رأي

شجرة الزيتون التي حيرت أبي .. !!

ناجي الحربي

  ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الفائت‭ ‬قامت‭ ‬الحكومة‭ ‬بمسح‭ ‬أراضٍ‭ ‬لتقيم‭ ‬عليها‭ ‬مخططات‭ ‬سكنية‭ ‬وزعت‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬بمبلغ‭ ‬زهيد‭ .. ‬وفتحت‭ ‬أبواب‭ ‬المصرف‭ ‬العقاري‭ ‬لمنح‭ ‬القروض‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬الأربعة‭ ‬آلاف‭ ‬وخمسمائة‭ ‬دينار‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬سعر‭ ‬كيس‭ ‬الأسمنت‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬الربع‭ ‬دينار‭.. ‬

    ‬تقدم‭ ‬أبي‭ ‬فتحصل‭ ‬على‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬ولكي‭ ‬يفوز‭ ‬بقرض‭ ‬عقاري‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استكمال‭ ‬الإجراءات‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬خلو‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬العوائق‭.. ‬

كان‭ ‬أبي‭ ‬ضابطًا‭ ‬بالشرطة‭.. ‬ملتزمًا‭ ‬بالقوانين‭ ‬واللوائح‭.. ‬

    ‬من‭ ‬المصادفات‭ ‬أن‭ ‬قطعة‭ ‬الأرض‭ ‬بها‭ ‬شجرة‭ ‬زيتون‭ ‬بري‭ .. ‬حاول‭ ‬والدي‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭ ‬المحافظة‭ ‬عليها‭ .. ‬لكن‭ ‬المقاول‭ ‬وكذلك‭ ‬المهندس‭ ‬المدني‭ ‬الذي‭ ‬رسم‭ ‬الخريطة‭ ‬أصرا‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬الشجرة‭ ‬المباركة‭ ‬لوقوعها‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬قطعة‭ ‬الأرض‭ ‬ولا‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭..‬

جيراننا‭ ‬وأغلبهم‭ ‬من‭ ‬منتسبي‭ ‬الشرطة‭ ‬استكملوا‭ ‬بناء‭ ‬بيوتهم‭ ‬وأبي‭ ‬مازال‭ ‬من‭ ‬مكتب‭ ‬إلى‭ ‬مكتب‭ ‬ومن‭ ‬مصلحة‭ ‬إلى‭ ‬مصلحة‭ ‬بين‭ ‬التخطيط‭ ‬العمراني‭ ‬وأمانة‭ ‬الزراعة‭ ‬والشرطة‭ ‬الزراعية‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالغابات‭..‬استغرق‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬قرابة‭ ‬العشرة‭ ‬أشهر‭.. ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬أمي‭ ‬تندب‭ ‬حظها‭ ‬البائس‭ ‬لتتخلص‭ ‬من‭ ‬براريك‭ ‬الصفيح‭ ‬الباردة‭ ‬شتاءً،‭ ‬والساخنة‭ ‬صيفًا‭.. ‬

وأخيرًا‭ ‬وبعد‭ ‬معاناة‭ ‬واستخراج‭ ‬الأوراق‭ ‬تحصل‭ ‬أبي‭ ‬على‭ ‬أمر‭ ‬إزالة‭ ‬شجرة‭ ‬الزيتون‭ ‬غير‭ ‬المثمرة‭ ‬بإشراف‭ ‬جهات‭ ‬الاختصاص‭.. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬شرع‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬البناء‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬سنوات‭… ‬

    ‬كان‭ ‬القانون‭ ‬شديد‭ ‬الصرامة‭ .. ‬وكان‭ ‬الالتزام‭ ‬بالتشريعات‭ ‬واحترام‭ ‬المواطن‭ ‬للغابات‭ ‬من‭ ‬المقدسات‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاوزها‭.. ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المقدسات‭ ‬تنتهك‭ ‬في‭ ‬وضح‭ ‬النهار‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬وبلا‭ ‬حياء‭..‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى