رأي

تجربة قادربوه وتقنية الزوم

أمين مازن

استجبت‭ ‬مساء‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬اكتوبر‭ ‬الماضي‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المسرَّة‭ ‬واستشعار‭ ‬الأهمية‭ ‬لدعوة‭ ‬المثقفة‭ ‬الطموحة‭ ‬والأكاديمية‭ ‬المعطاءة‭ ‬فاطمة‭ ‬غندور‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬الحلقة‭ ‬التي‭ ‬اختارت‭ ‬لها‭ ‬تقنية‭ ‬الزوم‭ ‬مكرسة‭ ‬إياها‭ ‬لتجربة‭ ‬الأديب‭ ‬الشهير‭ ‬المرحوم‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬قادربوه‭ ‬الذي‭ ‬رحل‭ ‬من‭ ‬عالمنا‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬ليس‭ ‬بالطويل‭ ‬عددا‭ ‬ولكنه‭ ‬الغني‭ ‬عطاء‭ ‬بما‭ ‬تركه‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬المعرفي‭ ‬والذي‭ ‬اختص‭ ‬فيه‭ ‬بالأدب‭ ‬الشعبي‭ ‬طوال‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وبرز‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬امتاز‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬في‭ ‬تجلياته‭ ‬شعرا‭ ‬وحكاية‭ ‬وأغنية‭ ‬ومثلا‭ ‬وأسطورة‭ ‬ذات‭ ‬دلالة‭ ‬في‭ ‬مؤلفات‭ ‬فتحت‭ ‬الآفاق‭ ‬لمن‭ ‬جاء‭ ‬بعده،‭ ‬تماما‭ ‬مثلما‭ ‬أحسن‭ ‬الإنصات‭ ‬لمن‭ ‬سبقه‭ ‬والارتواء‭ ‬من‭ ‬معينهم‭ ‬وغزير‭ ‬علمهم‭ ‬وسديد‭ ‬توجهاتهم،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬نتيجته‭ ‬إنجاز‭ ‬هذه‭ ‬المؤلفات‭ ‬النفيسة‭ ‬من‭ ‬كتبه‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬عديد‭ ‬العناوين‭ ‬وأشهرها‭ ‬ما‭ ‬وسمه‭ ‬بالموسوعة‭ ‬والتي‭ ‬شهد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬شاركنا‭ ‬هذه‭ ‬الحلقة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تأهل‭ ‬في‭ ‬ميدانه‭ ‬هو‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬السباعي‭ ‬والذي‭ ‬أبى‭ ‬عليه‭ ‬تواضعه‭ ‬ووفاؤه‭ ‬وثقته‭ ‬بنفسه‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يسبغ‭ ‬على‭ ‬الفقيد‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬من‭ ‬الثناء‭ ‬ولما‭ ‬وفره‭ ‬من‭ ‬المرجعية،‭ ‬وهي‭ ‬شهادة‭ ‬زادها‭ ‬ما‭ ‬أضافه‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬الفيتوري‭ ‬بتركيزه‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الميداني‭ ‬الذي‭ ‬امتاز‭ ‬به‭ ‬قادربوه‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬شاركوه‭ ‬ذات‭ ‬الاهتمام،‭ ‬ومع‭ ‬أننا‭ ‬نُقدّر‭ ‬لعديد‭ ‬الذين‭ ‬سبقونا‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬والمعرفة،‭ ‬حسن‭ ‬وعيهم‭ ‬لما‭ ‬زخر‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬من‭ ‬الغنائية‭ ‬القوية‭ ‬والصورة‭ ‬المعبرة‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬ميزه‭ ‬عن‭ ‬الفصيح‭ ‬كما‭ ‬دأب‭ ‬على‭ ‬التنبيه‭ ‬إليه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬كُتِبَ‭ ‬له‭ ‬الاقتراب‭ ‬منه‭ ‬كما‭ ‬رُوِيَ‭ ‬عن‭ ‬أشهرهم‭ ‬وهو‭ ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬الساحلي،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نغفل‭ ‬تأثير‭ ‬ذلك‭ ‬الاتجاه‭ ‬الذي‭ ‬اصطُلِحَ‭ ‬على‭ ‬تسميته‭ ‬بتيار‭ ‬الواقعية‭ ‬الاشتراكية‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ازدهرت‭ ‬عقب‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬مؤتمر‭ ‬باندونج‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬النص‭ ‬واللوحة‭ ‬لتنتج‭ ‬فكرا‭ ‬يقاوم‭ ‬الظلم‭ ‬والتبعية‭ ‬ويعلّي‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الشعرية‭ ‬روحا‭ ‬وليس‭ ‬نظما‭ ‬رتيبا‭ ‬أو‭ ‬عبارة‭ ‬جامدة،‭ ‬فكان‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬تألق‭ ‬تلك‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬صمدت‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬الجحود‭ ‬ومحاولات‭ ‬التغييب،‭ ‬فلم‭ ‬يملك‭ ‬أشد‭ ‬الناس‭ ‬عداء‭ ‬لتلك‭ ‬الآثار‭ ‬سوى‭ ‬التسليم‭ ‬لها‭ ‬بالأهمية‭ ‬والاعتراف‭ ‬الصريح‭ ‬وإفساح‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬إفساحه‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬اللائقة‭ ‬لكل‭ ‬إبداع‭ ‬يزخر‭ ‬بالحيوية‭ ‬والأثر‭ ‬الذي‭ ‬يتسلل‭ ‬إلى‭ ‬القلوب‭ ‬تسللا‭ ‬فتتحول‭ ‬الكلمة‭ ‬ومثلها‭ ‬الصورة‭ ‬والمجسم‭ ‬وأخيرا‭ ‬اللحن‭ ‬إلى‭ ‬موقف‭. ‬

كانت‭ ‬المعاني‭ ‬كثيرة‭ ‬والذكريات‭ ‬أكثر‭ ‬والدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تستطيع‭ ‬الذاكرة‭ ‬أن‭ ‬تخلص‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬تفلح‭ ‬في‭ ‬ترتيبها‭ ‬وما‭ ‬أغدقه‭ ‬الفيتوري‭ ‬والسباعي‭ ‬بعد‭ ‬فاطمة‭ ‬يجعلنا‭ ‬نحس‭ ‬وكأن‭ ‬قادربوه‭ ‬بيننا‭ ‬والقائمة‭ ‬تطول‭ ‬فيزداد‭ ‬الإحساس‭ ‬بالسعادة‭ ‬لمقاومة‭ ‬المثبطات‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬بالمتيسر‭ ‬طبقا‭ ‬للحكمة‭ ‬القائلة‭ ‬بواجب‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬النصف‭ ‬الباقي‭ ‬من‭ ‬الكوب‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬النصف‭ ‬الذي‭ ‬نفَذَ،‭ ‬فكيف‭ ‬إذا‭ ‬أضفنا‭ ‬قولهم‭ ‬تصيب‭ ‬المرء‭ ‬توأم‭ ‬ظله،‭ ‬وتخرج‭ ‬كلمته‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تخرج‭ ‬روحه‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى