قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود مضتْ، جنحتْ فئةٌ من المجتمع الليبي لممارسة طقوس احتفالات «رأس السنة الميلادية» على نحوٍ بسيط، وبأساليب توافقتْ مع الوعي السائد آنذاك، حيث اتَّسمتْ بحماسة الشباب الباحث عن مصادر البهجة والسرور، بدعوى التفاؤل باقبال عام جديد، ترنو فيه النفس لتحقيق الأحلام بتجدّد الزمان، وهي على الأغلب الفئة المثقفة التي كانتْ على صلة بوسائل الإطلاع المختلفة، من )صحف، ومجلات(، وغيرهما .
ولا تزال الأجيالُ التى عاصرتْ تلكَ الفترة تحتفظ في ذاكرتها الفوتوغرافية، بِكَمٍّ هائلٍ من الصور ضَمتْ في حياتها شواهد لاجتماع العائلة والأصدقاء، وفي أبهى حُلة تتصدر الجلسات «كعكة» غالباً ما يقوم أهل البيت بتحضيرها، قبل انتشار محال الحلويات بالصورة الموجودة اليوم.
كما جرتْ العادة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، أن يتبادل الشباب تهاني، وتبريكات كل عام ميلادي جديد عبر بطاقات مصوَّرة صُمٌِمَتْ لهذا الحدث، يتداولونها بشكل مباشر، أو عبر المراسلات البريدية لمن كان لهم صداقات بالخارج من دول عربية، وغيرها.
وقعد يقف الأمر عند هذا الحد من التفاعل مع المناسبة، مع العلم بأن تلك المظاهر لم تكن شائعة سوى بين سكان المدن، بالأخص «طرابلس»، ولم يكن لِيُعتَرَف بها في مناطق أخرى، باعتبارها شيئًا دخيلًا، ولربما كان مستهجنًا لأنه أتتْ به رياح الغرب.
أما اليوم، ونحن نشهد التَّغَوّل التقني الذي اجتاح كل جوانب حياتنا المعاصرة، تحولتْ العادات الدخيلة إلى أساليب إعتيادية يمارسها الجميع تقريبًا !
ولعلَّ -المضحك المبكي- هو تداخل المفاهيم لدى كثير من الشبان، والفتيات ممن يحرصون الآن على الاستعداد للاحتفال بالسنة الجديدة، إلى جانب احياء )ليلة الكريسماس( ، أو ميلاد النبي عيسى عليه السلام، فهم يخلطون بين المناسبتين، فيعمدون على التجهيز بمحاكاة تكاد تكون مطابقة لما يُحَضِّره المجتمع الغربي المسيحي، وكل الدول المنظوية تحت ديانتهم، خاصة تلك ذات الطبيعة الباردة، حيث تتساقط فيها الثلوج، وتنمو أشجار الصنوبر، وتظهر الدببة، وثور الآيل، وغزال الرَّنَّة في غاباتها أثناء فصل الشتاء.
هؤلاء المقلدون من الشباب ينقلون المظاهر بِدِقّة، ولا يكلفون أنفسهم التدقيق في المعنى الحقيقي الذي تنطوي عليه المناسبتين، بكل دلالاتهما الرمزية الدينية، والتاريخية.
فنجد أنه قد طفتْ على أسطح يومياتنا المتداولة إلكترونياً مسميات لم نألفها من قبل، لكنها تفشّتْ في السنوات الأخيرة بشكلٍ متسارعٍ بين عدد كبير من الفتيات، فصرنا نرى عائلات بأكملها تُعِد العدة لهذا الاحتفال المشوِّق بلهفة تفوق لهفتها لاستقبال رمضان !
وتعلن عن ذلك في حساباتها الخاصة داخل منصات التواصل الاجتماعي، تحت مسمَّى )ترند الشتاء الوردي 2025(؛ الذي خصصوا لليلة الاجتماع فيه مقتنيات مهمة لاستكمال العرض مثل : البيجامة الحمراء – وبسكويت الدبدوب – الحذاء الكاروهات -شراب الهوت شوكلت – شجرة الصنوبر – أكواب الغيمة – لعبة التشكبينة – والأهم منها جميعًا )كيكة الكريسماس(.
بشأن هذا الهوس الطاغي في الوسط الاجتماعي، والتسابق القائم بين محال بيع الحلويات، والشموع والورود، وتغليف الهدايا ..إلخ
قمنا برصد آراء مختلفة نستعرضها في التالي :
عبد الرحمن مصطفى / مواطن قال : أنا أبٌ لثلاثة بنات، وولدين، والحقيقة اعتبر نفسي صديقًا لأبنائي، ولكن ليس لديهم الميول التي نراها بكثرة، أحاول تلبية طلبات بناتي، وأشتري لهن المرطبات، ولكن لا يتعلق الأمرُ بحفلة السنة الجديدة.
وأضاف : أحد الأولاد جلب لعبة «تشكبينة بلس»، وقد اشتركنا فيها كلنا حتى والدتهم، وأبناء خالتهم، وهي تحتوي على بطاقات فيها تحدٍ، وفقرات مرح، تعد لعبة مسلية، ورجعتنا لأجواء اللمّة العائلية بعيدًا عن النقال، والجميل أنها صناعة محلية، لكن الظاهرة الموجودة حاليًا أعتقد مسؤولية الحرس البلدي مصادرة المنتجات أو التحف، والمجسمات والهدايا وحتى المخبوزات المتعلقة باحتفالات النصارى، لأن المناسبة ليستْ لنا، ومخالفة لتعاليم ديننا.
ملاك عبدالحكيم/فنية تخذير تقول:
أراه تقليدًا أعمى لأجواء الأوروب، ومحال الحلويات أسهمتْ في ظهور الشيء هذا، تصوروا محل «موزارت» بكل فروعه زينة الكريسمس الحكاية «عيني عينك» لم تعد مخفية !!، وحتى العام الماضي، ولم يوقفه أحد هذه الأيام تعد موسمًا يجب استغلاله بارضاء زبائنه وأكثرهم بنات، وعلى فكرة هن يتفقن على اللمَّة في بيت واحدة منهن، ويلبسن بيجامات الكاروهات مع اكسسواراتها، التي يصل سعرها لـ)220(دينارًا، يوصوا عليها بالحجز من الصفحات التي تعرض الملابس من تركيا، وعليها سحب غير عادي، ويحجزوا في «التورتة» للتصوير والنشر على السناب، وكله لأجل الاستعراض، والتباهي، نعتبره «هبال» وصرف زايد .
وليد عمار / شاب ليبي مقيم في إيطاليا أفادنا برأيه قائلاً : الجهل هو وراء كل ما يحدث لشبابنا، بما أنهم لا يقرؤون ولا يبحثون عن المعرفة ليزداد وعيهم، وقعوا في حبائل الوهم بسهولة، ففي يوم 25 ديسمبر وهي ذكرى مولد المسيح حسب زعمهم، الذي يعدونه إلهًا، يقولون لبعضهم : )بونا تالي( أي عيد ميلاد مجيد، أنا في هذا اليوم بالذات – الذي يسبق نهاية السنة بـ)6( أيام – لا أهنئهم، لأني مسلم موّحّد، ولكن أقبل بتبادل التهاني معهم عند حلول العام الجديد، فأنا أعيش وسطهم على نفس وتيرة التقويم الشمسي، فنقول مثلاً )بونانو( تعني بالإيطالية سنة جديدة سعيدة، فلو ركز الشبابُ في هذه المعاني، لما انجروا وراء استعمال الدُّمى، وما اهتموا بالمناسبة من الأساس.
ومع كل ما ذكرته، أنا ضد مواجهة الظاهرة بلغة قمعية، لأنه كلما مورس الإكراه على الشعوب، خرج لنا مجتمع منافق وكاذب، يعمل عكس ما يبطن، لأنه تعرض للتعنيف بالانتقاد الزاجر، ومحاربة سلوكياته بأسلوب الإكراه على المختصين دراسة أسباب هذه الطفرات، ومعالجتهاوفق منهج علمي لا سياسي.
)الكرسمس( مجرد مثال عارض، فقد سبقته )الجمعة البيضاء( التي هي في الأصل فكرة غربية، لم تُولد من إبداع الليبيين، ولا العرب أنفسهم، لكن تم تقليدها بشكل سيء .. الموضوع طويل ومتجذر، ولكنّني أكتفي بهذا القدر.
الأخت Anna Cake صانعة حلويات تسوق إنتاجها عبر صفحة تحمل الاسم نفسه على منصة فيس بوك وهي واحدة من بين عشرات الصفحات التي انهالتْ عليهم طلبات إعداد الكيك تقول : في العام الماضي فتحت باب الحجز لزبائني، وخدمت طورطات عادي وبعد معرفتي لخطأي، وبدافع غيرتي على ديني، لا يعقل أن أشارك في احتفال لناس يقولون الله ثالث ثلاثة !!!
وقفتُ الخدمة في هذا الموسم، ولكن البنات مصرات يطلبن كيكة بمواصفات محدَّدة، عليها الشجرة، وبابا نويل.
واضح أن جانب العقيدة مهزوز عندهن مع كل الأسف نحن نربي في أولادنا على الصيام، والصلاة، ونهملوا ترسيخ العقيدة، والتوحيد، ولما تناقشيهم يقولون المشكلة أن كل شيء جميل مرتبط بمناسبات الأجانب؛ لأنهم فاقدون الثقة بأنفسهم، حتى شتاؤنا فيه أشياء حلوة، عندنا )العالة والكانون(، لو أرادوا إضفاء أجواء الفرح لبيوتهم .
أحلام الهاشمي حول المبالغة في الاحتفال بالعام الجديد، فهي تختلف من عائله لأخرى خاصة بالشكل المبالغ فيه، قد يتضمن عناصر تتناقض ومعتقداتهم الدينية.من الناحية الثقافية:
ترتبط ثقافة الأشخاص بشكل كبير في طريقة الاحتفال، فبعض الثقافات تحتفي بالعام الجديد بطرق تقليدية وبسيطة، بينما قد تكون الثقافات الأخرى أكثر ميلاً إلى الاحتفالات الصاخبة والمبالغ فيها لاعتبارات اجتماعية: قد يشعر البعض بالضغط للاحتفال بالعام الجديد بطريقة معينة للتوافق مع الأصدقاء والعائلة، أو لمجرد المشاركة في جو الاحتفال العام.
من ناحيةالاقتصادية قد تتحول الاحتفالات المبالغ فيها إلى عبء مادي على الأفراد والأسر، خاصة مع التنافس على تنظيم حفلات فاخرة وتقديم هدايا باهظة الثمن فأنا شخصيا اعتراض على المبالغة بصراحه أمر غير مبرر، وأن الاحتفال يجب أن يكون بسيطًا ومتواضعًا، وأن التركيز يجب أن يكون على المعنى الروحي للبداية الجديدة وليس على المظاهر الخارجية.
التسامح مع الاختلاف: لكل فرد الحق في الاحتفال بالطريقة التي يراها مناسبة، وأن لا يجب الحكم على الآخرين بسبب اختلاف معتقداتهم، أو عاداتهم الاعتدال هو الحل في الاحتفال، وأن يكون الاحتفال مناسبة للتقارب الأسري والاجتماعي، دون مبالغة أو إسراف.
أسباب المبالغة في الاحتفال: بدايتها التسويق التجاري: حيت تلعب وسائل الإعلام والإعلانات دورًا كبيرًا في تشجيع المبالغة في الاحتفال، حيث يتم الترويج لمنتجات وخدمات معينة مرتبطة بالاحتفال، مما يخلق رغبة لدى الأفراد في الإنفاق بشكل أكبر هذا هو التقليد الأعمى الذي يدفع بعض الأفراد إلى المبالغة في الاحتفال لمجرد تقليد الآخرين أو لمواكبة الموضة.
الرغبة في الفرح والتعبير عن السعادة: قد يكون الاحتفال المبالغ فيه طريقة للتعبير عن الفرح والسعادة بقدوم عام جديد، ورغبة في نسيان هموم العام الماضي.
إلا أن هناك الآثار السلبية للمبالغة: العبء المادي: قد يؤدي الاحتفال المبالغ فيه إلى الديون والتزامات مالية كبيرة.
الإضرار بالبيئة: زيادة التلوث وإهدار الموارد الطبيعية.
إضرار بالصحة: قد تؤدي الممارسات غير الصحية المرتبطة بالاحتفالات، مثل الإفراط في تناول الطعام والشراب، إلى مشكلات صحية.
زيادة الفجوة الاجتماعية: حيث لا يستطيع الجميع تحمل تكاليف الاحتفالات الفاخرة.
في النهاية .. فإن قرار الاحتفال بالعام الجديد وكيفية الاحتفال به هو قرار شخصي، ولكن من المهم أن يكون هذا الاحتفال مناسبة للتقارب الأسري والاجتماعي، وأن يتميز بالاعتدال والتواضع.