رصد

رمضان والزمن الجميل

حوار/ ليلى الغول

في‭ ‬حوارنا‭ ‬الجميل‭ ‬مع‭ ‬الحاجة‭ ‬عائشة‭ ‬كشالة‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬الليبي‭ ‬وهى‭ ‬تحمل‭ ‬مزيجًا‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬الليبية‭ ‬بالجنوب‭ ‬قديمًا‭ ‬وحديثا‭ ‬حاولنا‭ ‬أن‭ ‬نستدرج‭ ‬الذاكرة‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والعودة‭ ‬بالزمن‭ ‬إلى‭ ‬عبق‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجهيزات‭ ‬والتحضيرات‭ ‬لشهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭.‬

فحدثتنا‭ ‬بكل‭ ‬حب‭ ‬عن‭ ‬عادات‭ ‬الخير‭ ‬والبركة‭ ‬بداية‭ ‬بالتجهيزات‭ ‬ومرورًا‭ ‬بالأيام‭ ‬والتواريخ‭ ‬التي‭ ‬يقومون‭ ‬فيها‭ ‬بالاحتفال‭ ‬والتجمعات‭ ‬وممارسة‭ ‬بعض‭ ‬العادات‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬رافقت‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬وما‭ ‬بقي‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

قالتْ‭ ‬الحاجة‭ ‬عائشة‭:‬‭ ‬قبل‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬بيومين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬يحتفلون‭ ‬بيوم‭ )‬القرش‭( ‬وهو‭ ‬يوم‭ ‬تبدأ‭ ‬طقوسه‭ ‬بتحضير‭ ‬وجبة‭ ‬العشاء‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬على‭ ‬حده‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ )‬فتات‭ ‬وهريسة‭( ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يذهب‭ ‬كل‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬إلى‭ ‬منزل‭ ‬الجد‭ ‬وهو‭ ‬كبير‭ ‬العائلة‭ ‬يحملون‭ ‬معهم‭ ‬العشاء‭ ‬قصعة‭ )‬الفتات‭( ‬ويسهرون‭ ‬ويتسامرون‭ ‬ابتهاجًا‭ ‬بحلول‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم،‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬مازالت‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬عند‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بإحيائها‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬الاستعدادات،‭ ‬والتحضيرات‭ ‬فذكرتْ‭ ‬أن‭ ‬أهمها‭ ‬كان‭ ‬السويقة‭ )‬الزميطة‭(‬،‭ ‬والتمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬عراجينه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬وقت‭ ‬جني‭ ‬التمور،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يطمر‭ ‬في‭ ‬خابية‭ ‬الى‭ ‬حين‭ ‬استخدامه،‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬الهريسة‭ ‬وشراء‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬من‭ ‬القمح‭ ‬والشعير‭ ‬قبل‭ ‬مدة‭ ‬أي‭ ‬أثناء‭ ‬فترة‭ ‬الحصاد‭ ‬وقالت‭ ‬ان‭ ‬عملية‭ ‬الحفظ‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬تكون‭ ‬داخل‭ ‬خابيات‭ ‬من‭ ‬الطين‭ )‬الجرة‭(‬،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬الاواني‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬كانت‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الطين‭.‬

وعند‭ ‬سؤالها‭ ‬عن‭ ‬الذبيحة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الشهر‭ ‬صرحت‭ ‬أن‭ ‬الحالة‭ ‬المادية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متاحة‭ ‬جدا‭ ‬الذبح‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬اللحوم‭ ‬مثلما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالى‭ ‬متوفرة‭ ‬بجميع‭ ‬الاشكال‭ ‬والالوان‭ ‬فهم‭ ‬كانوا‭ ‬يصنعون‭ ‬اللحم‭ ‬المجفف‭)‬القديد‭(‬ويوضع‭ ‬في‭ ‬خابيات‭ ‬من‭ ‬الطين‭ ‬تحفظه‭ ‬من‭ ‬حرارة‭ ‬الجو،‭ ‬أما‭ ‬وجبات‭ ‬الافطار‭ ‬فكانت‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬التمر‭ ‬والسويقة‭ ‬والحليب‭ ‬الطازج‭ ‬من‭ ‬الأبقار‭ ‬أو‭ ‬الماعز‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الان‭ ‬فكل‭ ‬شئ‭ ‬متوفر‭ ‬بكل‭ ‬أنواعه‭ ‬حتى‭ ‬المأكولات‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الهرويشة‭ )‬الدشيشة‭(‬والهريسة‭ ‬والعصيدة‭ ‬والآن‭ ‬الشربة‭ ‬والمحاشي‭ ‬والمبطن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المأكولات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الاصناف‭ ‬الكثيرة‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬حتى‭ ‬أسماءها،‭ ‬وأثنت‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬العطاء‭ ‬والمشاركة‭ ‬بين‭ ‬الجيران‭ ‬والاحباب‭ ‬عند‭ ‬تحضير‭ ‬هذه‭ ‬الوجبات‭ ‬ومن‭ ‬العادات‭ ‬التى‭ ‬أكدت‭ ‬عليها‭ ‬الحاجة‭ ‬عائشة‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬الحاضر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬إكرام‭ ‬الجار‭ ‬واجب‭ ‬مثل‭ ‬إكرام‭ ‬الضيف‭.‬

كما‭ ‬حدثتنا‭ ‬عن‭ ‬ليلة‭ ‬التزوليقة‭ ‬وهي‭ ‬تقام‭ ‬ليلة‭ ‬24‭ ‬رمضان‭ ‬ومن‭ ‬طقوسها‭ ‬أن‭ ‬تكحل‭ ‬عيون‭ ‬البنات‭ ‬بالكحل‭ ‬العربي‭ ‬ويلبسون‭ ‬الاولاد‭ ‬ثيابا‭ ‬كالعيد‭ ‬تماما‭ ‬ويصدحون‭ ‬بصوت‭ ‬عالي‭ ‬وهم‭ ‬يدخلون‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ )‬تزوليقة‭ ‬تزوليقة‭ -‬تزوليقة‭ ‬حمراء‭ ‬ليقا‭(‬وكانوا‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬بيضة‭ ‬نيئة‭ ‬فقط‭ ‬ولكن‭ ‬تطورت‭ ‬الاحوال‭ ‬الان‭ ‬فبعض‭ ‬العائلات‭ ‬تعطي‭ ‬الحلوة‭ ‬والكعك‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المأكولات‭ ‬التى‭ ‬يحبها‭ ‬الاطفال‭.‬

وعن‭ ‬ليلة‭ ‬القدر‭ ‬حكت‭ ‬لنا‭ ‬بشجون‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬ترويها‭ ‬كأنها‭ ‬الان‭ ‬تحدث،‭ ‬الحاجة‭ ‬عائشة‭ ‬ذكرت‭ ‬ان‭ ‬ليلة‭ ‬27‭ ‬رمضان‭ ‬هي‭ ‬ليلة‭ ‬مباركة‭ ‬يجتمع‭ ‬فيها‭ ‬الاهل‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬كبيرهم‭ ‬وتحدثت‭ ‬بحرقة‭ ‬عن‭ ‬التعاضد‭ ‬والمساندة‭ ‬والنسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬قديما‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬كل‭ ‬النفوس‭ ‬على‭ ‬الصفاء‭ ‬والنية‭ ‬الطيبة‭ ‬وأشادت‭ ‬بكونهم‭ ‬لكلمة‭ ‬كبيرهم‭ ‬أثر‭ ‬جميل‭ ‬في‭ ‬نفوسهم‭ ‬وهي‭ ‬كلمة‭ ‬مسموعة‭ ‬ولها‭ ‬ثقلها‭ ,‬وعادت‭ ‬بحديثها‭ ‬الى‭ ‬تفاصيل‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬واستطردت‭ ‬قائلة‭ ‬ان‭ ‬الجميع‭ ‬يذهبون‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬الى‭ ‬منزل‭ ‬كبيرهم‭ ‬ويحضرون‭ ‬وجبة‭ ‬العشاء‭( ‬الفتات‭ ‬بالهريسة‭) ‬ويتسامرون‭ ‬ويضحكون‭ ‬ويأكلون‭ ‬ويجتمع‭ ‬أبناء‭ ‬العمومة‭ ‬إحياء‭ ‬لليلة‭ ‬القدر‭ ‬وليلة‭ ‬ختم‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭.‬

وفي‭ ‬نهاية‭ ‬حديثنا‭ ‬معها‭ ‬لم‭ ‬تخفي‭ ‬حسرتها‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الايام‭ ‬الجميلة‭ ‬ومقارنتها‭ ‬بما‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬الاسرة‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الحالي‭ ‬من‭ ‬تشتت‭ ‬وبرود‭ ‬وتباعد‭ ‬في‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتطرقت‭ ‬الى‭ ‬موضوع‭ ‬المشاكل‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تحل‭ ‬قديما‭ ‬بطريقة‭ ‬ودية‭ ‬حيث‭ ‬يجتمع‭ ‬الزوج‭ ‬والزوجة‭ ‬عند‭ ‬كبير‭ ‬العائلة‭ ‬والمشهود‭ ‬له‭ ‬بقضائه‭ ‬العادل‭ ‬وتطرح‭ ‬المشكلة‭ ‬ويقضي‭ ‬بينهم‭ ‬بالتراضي‭ ‬ويعودان‭ ‬للمنزل‭ ‬معا‭ ‬بعد‭ ‬المسامحة‭ ,‬اما‭ ‬الان‭ ‬الطلاق‭ ‬شائع‭ ‬جدا‭ ‬ولأسباب‭ ‬تافهة‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬الوقوف‭ ‬عندها‭.‬

وآخر‭ ‬حديثها‭ ‬هنأتنا‭ ‬بقدوم‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬وتمنت‭ ‬لليبيا‭ ‬كل‭ ‬الرخاء‭ ‬والاستقرار‭..‬

عادات‭ ‬رمضانية‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬الليبي‭:‬

‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬تحتفل‭ ‬العائلات‭ ‬قبل‭ ‬رمضان‭ ‬بيوم‭ ‬او‭ ‬يومين‭ ‬اي‭ ‬اليومين‭ ‬الأخيرين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬شعبان‭ ‬ويسمى‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ (‬يوم‭ ‬القرش‭) ‬حيث‭ ‬تجتمع‭ ‬العائلة‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬أحد‭ ‬الأقارب‭ ‬ويكون‭ ‬أكبرهم‭ ‬سنة‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬الرفعة‭ ‬والعلو‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬والتعود‭ ‬على‭ ‬الصف‭ ‬الواحد‭ ‬والكلمة‭ ‬الواحدة‭ ‬ويحضر‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬إحدى‭ ‬أكلاتنا‭ ‬الشعبية‭ ‬الغرض‭ ‬منه‭ ‬استقبال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬وكأنه‭ ‬العيد‭ ‬مجتمعين‭ ‬على‭ ‬الحب‭ ‬والخير‭ .‬

من‭ ‬العادات‭ ‬الجميلة‭ ‬للتبو‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬والأفطار‭ ‬الرمضاني‭ ‬هي‭ ‬آكلة‭ ‬المديدة‭ ‬وهي‭ ‬خليط‭ ‬من‭ ‬القصب‭ (‬االسحلب‭)‬والحليب‭ ‬وتقدم‭ ‬مع‭ ‬التمر‭ .‬اما‭ ‬وجبة‭ ‬العشاء‭ ‬وتكون‭ ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬التراويح‭ ‬مازالت‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬الأكلات‭ ‬الشعبية‭ ‬القديمة‭ ‬مثل‭ ‬العصيدة‭ ‬بالملوخية‭/‬والعصيدة‭ ‬بالدرابة‭(‬البامية‭ ‬المجففة‭)‬والعصيدة‭ ‬بالحليب‭ .‬

أغلب‭ ‬العائلات‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬تستقبل‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬بيوم‭ ‬للحمي‭ ‬وهي‭ ‬تجهيز‭ ‬مسبق‭ ‬لخبرة‭ ‬التنور‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أشهى‭ ‬أنواع‭ ‬الخبز‭..‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى