اعتاد عموم النَّاس في ليبيا قُبيل حلول شهر رمضان المبارك بأخذ خطوات استباقية تسهل عليهم المهام المنوطة بهم في إعداد ما يلزم من احتياجات -المنزل، والمطبخ- حيث تُسهم التحضيرات المسبقة في مساعدة المرأة وتمنحها وقتًا كافيًا لأداء العبادات بكل يسر وتسهل عليها تحضير مائدة إفطار متنوعة شهية وسريعة وصحية.
ابتهجتْ الأسرُ الليبيةُ بعد أنّ أعلن رئيس الحكومة المهندس عبد الحميد الدبيبة مطلع شهر مارس الجاري صرف مرتبات الموظفين عن شهري )يناير، و فبراير( معاً، قبل حلول شهر الخير والبركة، بالإضافة إلى توفر السيولة في المصارف التجارية والانخفاض النَّوعي للأسعار بعد انخفاض سعر الدولار، مما نتج عنه انتعاش لحركة السوق، وتسارع وتيرة الأسر لتوفير التجهيزات المنزلية التي تسهل المهام اليومية للمرأة خلال الصيام، ومع حرص ربة البيت على القيام بفريضة الصيام، والقيام والصدقات.
تميزتْ المرأة بالبحث قبل شهر الصيام بتوفير السلع الأساسية لمطبخها من أجل إعداد سفرة شهية تضم أصنافًا من الطعام وتلبي رغبات أفراد عائلتها، إلى جانب أصناف الشوربات والمقبلات والعصائر، التي ينصح أختصاصيو التغذية بتناولها على مائدة الإفطار بعد ساعات صوم طويلة.
كما تكثر التجمعات العائلية، والعزائم في هذا الشهر الفضيل كما إن هناك تجهيزات «مسبقة» تسهل على المرأة الموظفة إنجاز التزاماتها الأسرية فتبهر أسرتها وضيوفها ببارعة واحترافية تحضيرها لمائدة الإفطار معتمدة على التصميم العصري في فن تقديم كل ما ألذ وطاب للصائمين دون أن يعقيها غلاء الأسعار أو تقلل من الطاعات مع انشغالها بعملها نهار فترة الصيام.
بل وتسعى بعض الأسر المنتجة التي تتبنى أحد أنواع المشروعات الصغرى في زيادة دخلها مع إطلالة شهر الصيام من خلال التجهيز المسبق لـ)للتوابل والعصائر والفطائر(، وأساسيات الأكل التقليدي كـ)البسيسة، والزميطة، والسحلب، وقهوة اللوز (، وتجفيف الأوراق العطرية كـ)النعناع، والزعتر، والإكليل(، وتحضير معجون التمر وعسل التمر، وخل نوة التمر وتوفير التمور بأنواعها المتعددة وغيرها مما يفضله كبار السن في وجبة الإفطار، أو السحور.
كما يتميز الاستعداد لشهر الصيام بظهور متطوعين في حملات إطعام الصائمين الأجانب، والأسر المعوزة كتنظيم حملة «قفة رمضان» لسد بعض حاجيات الأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود من أسر الأيتام و الأرامل .
بالإضافة إلى زيادة نشاط الأعمال الخيرية من منظمات ومؤسسات المجتمع المدني لمساعدة الأسر المحتاجة في كل المدن ليبيا والبحث عن الأسر النازحة والمتضررة من الحروب السابقة والفيضانات الجارفة، وكذلك مساعدة الأسر المعوزة خارج ليبيا كمساعدة أهالي غزة.
فمن خلال تسابق المحسنين لكسب الحسنات تكثر الإعلانات أيضًا عبر صفحات التواصل الاجتماعي بدعوة الذين يرغبون في المشاركة في عمل الخير و مساعدة المحتاجين خاصة خلال الشهر الفضيل، إما مساعدات مالية لشراء ما يلزم الأسر من مواد ضرورية قبل بدء الشهر الكريم، أو تخفيف العبء المالي عن الأسر التي تعاني من حالات مرضى الأورام واحتياجات المرضى من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة .. كما يسهم بعض التجار أيضاً بالمعونات المالية والسلع الغذائية وتوزيع لحوم الدواجن والبيض على الأسر المسجلة في الجمعيات الخيرية وتزويدها بالسلع الغذائية لإفطار الصائمين، أو بالتبرع المباشر في الأسواق والمحال التجارية .
وتهدف مبادرة التبرعات الخيرية خلال شهر رمضان للوقوف بجانب المستضعفين لتحسين وضعهم المالي من خلال توفير ما يحتاجونه ليكونوا مستعدين لقيام بفريضة الصيام.
وتعد بهجة إطلالة شهر رمضان المبارك ذات الطابع الديني هي المسيطرة حتى نهاية الشهر؛ فتكثر وتتنوع في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة التوعية والإرشاد الديني في الفقه والفتوحات الإسلامية بهدف تحصين سلوك الشباب ليكونوا مخلصين لدينهم ووالديهم ووطنهم وإصلاح أحوال الأسر وعلاج مشاكلها ولم الشمل وتبيان الدور المنوط بالزوجة والأم لتهيئ بيتها وأولادها لاستقبال شهر رمضان في أبهى صوره والتشديد على عدم الإسراف وحب الخير والتسامح والتعاون.
كما تهدف البرامج الدينية إلى أبرز بعض الأخطاء التي يلزم تجنبها في خطاب الكراهية في هذه الأيام المباركة والتي تضيّع الفرصة العظيمة لحل كل الأمور التي تسبب فقد السكينة وراحة البال والأمن والأمان.
وفي السياق ذاته قال د. جمعة بن صالح أستاذ جامعي :
إنّ الاستعداد الأسري المبكر لشهر رمضان لا ينبغي أن يقتصر على عادات الابتهاج الشعبية، وعلى الاستعداد الاقتصادي رغم أهمية ذلك وأن الاستعداد الروحي لهذا الشهر المبارك الإكثار من صيام التطوع في شهر شعبان، فقد كان النبي صل الله عليه وسلم يكثر من الصيام في شعبان حتى اختلفت الروايات هل كان يصومه أيامه أم صيام ليلة النصف من شعبان.
ويعد صوم أيامٍ قبل شهر رمضان بمثابة تعويد الجسم على الصيام وتمهيدًا لصيام متتابع طيلة شهر كامل، وما تتم من استعدادات منزلية قبيل هذا الشهر الفضيل تضفي روحانية وسكينة على البيت الليبي .
وأكد بن صالح أن القنوات الفضائية، وصفحات التواصل الاجتماعي عبر «الإنترنت» منها المتخصصة بالطبخ أو تصميم المنازل أسهمت في تعليم المرأة الليبية كل ما يدخل الفرحة على قلوب أفراد أسرتها وضيوفها والمرأة الليبية سريعة الفهم لكل ما هو جديد في مجال فن الطهي والديكور والاقتصاد المنزلي مما نتج عنها أفكار إبداعية في مجال تحضير البيت وتجهيزه لاستقبال شهر رمضان من أجل تكوين بيئة جميلة تعكس ذوق أفراد العائلة وتحفز الأطفال للاستعداد النفسي لصيام وتعتبر التجهيزات المسبقة تهيئة الفرصة لتنمية مهارات المرأة الفنية في شراء الأواني والآلات الحديثة لطهي الطعام بسرعة وإتقان بمشاركة وتعاون أفراد العائلة .
أما السيدة حنين من الأسر المنتجة ببلدية جنزور فقالت:
قبل شهر رمضان شاركتُ في عدة «بازارات» لبيع فوانيس رمضان وصناعة خيمة منزلية لتحضير ركن الصلاة ولقراءة القرآن الكريم وخيمة النجع لعالة الشاهي، كما إني اشتغل حسب الطلبية كتجهيز القهوة البيضاء، والسحلب، والبسيسة وأيضا اعمل على تجهيز كميات من الأكل الحار النواشف، وبأسعار معقولة للأسر ونتواصل مع الزبائن من خلال صفحتي على«الفيس بوك» وبهذا اسهم في تجهيز ما يلزم أسرتي، وكذلك زيادة دخلي من خلال بيع منتجات شغلي اليدوي .
السيدة سارة صالح أحمد مشروع )توابل حوش( في مدينة طرابلس قالت :
نجحتُ في مشروعي لتجهيز الأكل التقليدي الذي تحتاجه الأسر الليبية في شهر رمضان كـ)البسيسة والزميطة والسحلب( بالإضافة للتوابل والحرارات كـ)الفلفل والبزار والقرفة والكمامين( بأنواعها وما يلزم من منكهات للأكل الليبي.
وأشارت إلى نشأة فكرة مشروعها الذي جاء من خلال نجاحي في تحضير كل ما يلزم من تجهيزات للمطبخ الليبي، وبناءً على ما تعلمته من خبرة أمي «رحمها الله تعالى» في صنع بهارات الأكل الصحي ومن خلال إعجاب أفراد أسرتي وضيوفي بما احضَّره لهم من طعام له مذاق مميز، بعد أن اشتكتْ عدة نساء من رداءة ما يبُاع من توابل مستوردة وتسبب ضررًا للصحة.
وتتميز منتوجاتي بالنظافة والدقة في تحضيرها من خلال خطوات أهمها شراء المادة الأساسية ثم غسلها وتجفيفها وتنقيتها من الشوائب ثم تحميسها وإضافة ما يلزم فيها ونقلها إلى الطاحونة لرحيها ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التعبئة.
أما تسويق منتوجاتي فمن خلال صفحتي على )الفيس بوك( مع خدمة التوصيل ونظرًا للاستعداد لتجهيز ما يلزم للمطبخ الليبي قبل قدوم شهر رمضان تنفذ الكمية المحضرة مسبقاً مما يدفعني لبذل المزيد من الجهد وتعاون أفراد أسرتي في مشروعي وقد تمت دعوتي من خلال صفحتي للمشاركة في مهرجانات وبازارات خاصة بالنساء متنوعة وتخص كل ما يلزم الأسر في شهر رمضان زيادة المبيعات.
أما عن الأسعار فتعتمد على سعر الدولار كلما زاد تزداد البضائع في السوق ولذلك أسعار التوابل تختلف حسب سعر التكلفة للمواد الأساسية، وهي تزداد مع قرب شهر رمضان.
يضاف إليها سعر تعب تحضيرها وهو ثابت ولتفادي زيادة الأسعار سارعتُ لشراء المواد الخام منذ شهر رجب وبهذا فإن أسعار التوابل متميزة بجانب دقة الشغل لهذا زادت شهرة مشروعي لعدة مناطق وزادت الطلبيات من الشرق والجنوب.
وأضافتْ أتمنى من وزارة الاقتصاد والزراعة تشجيع الأسر المنتجة بتوفير المواد الخام بأسعار مناسبة وتشجيع المنتجات الليبية للتقلل من الاستيراد قبل شهر رمضان وتعتمد على الإنتاج المحلي بل ونطمح أن تصبح ليبيا بلد ًايصدر ما يحتاجه الصائمون لتجهيز الأكل الصحي الليبي الذي يقلل الشعور بالجوع، والعطش ويساعد على الاستمرار في العمل رغم الصيام.
وفي السياق نفسه قالت صاحبة مشروع:
تستعد عائلتي لاستقبال شهر رمضان من خلال زيادة فهمنا في أمور الصيام والبحث عن إيجابه لأسئلة تخص «المرأة والصيام» من خلال حضور محاضرات عن فقه الصلاة والصيام وهذا يرفع من معنوياتنا.
وأوضحت إلى كونها متخصصة في مجال التغذية بادرت بإعطاء محاضرات توعوية عبر صفحتها « جودة الحياة » من أجل تغذية صحية في شهر رمضان، والهدف من ذلك تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة وشدَّدنا على الغذاء الصحي الذي يدخل فيه ما ننتجه من مشروعي الصغير وهو صناعة خل التمر.
وقالت نهتم أيضًا بتنظيف شامل لمنزلنا وإعادة تنسيق الأثاث والاهتمام بما يحتاجه المطبخ من أشياء ضرورية لتجهيز طعام الصائمين.
وأشارت إلى مراحل تحضير «خل التمر» الطبيعي الذي يبدأ بتوفير مبلغ لشراء التمر الصعيدي بكميات كبيرة وتأجير سيارة لنقله للمنزل ثم مرحلة الغسل والتنظيف بماء نظيف صحي ويترك فيه مع ضرورة قفله بإحكام، وبعد شهر، أو أكثر نفتح عليه ونضيف )أم الخل( المحضرة مسبقًا ثم يترك 40 يومًا لثلاثة أشهر، أو أربعة حسب الطقس، وعوامل أخرى، وعندما نتأكد من تحوله لخل حسب تقرير معمل التحليل يتم تعبئته وتسويقه.
وهذا صحي ومفيد خلال الصيام ويقوي الجسم ويقضي على فيروس البرد وغيرها.
وقد زادت مبيعاتنا من خلال تواصلنا مع الزبائن عبر الفيس بوك ورغم التعب وطول فترة الإنجاز إلا أن سعادتنا لا توصف فيما نقدمه للصائمين من منتج صحي ليبي الصُنع .
الحاجه فتحية النعاس ربة منزل قالت:
إن بناتنا تعلمن التدبير المنزلي وهن يستقبلن شهر رمضان بتجهيز الخضراوات للتجميد، مثل) الكوسا والجزر والبروكلي والذرة والبازلاء والفاصوليا والفول الأخضر(، وغيرها.
وتحضير اللحوم قبل غلائها وتجهيز بعض أصناف البقوليات وتجميدها، مثل )الحمص والفول( بعد تنقيتها وسلقها، وتجميدها لاستخدامه في تجهيز صفرة رمضان.
وتحضير العصائر الطبيعة وتخزينها في المجمد.
وقالت أصبحت البنات يركزن أيضًا على شراء، أو صنع بعض الزينة التي تضفي جوًا من البهجة بمقدم شهر رمضان الفضيل وترسم ذكريات جميلة ترسخ في أذهان أفراد العائلة وتدخل الفرح على قلوب الصغار والكبار والزوار وضيوف سهريات ليالي رمضان. وأشارت إلى تتبع البنات الوصفات الاقتصادية بسبب غلاء الأسعار اللحوم والفواكه والخضار مع تشديد رب العائلة بعدم الإسراف في صنع الطعام.
والتذكير دائمًا بالتصدق من بقايا الأكل على جيران وعابر السبيل والفقير.
وعللت «النعاس» سبب تزاحم النساء على شراء الأواني لأن القديمة استهلكتْ، وغير صحية؛ فأواني الطهي الحديثة لا يلصق فيها الطعام والآلات تساعد على تقليل الوقف في المطبخ كما تطور فهم النساء في أن أساس قبول الطعام في فن تقديمه لهذا يركزن على الأواني الجديدة التي تفتح الشهية في الأكل .
الحاج عبد الله سليمان بالأشهر :
أشار إلى البرامج التثفيف في وسائل الإعلام ومنابر خطب الجمعة بعدم الغضب والبعد عن التوتر والخصام وافتعال المشكلات لأسباب بسيطة. وشدد على اتباع وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام في الصيام، وتفقد الأيتام والأرامل وصلة الرحم، وعدم التبذير والتفكير بضرورة الاقتصاد في المعيشة والالتزام بالصلاة في وقتها مع العمل وعدم التكاسل، والكسب الحلال وعدم استغلال النَّاس في هذا الشهر الكريم.