطفها مباشرةً، ولا تباع في الأسواق المحلية، فهي ذات قيمة غذائية عالية وغنية بفيتامين C، ويمكن أن تخلط مع الحليب وتقدم دون تحلية، ويرعى عليها النحل فينتج عسل «الحنّون»، الذي يعد أغلى أنواع العسل في ليبيا، وهو من الأنواع الجيدة والمطلوبة، وتستغل أغصان الشجرة في الوقود، وفي إنتاج الفحم النباتي، وفي بعض الصناعات الخشبية.
ويمكن القول بإنها من أهم الأشجار الجميلة والنادرة المتوطنة في الجبل الأخضر، ومن الثروات الطبيعية الوطنية المهدّدة بالانقراض، في غياب الاهتمام طيلة السنوات الاخيرة، والتعدي السافر من قبل فئات منحرفة على المساحات الخضراء، كما تعرضت للحرق والتقطيع والرعي، ولم تلقَ اهتمامًا يتناسب مع أهميتها، والاستفادة الاقتصادية منها، ونظراً لأهميتها من الناحية البيئية والاقتصادية؛ فقد تم رصد عملية النمو الطبيعي لها، في بعض المناطق التي تنمو فيها، وأهم الأنواع المرافقة، وطبيعة الظروف البيئية الملائمة لنموها، وكذلك عمل مقارنة بين ثمارها وثمار الفراولة، نظرًا لتقاربهما في الشكل والطعم، وفي العديد من الصفات الظاهرية، ولأنها نادرة وتشكل جزءاً من الموروث الطبيعي، تم العمل على الاستدامة والمحافظة على النباتات المتوطنة والنادرة للحفاظ على التنوع البيولوجي، حيث إن أهمية هذه الأنواع ومعرفة توزيعها والسمات البيئية لإدارتها بطريقة مستدامة ووضع استراتيجيات فعالة لحفظها مسؤولية كل فرد في المجتمع، وعلينا حفظها وصونها للأجيال القادمة، فمن استطاع منكم أن يحتفظ بها في حديقته فليفعل، خدمة لشجرة أعطتنا ثمار وأسعدتنا بوجودها الجميل واستفدنا منها في أيام الشتاء الباردة. وانخفاض التنوع البيولوجي من الأثار البيئية التي تؤثر على التنوع البيولوجي في المنطقة، كما تتسبب الضوضاء الناجمة عن النشاط الصناعي والبناء والحركة المرورية وسواها من العوامل بضرر للأشجار والتنوع النباتي، ويستمر تأثيرها السلبي مدة طويلة حتى بعد عودة الصمت، وتمت دراسة الوضع في المناطق التي اختفى فيها التلوث الضوضائي لمعرفة رد فعل الأشجار، كـ)العرعر والصنوبر(، انطلاقاً من فرضية مفادها أنها ستتعافى بسرعة بمجرد عودة طيور «القيق» التي تنثر البذور بعد أن يسود الصمت المنطقة مجددًا، ولكن تبيّن أن الوضع لا يكون كذلك، إذ لوحظ انخفاض طويل المدى في عدد البراعم الجديدة، بسبب امتناع الطيور عن العودة إلى هذه المواقع، فهذه الشجرة مصدر غذائي للعديد من أنواع الطيور والحشرات، وحذَّروا من انقراض النباتات النادرة في الجبل الأخضر، بفعل التغيُّرات المناخية وبدورها أضرت بالثروة النباتية والحيوانية في المنطقة، وهددت الدورة النباتية وضعف خزان البذور الموجود في التربة، كما تم رصد إصابة الشجرة بمرض يهدد نموها وانتشارها، وحذروا من مخاطر الأمراض التي قد تؤثر على استمراريتها، وأن الرعي الجائر يقلل من نموها، وتحوَّل الغطاء النباتي في تلك المناطق إلى غطاء نباتي محدود الأنواع.
وحذرً الخبراء من أنه ومع مرور الزمن سيصبح ما يعرف بـ «خزان البذور» الموجود في التربة ضعيفًا، ومن غير المؤكد أنَّ يستأنف نموه من جديد نظرًا لقلة وحدات التكاثر سواء أكانت الخضرية منها أم البذرية، وتقدر المساحة التي تغطيها الغابات في الجبل بحوالي 500 كم، وهذه المساحة تتراجع اليوم بشكل ملحوظ؛ بسبب تجريف الغابات والحرائق وتحطيب الأشجار الجائر لإنتاج الفحم النباتي، من قِبل «الفحامة» تجار الفحم.



