رأي

البراقيش‭ ‬

■ محمد الجويفي

كثيراً‭ ‬ما‭ ‬رددها‭ ‬العرب‭ ‬قديمًا،‭ ‬وتناقلتها‭ ‬الأجيال‭  ‬والأخبار‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬من‭ ‬هي‭ ‬‮«‬براقش»؟‭!‬،‭ ‬وكيف‭ ‬جنت‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬المثل‭ ‬الشهير‭ )‬جنتْ‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬براقش‭(.‬

‭ )‬براقش‭( ‬هو‭ ‬اسم‭ ‬كلبة‭ ‬كانت‭ ‬لبيت‭ ‬من‭ ‬العرب،‭ ‬وكانت‭ ‬تحرس‭ ‬المنازل‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬اللصوص‭ ‬وقطاع‭ ‬الطرق،‭ ‬فإذا‭ ‬حضر‭ ‬أناسٌ‭ ‬غرباء‭ ‬إلى‭ ‬القرية‭ ‬فإنها‭ ‬تنبح‭ ‬عليهم،‭ ‬وتقوم‭ ‬بمهاجمتهم‭ ‬حتى‭ ‬يفروا‭ ‬من‭ ‬القرية،‭ ‬وكان‭ ‬صاحب‭ )‬براقش‭( ‬قد‭ ‬علَّمها‭ ‬أن‭ ‬تسمع‭ ‬وتطيع‭ ‬أمره،‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬بأن‭ ‬تسمح‭ ‬لضيوفه‭ ‬بالمرور‭ ‬سمعتْ‭ ‬وأطاعتْ،‭ ‬وإن‭ ‬أمرها‭ ‬بمطاردة‭ ‬اللصوص‭ ‬انطلقتْ‭ ‬لفعل‭ ‬ما‭ ‬تؤمر‭.‬

ومرتْ‭ ‬الأيامٌ‭ ‬وحدث‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يحمد‭ ‬عقباه،‭ ‬إذ‭ ‬حضر‭ ‬إلى‭ ‬القرية‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأعداء،‭ ‬فبدأتْ‭ )‬براقش‭( ‬بالنباح‭ ‬لتنذر‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬الذين‭ ‬سارعوا‭ ‬بالخروج‭ ‬من‭ ‬القرية‭ ‬والاختباء‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المغارات‭ ‬القريبة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬تعداد‭ ‬العدو‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تعداد‭ ‬أهل‭ ‬القرية،‭ ‬وفعلا‭ ‬خرج‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬واختبئوا‭ ‬في‭ ‬المغارة،‭ ‬بحث‭ ‬الأعداء‭ ‬عنهم‭ ‬كثيرًا‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭ ‬ولم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬العثور‭ ‬عليهم‭ ‬فقرَّر‭ ‬الأعداء‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬القرية‭ ‬وفعلًا‭ ‬بدؤوا‭ ‬بالخروج،‭ ‬فرح‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬واطمأنوا‭ ‬بأن‭ ‬العدو‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬منهم،‭ ‬ولأن‭ )‬براقش‭( ‬اعتادت‭ ‬توديع‭ ‬الغرباء،‭ ‬بدأت‭ ‬بالنباح‭ ‬عندما‭ ‬رأتْ‭ )‬براقش‭( ‬أن‭ ‬الأعداء‭ ‬هموا‭ ‬بالخروج،‭ ‬حاول‭ ‬صاحبها‭ ‬أن‭ ‬يسكتها‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬عند‭ ‬ذلك‭ ‬عرف‭ ‬الأعداء‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬فيه‭ ‬مختبئين،‭ ‬فقتلوهم‭ ‬جميعًا‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ )‬براقش‭(. ‬

لذا‭ ‬اعتاد‭ ‬أهل‭ ‬المغرب‭ ‬ترديد‭ ‬المثل‭ )‬جنت‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬براقش‭(‬،‭ ‬كلما‭ ‬مروا‭ ‬على‭ ‬قرية‭ ‬ووجدوها‭ ‬خاوية،‭ ‬وهذا‭ ‬تحديداً‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬حال‭ ‬الفن‭ ‬الليبي‭ ‬الغني‭ ‬والعريق‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬الضعف‭ ‬والهوان‭ ‬والتعدي‭ ‬عليه‭ ‬وسرقته‭ ‬واستباحته‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬بسبب‭ ‬هؤلاء‭ ‬‮«‬البراقيش‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬يدعون،‭ ‬أو‭ ‬يسمون‭ ‬أنفسهم‭ ‬فنانين‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬صلة‭ ‬لهم‭ ‬به‭.‬

أصواتهم‭ ‬نشاز،‭ ‬وهي‭ ‬أقرب‭ ‬للنباح‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬أصوات‭ ‬بشر،‭ ‬يسرحون‭ ‬ويمرحون‭ ‬دون‭ ‬قيد‭ ‬أو‭ ‬شرط‭ ‬أو‭ ‬ضوابط‭ ‬تظهر‭ ‬لنا‭ ‬الغث‭ ‬من‭ ‬السمين‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬سرقة‭ ‬الألحان‭ ‬وتوظيفها‭ ‬بالكلام‭ ‬المبتذل‭ ‬والهزيل‭ ‬لأشباه‭ ‬الكتَّاب‭ ‬وم‭ ‬ايزيد‭ ‬الأمر‭ ‬سوءًا‭ ‬الانحطاط‭ ‬الأخلاقي‭ ‬الذي‭ ‬تحث‭ ‬عليه‭ ‬هذه‭ ‬الأغاني‭ ‬والأدهى‭ ‬والأنكى‭ ‬والأمر‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ )‬البراقيش‭( ‬أصبحوا‭ ‬يمثلون‭ ‬الفن‭ ‬الليبي‭ ‬وينقلونه‭ ‬خارج‭ ‬ليبيا‭ ‬وأنزلوه‭ ‬منزلةً‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬بالفن‭ ‬الليبي‭ ‬أضف‭ ‬لذلك‭ ‬أن‭ ‬الفن‭ ‬الليبي‭ ‬بدأ‭ ‬يؤخذ‭ ‬وتنسب‭ ‬لغيره‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬جهاراً‭ ‬نهاراً‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬يحرك‭ ‬ساكن‭ ‬وإن‭ ‬والله‭ ‬لازلت‭ ‬الدهشة‭ ‬والذهول‭ ‬تنتابني‭ ‬من‭ ‬التفرج‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬والكل‭ ‬يدعي‭ ‬خوفه‭ ‬على‭ ‬الفن‭ ‬الليبي‭ ‬والأغلبية‭ ‬من‭ ‬يستاهمون‭ ‬فيما‭ ‬يحصل‭ ‬له‭ .‬

لذلك‭ ‬من‭  ‬المهم‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬السرعة‭ ‬إنشاء‭ ‬نقابة‭ ‬الفنانين‭ ‬والشعراء‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬لإنقاذ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إنقاذنه‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأول‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى