رأي

خطف وحبس وافتراء والجريمة باقية

أمين مازن

نجح‭ ‬المواطن‭ ‬هانيبال‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬نزيل‭ ‬سجون‭ ‬لبنان‭ ‬بعد‭ ‬خطفه‭ ‬من‭ ‬دمشق‭ ‬التي‭ ‬حلَّ‭ ‬بها‭ ‬لاجئًا‭ ‬عقب‭ ‬الإطاحة‭ ‬بنظام‭ ‬سبتمبر‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬بعد‭ ‬الألفين،‭ ‬حيث‭ ‬تعرَّض‭ ‬لصنوف‭ ‬من‭ ‬التعذيب‭ ‬والبقاء‭ ‬دون‭ ‬محاكمة؛‭ ‬فدخل‭ ‬في‭ ‬إضراب‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬استمر‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حرّكَ‭ ‬ضمائر‭ ‬أشد‭ ‬النَّاس‭ ‬قسوةً‭ ‬عندما‭ ‬علموا‭ ‬أن‭ ‬التهمة‭ ‬التي‭ ‬وُجِّهَتْ‭ ‬إليه‭ ‬يعود‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬التاسع‭ ‬والسبعين‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬اختفى‭ ‬بطرابلس‭ ‬السيد‭ ‬موسى‭ ‬الصدر‭ ‬أثناء‭ ‬زيارة‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬للعاصمة‭ ‬طرابلس‭ ‬استُقبِلَ‭ ‬أثناءها‭ ‬من‭ ‬مُضيفه‭ ‬العقيد‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬بخيمته‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬طوال‭ ‬ذلك‭ ‬العهد‭ ‬المكان‭ ‬المفضّل‭ ‬لاستقبال‭ ‬كبار‭ ‬الزوار‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يمر‭ ‬يومٌ‭ ‬إلا‭ ‬ويتوافدون‭ ‬وعلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مستوى،‭ ‬إنها‭ ‬الزيارة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الغيبة‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭  ‬وسجين‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬والذي‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬الخميني‭ ‬مطار‭ ‬طهران‭ ‬وسط‭ ‬الأمواج‭ ‬الشعبية‭ ‬العارمة‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب‭ ‬معلنين‭ ‬انتهاء‭ ‬عهد‭ ‬الشاه‭ ‬وفرار‭ ‬الدكتور‭ ‬شهبور‭ ‬بختيار‭ ‬آخر‭ ‬رئيس‭ ‬للوزارة‭ ‬الإيرانية‭ ‬الشاهنشاهية‭ ‬الذي‭ ‬عينه‭ ‬الشاه‭ ‬وفوضه‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬الخميني‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬مدير‭ ‬السافاك‭ ‬لم‭ ‬ينفذ‭ ‬سوى‭ ‬تمكين‭ ‬بختيار‭ ‬من‭ ‬الرحيل،‭ ‬والخميني‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬بسلام،‭ ‬فيبادر‭ ‬نظام‭ ‬سبتمبر‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بدعم‭ ‬الملالي‭ ‬كي‭ ‬يحكموا‭ ‬إيران،‭ ‬بل‭ ‬ولينتصروا‭ ‬لاحقًا‭ ‬على‭ ‬العراق،‭ ‬وعدم‭ ‬إعادة‭ ‬الجزر‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬احتلها‭ ‬الشاه‭ ‬لأن‭ ‬مصلحة‭ ‬الفرس‭ ‬واحدة‭ ‬وتقزيم‭ ‬الوجود‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬المطلوب،‭ ‬والمفارقات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تُحصى‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬بتذبذب‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬ثم‭ ‬المغرب‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬مساعدة‭ ‬الذين‭ ‬حاولوا‭ ‬تنفيذ‭ ‬انقلاب‭ ‬الصخيرات‭ ‬ثم‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬التي‭ ‬رافقت‭ ‬العهد‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الدعم‭ ‬المتبادل‭ ‬في‭ ‬سنته‭ ‬الأولى‭ ‬وعبد‭ ‬الناصر‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬قُدِّرَ‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يلحق‭ ‬بربه‭ ‬ويخلفه‭ ‬نائبه‭ ‬وأحد‭ ‬رفاقه‭ ‬منذ‭ ‬حكمه‭ ‬لمصر‭ ‬ويضطلع‭ ‬بسياسة‭ ‬ناقضت‭ ‬التوجه‭ ‬الناصري‭ ‬وإن‭ ‬ظلَّ‭ ‬السادات‭ ‬يردّد‭ ‬قوله‭ ‬المعروف‭ ‬‮«‬على‭ ‬طريق‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‮»‬،‭ ‬فعرفت‭ ‬مصر‭ ‬تصفية‭ ‬مراكز‭ ‬القوة‭ ‬فخوض‭ ‬معركة‭ ‬أكتوبر‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بإجبار‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬الانسحاب،‭ ‬وفتح‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬انتهت‭ ‬بإمضاء‭ ‬معاهدة‭ ‬السلام‭ ‬فحدث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشوار‭ ‬أن‭ ‬حدثت‭ ‬حرب‭ ‬الحدود،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬لولا‭ ‬تدخل‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬كارتر‭ ‬الذي‭ ‬أمر‭ ‬السادات‭ ‬بالتوقف‭ ‬كما‭ ‬عُرِفَ‭ ‬في‭ ‬حينه،‭ ‬ولم‭ ‬نتردد‭ ‬في‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬تناول‭ ‬الحظر‭ ‬الجوي‭ ‬عندما‭ ‬تتالت‭ ‬تداعياته،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ثمة‭ ‬مهربٌ‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬مزيد‭ ‬التنازلات‭ ‬والتي‭ ‬بلغت‭ ‬أقصى‭ ‬درجاتها‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الهروب‭ ‬في‭ ‬أحيانٍ‭ ‬كثيرةٍ‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬نسبة‭ ‬الوعي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬تبيّن‭ ‬الموقف‭ ‬الأصوب‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬والمعايير‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬لم‭ ‬تتحدّد‭ ‬كما‭ ‬يجب،‭ ‬والحكم‭ ‬بوجودها‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬لم‭ ‬يتضح‭ ‬بعد،‭ ‬وتظل‭ ‬محاولة‭ ‬الابتزاز‭ ‬لهذا‭ ‬السَجْنِ‭ ‬الوقح‭ ‬سهلة‭ ‬الاكتشاف،‭ ‬نعم‭ ‬أن‭ ‬كشف‭ ‬المستور‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدّد‭ ‬واجب‭ ‬وأكبر،‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬هانيبال‭ ‬مواطن‭ ‬ليبي‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه‭ ‬مسؤولية‭ ‬من‭ ‬مسوليات‭ ‬السيادة‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬وجودها،‭ ‬فأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬حبسه‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مسلسل‭ ‬يصعب‭ ‬وقفه‭ ‬ومعرفة‭ ‬من‭ ‬يشمل،‭ ‬فمثل‭ ‬هذا‭ ‬النّوع‭ ‬من‭ ‬الخطط‭ ‬الرامية‭ ‬لإرباك‭ ‬العهد‭ ‬لها‭ ‬أول‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬آخر‭ ‬وإن‭ ‬بدأت‭ ‬بأبعد‭ ‬الأشخاص‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الجريمة‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬لهانيبال‭ ‬المُفترى‭ ‬عليه‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى