الرئيسيةحوار

الاستحقاق المؤجل د. بوحمــــرة : إقرار مشـروع الدستـور .. شهادة وفاة لكل الأجسام

عبدالسلام الفقهي

على‭ ‬صفيح‭ ‬القلق‭ ‬الذي‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬ليبيا،‭ ‬يتوق‭ ‬الليبيون‭ ‬لحالة‭ ‬الاستقرار‭ ‬خصوصًا‭ ‬وقد‭ ‬سئموا‭ ‬المراحل‭ ‬الانتقالية،‭ ‬لكن‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬انجاز‭ ‬الاستحقاق‭ ‬الدستوري؛‭ ‬الجنين‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬له‭ ‬رؤية‭ ‬النَّور‭.‬

لذا‭ ‬كان‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭  ‬د‭. ‬الهادي‭ ‬أبوحمرة‭ ‬عضو‭ ‬هيئة‭ ‬صياغة‭ ‬الدستور‭ ‬لنسأله‭ ‬عن‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬مرتْ‭ ‬بها‭ ‬مسودة‭ ‬الدستور،‭ ‬والعراقيل‭ ‬والاشكاليات‭ ‬التي‭ ‬اعترضتْ‭ ‬عمل‭ ‬اللجنة‭ ‬أثناء‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬المسودة‭ ‬والقوة‭ ‬القاهرة‭ ‬التي‭ ‬عطلتْ‭ ‬مسار‭ ‬الاستفتاء‭ .‬

يجيب‭ ‬د‭. ‬الهادي‭ ‬عن‭ ‬سؤالنا‭ ‬بخصوص‭ ‬تكوين‭ ‬لجنة‭ ‬صياغة‭ ‬الدستور‭ ‬بالقول‭ :‬

تكونتْ‭ ‬اللجنة‭ ‬بالانتخاب‭ ‬السري‭ ‬المباشر‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬بعد‭ ‬مخاض‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الانتقالي‭ ‬بين‭ ‬رأيين‭ : ‬هل‭ ‬اللجنة‭ ‬تتم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التعيين‭ ‬أم‭ ‬الانتخاب؟،‭ ‬والسبب‭ ‬أن‭ ‬عديد‭ ‬التيارات‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬طالبتْ‭  ‬بالتمثيل،‭ ‬ورأتْ‭ ‬أن‭ ‬تضمن‭ ‬التعيين‭ ‬بالانتخاب‭ ‬لكن‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الجسم‭ ‬التشريعي‭. ‬

هل‭ ‬لكَ‭ ‬أن‭ ‬تعطينا‭ ‬مثالًا‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬التيارات؟‭.‬‭ ‬

التيار‭ ‬الفيدرالي‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬طالب‭ ‬أن‭ ‬تتشكل‭ ‬اللجنة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الانتخاب‭ ‬السري‭ ‬المباشر،‭ ‬وأن‭ ‬تشكل‭ ‬بالتساوي‭ ‬بين‭ ‬المناطق‭ ‬الانتخابية‭ ‬التاريخية‭  ‬الثلاث‭ )‬طرابلس،‭ ‬برقة،‭ ‬فزان‭( ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬تم‭  ‬في‭  ‬الجمعية‭ ‬التأسيسية‭ ‬سنة‭ ‬1951،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تم‭  ‬بالفعل‭ ‬حيث‭ ‬تكونت‭ ‬اللجنة‭ ‬التأسيسية‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬ذاته،‭ ‬إضافة‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1951تم‭ ‬اختيار‭ ‬أعضاء‭ ‬الجمعية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التعيين‭ ‬لا‭ ‬الانتخاب،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬عرضها‭ ‬على‭ ‬الاستفتاء،‭ ‬وما‭ ‬يميز‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية‭ ‬الحالية‭ ‬تضمينها‭ ‬للإرادة‭ ‬الشعبية‭ ‬من‭ ‬ناحيتين‭.‬

الأولى‭ ‬بالانتخاب‭ ‬السري‭ ‬المباشر،‭ ‬والثانية‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تنتج‭ ‬دستورًا،‭ ‬وإنما‭ ‬مشروع‭ ‬دستور‭ ‬يُعرض‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي،‭ ‬وبالفعل‭ ‬تشكلتْ‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية‭ ‬وفقًا‭ ‬لهذا‭ ‬التوجه‭ .‬

يواصل‭ ‬د‭.‬الهادي‭ :‬‭ ‬الملاحظة‭ ‬أن‭ ‬الأخوة‭ ‬الأمازيغ‭ ‬اعترضوا‭ ‬على‭ ‬العملية‭ ‬بالكامل،‭ ‬وطالبوا‭ ‬ألا‭ ‬تتم‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬وضعٌ‭ ‬مميزٌ‭ ‬داخل‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية‭ ‬بشأن‭ ‬الحقوق‭ ‬الثقافية‭ ‬واللغوية‭.‬

كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تلخيص‭ ‬رؤية‭ ‬المكون‭ ‬الأمازيغي؟‭ ‬

عمومًا‭ ‬أنا‭ ‬لستُ‭ ‬بصدَّد‭ ‬التعبير‭ ‬عنهم‭ ‬لكن‭  ‬أضعكَ‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬وهو‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالحقوق‭ ‬السياسية،‭ ‬واللغوية‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬تطرح‭ ‬بالتصويت‭ ‬على‭ ‬الاستفتاء‭ ‬بالأغلبية‭ ‬لأنها‭ ‬حقوق‭ ‬مكونات‭ ‬ثقافية؛‭ ‬وبالتالي‭ ‬أي‭ ‬دستور‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُبنى‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التوازن،‭ ‬وبالفعل‭ ‬فإن‭ ‬الإعلان‭ ‬الدستوري‭ ‬نص‭ ‬أن‭ ‬أعضاء‭ ‬المكونات‭ ‬بالهيئة‭ ‬التأسيسية‭ ‬يجب‭ ‬التوافق‭ ‬معهم‭ ‬بشأن‭ ‬الحقوق‭ ‬الثقافية‭ ‬واللغوية،‭ ‬بمعنى‭ ‬كل‭ ‬المسائل‭ ‬الأخرى‭ ‬تطرح‭ ‬على‭ ‬أغلبية‭ ‬الثلثين‭ ‬باستثناء‭ ‬الحقوق‭ ‬اللغوية،‭ ‬والثقافية‭ .. ‬في‭ ‬العموم‭ ‬تشكلتْ‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الانتخابية‭ ‬الثلاث،‭ ‬وانجزت‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الدوائر،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬نقصٌ‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬تكامل‭ ‬مع‭ ‬الوقت،‭ ‬فقط‭ ‬أود‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬الأخوة‭ ‬الأمازيغ‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية‭ ‬قاطعوا‭ ‬العملية‭  ‬الانتخابية،‭ ‬ولأن‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية‭ ‬حقٌ،‭ ‬وليستْ‭ ‬واجبًا‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬تمنع‭  ‬المقاطعة‭ ‬من‭ ‬تكوين‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية،‭  ‬والمضي‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬خاصة‭ ‬وأنها‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬لا‭ ‬تنتج‭ ‬دستورًا،‭ ‬وإنما‭ ‬مشروع‭ ‬دستور‭ ‬يعرض‭ ‬على‭ ‬الاستفتاء‭.‬

نتوقف‭ ‬عند‭ ‬مسألة‭ ‬التوافق‭ ‬التي‭ ‬أشرتْ‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬حديثكَ‭ ‬عن‭ ‬الأقلياتِ‭ ‬؟

ترتكزُ‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الانتخاب‭ ‬هو‭ ‬حقٌ‭ ‬للمواطن،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭  ‬لمنطقة‭ ‬‮«‬ما‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تعطل‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية‭ ‬بالكامل،‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تشارك،‭ ‬أو‭ ‬لا،‭ ‬والإعلان‭ ‬الدستوري‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬يكفل‭ ‬لها‭ ‬حق‭ ‬المشاركة‭. ‬والأمرُ‭ ‬الآخر‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬الأمازيغ‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭  ‬الـتأسيسية‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تواصلتْ‭ ‬مع‭ ‬الأمازيغ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مدنهم،‭ ‬وتعتقد‭ ‬أنها‭ ‬أنتجتْ‭ ‬صيغة‭ ‬توافقية‭ ‬مناسبة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬باللغات‭ ‬‮«‬الأمازيغية،‭ ‬والتارقية‭ ‬والتباوية‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬آخر‭ ‬اجتماع‭ ‬مع‭ ‬المكون‭ ‬الأمازيغي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬يفرن‭ ‬الذي‭ ‬ضم‭ ‬عمداء‭ ‬البلديات‭ ‬الأمازيغية،‭ ‬والأعيان‭.‬

مراحل‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ .. ‬أولاً‭ ‬صدرتْ‭ ‬مسودات‭ ‬للجان‭ ‬العمل،‭ ‬وعرضتْ‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ‬واستقبلتْ‭ ‬الهيئة‭ ‬آراء‭ ‬الليبيين‭ ‬من‭ ‬مواطنين‭ ‬ومنظمات‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني،‭ ‬وهيئات‭ ‬رسمية‭ ‬وأصدرتَْ‭ ‬بعد‭ ‬تنقيح‭ ‬هذه‭ ‬المسودات‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬سنة‭ ‬2016،‭ ‬طُعِنَ‭ ‬فيه‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ ‬وتداركتْ‭ ‬الهيئة‭ ‬المسألة،‭ ‬وأعادت‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وشكلت‭ ‬لجنة‭ ‬اسمتها‭ ‬‮«‬لجنة‭ ‬التوافقات‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬بدورها‭ ‬جمعت‭ ‬المناطق‭ ‬الانتخابية‭ ‬الثلاث،‭ ‬والمكونات‭ ‬بالهيئة‭ ‬التأسيسية‭ ‬وأصدرت‭ ‬بعد‭ ‬العرض‭ ‬على‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬عامة‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬في‭ ‬29يوليو‭ ‬2017‭.‬

ماهي‭ ‬الملاحظات‭ ‬التي‭ ‬تركزتْ‭ ‬فيها‭ ‬الطعون؟

من‭ ‬ضمنها‭ ‬أن‭ ‬اللائحة‭ ‬التنفيذية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬الإعلان‭ ‬الدستوري،‭ ‬وأن‭ ‬النصاب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متحققًا،‭ ‬وأن‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬تم‭ ‬تبنيه‭ ‬بنصاب‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬الثلثين‭ ‬لأن‭ ‬الإعلان‭ ‬الدستوري‭ ‬يشترط‭ ‬في‭ ‬اقرار‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬على‭ ‬ثلثين‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭  ‬فعلاً‭ ‬في‭ ‬29يوليو‭ ‬2017‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬اقرار‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬بأغلبية‭ ‬تفوق‭ ‬الثلثين‭ ‬أي‭ ‬43‭ ‬صوتًا،‭ ‬أيضًا‭ ‬ما‭ ‬نسميه‭ ‬أغلبية‭ ‬مزدوجة‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬أعضاء‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية،‭ ‬وأغلبية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬منطقة‭ ‬انتخابية‭ )‬طرابلس،‭ ‬برقة،‭ ‬فزان‭( .‬

خلال‭ ‬عمل‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية‭ ‬حدث‭ ‬نقاشٌ‭ ‬وجدلٌ‭ ‬حول‭ ‬عدة‭  ‬مسائل‭ ‬منها‭ ‬تكوين‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬أي‭ ‬كيف‭ ‬يتم‭ ‬اختيارها‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬السكان،‭ ‬أم‭ ‬وفق‭ ‬المناطق‭ ‬الانتخابية؟،‭ ‬وهنا‭ ‬تمت‭ ‬المجاوزة‭ ‬بين‭ ‬المعيارين‭ ‬ممثلاً‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النَّواب‭ ‬ومجلس‭ ‬الشيوخ،‭ ‬أي‭ ‬اعتماد‭ ‬معيار‭ ‬السكان‭ ‬إضافة‭ ‬للمعيار‭ ‬الجغرافي،‭ ‬أي‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعتمد‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬فقط‭ ‬ولا‭ ‬الجغرافي‭ ‬فقط،‭ ‬فلو‭ ‬اعتمدنا‭ ‬على‭ ‬الأول‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬المواطنة‮»‬‭ ‬ستنتج‭ ‬سلطة‭ ‬تشريعية‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬فقط‭ ‬وتهمش‭ ‬بالتالي‭ ‬باقي‭ ‬القرى،‭ ‬والمناطق‭ ‬الصغرى،‭ ‬ولو‭ ‬اعتمدنا‭ ‬على‭ ‬الجغرافي‭ ‬فقط‭ ‬يصبح‭ ‬هناك‭ ‬خللٌ‭ ‬في‭ ‬التوازن‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬لمدينة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬غات‮»‬‭ ‬نفس‭ ‬وزن‭ ‬‮«‬طرابلس‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬غدامس‮»‬‭ ‬نفس‭ ‬وزن‭ ‬‮«‬بنغازي‮»‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬المعيار‭ ‬السكاني‭ ‬ممثلاً‭ ‬لمجلس‭ ‬النَّواب،‭  ‬ومجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬ممثلاً‭ ‬لمعيار‭ ‬الجغرافيا‭.‬

المسألة‭ ‬الثانية‭ ‬كانتْ‭ ‬في‭ ‬انتخاب‭ ‬الرئيس‭ ‬حيث‭ ‬تولَّد‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬اتجاهان،‭ ‬الأول‭ ‬يقول‭ ‬بانتخاب‭ ‬عام‭ ‬سري‭ ‬ومباشر‭ ‬للرئيس،‭ ‬والثاني‭ ‬يقول‭ ‬إذا‭ ‬انتخبنا‭ ‬رئيسًا‭ ‬بالأغلبية‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬ستكون‭ ‬العنصر‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الرئيس،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يصبح‭ ‬مفتاح‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الغربية‭ ‬باعتبارها‭ ‬أكثر‭ ‬كثافة‭ ‬سكانية‭ ‬من‭ ‬الجنوب،‭ ‬والشرق،‭ ‬وبالتالي‭ ‬اتجهنا‭ ‬إلى‭ ‬معادلة‭ ‬وهي‭ ‬تطبيق‭ ‬الانتخاب‭ ‬العام‭ ‬السري‭ ‬المباشر‭ ‬لرئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬إعطاء‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬انتخاب‭ ‬الرئيس‭ ‬لجميع‭ ‬المناطق‭ ‬أي‭ ‬نشترط‭ ‬في‭ ‬الأغلبية‭ ‬وهي‭ )‬50+1‭(‬؛‭ ‬لكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحصل‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬يقرها‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الأخرى؛‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬أن‭ ‬يتحصل‭ ‬الرئيس‭  ‬على‭ )‬صفر‭( ‬في‭ ‬بنغازي،‭ ‬ويصبح‭ ‬رئيس‭ ‬دولة،‭ ‬أي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحصل‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬في‭ ‬طبرق،‭ ‬والجغبوب،‭ ‬وسبها‭ ‬ودرنة‭ ‬الخ‭ .. ‬وهنا‭ ‬تجبر‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية‭ ‬على‭ ‬محاولته‭ ‬نيل‭ ‬الرضا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المناطق‭. ‬الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬الرئيس‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬نيته‭ ‬تجديد‭ ‬الدورة‭ ‬الرئاسية؛‭ ‬فجدارته‭ ‬تتوقف‭ ‬على‭ ‬جهوده‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التنمية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬ليبيا‭ .‬

جدل‭ ‬العاصمة

المسألة‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬جدول‭ ‬مناقشات‭ ‬الهيئة‭ ‬كانت‭ ‬تسمية‭ )‬العاصمة‭(‬،‭ ‬هل‭ ‬‮«‬طرابلس‮»‬‭ ‬هي‭ ‬العاصمة‭ ‬الوحيدة‭ ‬أم‭ ‬لا‭ ‬؟،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬جديدة‭ ‬فقد‭ ‬أثيرتْ‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬التأسيسية‭ ‬سنة‭ ‬1951‭ ‬وكان‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬المادة‭)‬188‭(‬من‭ ‬دستور‭ ‬1951‭ ‬أن‭ ‬للمملكة‭ ‬الليبية‭ ‬عاصمتين‭ )‬طرابلس،‭ ‬بنغازي‭(‬،‭ ‬وكان‭ ‬الحل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬طرابلس‮»‬‭ ‬هي‭ ‬العاصمة‭ ‬السياسية،‭ ‬و«بنغازي‮»‬‭ ‬العاصمة‭ ‬التشريعية،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬ومقر‭ ‬السفارات‭ ‬ويكون‭ ‬في‭ ‬بنغازي‭ ‬مقر‭ ‬مجلس‭ ‬النَّواب،‭ ‬ومجلس‭ ‬الشيوخ؛‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬سبها‮»‬‭ ‬مقرًا‭ ‬للمحكمة‭ ‬الدستورية،‭ ‬وبذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الحل‭ ‬الذي‭ ‬انتهتْ‭ ‬إليه‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية‭ ‬بأغلبية‭ ‬معزَّزة‭ .‬

من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شكل‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ )‬فيدرالية،‭ ‬أم‭ ‬بسيطة‭( ‬وهذا‭ ‬كان‭ ‬سؤالًا‭ ‬مركزيًا‭ ‬ورئيسًا،‭ ‬وكان‭ ‬اتجاه‭ ‬الفيدراليون‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬فيدرالي،‭ ‬واتجاه‭ ‬آخر‭ ‬لدولة‭ ‬بسيطة،‭ ‬فكانت‭ ‬الموازنة‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬بسيطة‭  ‬ذات‭ ‬حكم‭ ‬محلي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬اللا‭ ‬مركزية‭ ‬الموسعة،‭ ‬أي‭ ‬وكأنك‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬فيدرالية‭ ‬الولايات‭ ‬الثلاث‭ ‬إلى‭ ‬فيدرالية‭ ‬البلديات،‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬للبلدية‭ ‬ذمةٌ‭ ‬مالية‭ ‬ولا‭ ‬مركزية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬التدويل‭ ‬الحر‭ ‬أي‭ ‬اشتراطات‭ ‬اللامركزية‭  ‬الحديثة‭ ‬تم‭ ‬تضمينها‭ ‬في‭ ‬البند‭ ‬المتعلق‭ ‬بشكل‭ ‬الحكم‭ .‬

أثيرتْ‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬‮«‬العَلَمُ‮»‬،‭ ‬ونعرف‭ ‬جميعًا‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬العَلَمَ‮»‬‭ ‬الموجودُ‭ ‬هو‭ ‬علم‭ ‬الاستقلال‭ ‬1951،‭ ‬ونتيجة‭ ‬للتجاذبات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬اعترضتْ‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف،‭ ‬فكيف‭ ‬تم‭ ‬الحل‭ ‬التوافقي؟‭.‬

بعد‭ ‬جدلٍ،‭ ‬ومشاوراتٍ‭ ‬داخل‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية‭ ‬توافقتْ‭ ‬الآراء‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬العلم‭ ‬الحالي،‭ ‬لكن‭ ‬بالإمكان‭ ‬تبني‭ ‬‮«‬علم‮»‬‭ ‬آخر‭ ‬بأغلبية‭ ‬ثلثي‭ ‬مجلس‭ ‬النَّواب‭ .‬

كذلك‭ ‬تناولنا‭ ‬نص‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وتوصلنا‭ ‬إلى‭ ‬صيغة‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬مصدرية‭ ‬التشريع‭ ‬للشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬مع‭ ‬حفظ‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات،‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬نستخدم‭ ‬الاجتهادات‭ ‬الفقهية‭ ‬لاستبعاد‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات،‭ ‬ولا‭ ‬نسمح‭ ‬للحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬أن‭ ‬تنتهك‭ ‬الركائز،‭ ‬والثوابت‭ ‬للشريعة‭ ‬الإسلامية‭ .‬

ماذا‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬؟

بالتأكيدِ‭  ‬لها‭ ‬تمثيلٌ‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬والنَّص‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭  ‬ترشحها‭ ‬للانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬والبرلمانية‭ .‬

أيًضا‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بحرية‭ ‬الإعلام،‭ ‬والصحافة‭ ‬؟

كان‭ ‬لنا‭ ‬عدة‭ ‬مداخل،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬يوجد‭ ‬نصٌ‭ ‬يقول‭ : ‬إنَّ‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬أعلى‭ ‬مرتبة‭ ‬من‭ ‬القانون،‭ ‬وأدنى‭ ‬مرتبة‭ ‬من‭ ‬الدستور،‭ ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬اتخاذ‭ ‬كافة‭ ‬التدابير‭ ‬اللازمة‭ ‬لإنفاذها،‭ ‬معنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الليبية‭ ‬كل‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬صادقتْ‭ ‬عليها‭  ‬وفق‭ ‬الإعلان‭ ‬الدستوري‭ ‬ملزمة‭ ‬بإنفاذها‭ ‬وإدخالها‭ ‬في‭ ‬التشريع‭ , ‬كذلك‭ ‬نص‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬المعلومات،‭ ‬والقيود‭ ‬عليها‭ ‬تتعلق‭ ‬بالحياة‭ ‬الخاصة،‭ ‬أو‭ ‬إدارة‭ ‬العدالة،‭  ‬والأمن‭ ‬القومي،‭ ‬أيضًا‭ ‬نص‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬والإعلام‭ ‬والتعدَّدية،‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬ملكيتها‭ ‬وعدم‭ ‬إيقافها‭ ‬إلا‭ ‬بأمر‭ ‬قضائي،‭ ‬وبالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬الدساتير‭ ‬الأخرى‭ ‬نجد‭ ‬أغلب‭ ‬الضمانات‭ ‬المقرة‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬الإعلام،‭ ‬والمعلومات،‭ ‬والصحافة‭ ‬تم‭ ‬تضمينها‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭.‬

ما‭ ‬بعد‭  ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬المسودة‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تكتمل‭ ‬مسيرة‭ ‬الاستحقاق؟‭.‬

أولاً‭ ‬كل‭ ‬متطلبات‭ ‬الاستفتاء‭ ‬قائمة،‭ ‬أي‭ ‬تم‭ ‬إقرار‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬بأغلبية‭ ‬موصوفة‭ ‬داخل‭ ‬الهيئة‭ ‬التأسيسية،‭ ‬كذلك‭ ‬تم‭ ‬إصدار‭ ‬قانون‭ ‬الاستفتاء‭ ‬وأقره‭ ‬مجلس‭ ‬الدولة‭ ‬أيضًا،‭ ‬أي‭ ‬كل‭ ‬العناصر‭ ‬المطلوبة‭ ‬للاستفتاء‭ ‬متوفرة،‭ ‬والاستفتاء‭ ‬حق‭ ‬لكل‭ ‬مواطن‭ ‬الذي‭ ‬عرقل‭ ‬عملية‭ ‬الاستفتاء‭ ‬أن‭ ‬المفوضية‭ ‬لم‭ ‬تنفذ‭ ‬قانون‭ ‬الاستفتاء‭ ‬باعتبارها‭ ‬هيئة‭ ‬تنفيذية‭ ‬وليست‭ ‬تشريعية،‭ ‬وما‭ ‬عرقل‭ ‬الاستحقاق‭ ‬أيضًا‭ ‬هو‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬بديل‭ ‬وادخل‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬متاهة‭ ‬التوافقات‭ ‬السياسية،ولا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬قوة‭ ‬واقعية‭ ‬قائمة‭ ‬وهذه‭ ‬القوة‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬مؤسسات‭. ‬فلو‭ ‬أقر‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬فذلك‭ ‬يعد‭ ‬صك‭ ‬وفاة‭ ‬لكل‭ ‬الأجسام‭ ‬القائمة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬أطراف‭ ‬فاعلة‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬مصلحتها‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬فمثلا‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬يحظر‭ ‬على‭ ‬مزدوجي‭ ‬الجنسية‭ ‬تولي‭ ‬المناصب‭ ‬السيادية،‭ ‬ونعرف‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مزدوجي‭ ‬الجنسية‭ ‬متنفذون‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الليبية،‭ ‬ونعرف‭ ‬أيضًا‭ ‬أنّ‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬يمنع‭ ‬ترشح‭ ‬العسكريين،‭ ‬وهذا‭ ‬أمرٌ‭ ‬منطقي‭ ‬فالعسكري‭ ‬عليه‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬صفته‭ ‬العسكرية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬رغب‭ ‬خوض‭ ‬العملية‭ ‬الانتخابية،‭ ‬لأن‭ ‬نظام‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬التي‭ ‬تبناها‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬ترشح‭ ‬العسكريين‭.‬

نتحدث‭ ‬عن‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬مسودة‭ ‬مشروع‭ ‬الدستور،‭ ‬هل‭ ‬لازالت‭ ‬هذه‭ ‬المسودة‭ ‬صالحة‭ ‬للاستفتاء‭ ‬؟‭!.‬

في‭ ‬رأيي‭ ‬الشخصي‭ ‬لو‭ ‬عُرِضَ‭ ‬الدستورُ‭ ‬على‭ ‬الاستفتاء‭ ‬سيمر‭ ‬بسهولة‭ ‬وبنسبة‭ ‬قبول‭ ‬عالية‭ ‬بسبب‭ ‬أنه‭ ‬مشروع‭ ‬متوازن،‭ ‬وقائم‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬المجتمع‭ ‬الليبي،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬المتغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬نصًا‭ ‬قانونيًا‭ ‬يتغير‭ ‬بتغير‭ ‬الأحداث‭ ‬لكنه‭ ‬نصٌ‭ ‬دستوري‭ ‬أُعِدَتْ‭ ‬صياغته‭ ‬ليعيش‭ ‬اطول‭ ‬فترة‭ ‬ممكنة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى