قراءة بين سطور الأخبار والتحليلات تفيد بأن أوروبا باتت فعلا بطة عرجاء..فنتائج الانتخابات التشريعية شهدت تفوق تحالف حزبي في دولة وتراجعه في أخرى والترمومتر هو مدى وضع رأس الهجرة تحت مقصلة الشعبوية من عدمه..فتحقيق اليمين المتطرف لنقاط نحو السلطة من شأنه أن يؤثر تدريجيا على سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه إفريقيا..والأمر ليس مناطا فقط بنتيجة صراع تحجيم النفوذ وكسب موطيء قدم في القارة..بل الأولوية لما يراه الغرب من أزمة تنامي حركة الهجرة إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط والدليل سن قوانين جديدة..حيث يربط أوروبا بروتوكول تنقل داخلي وخارجي بينما تفتقر إفريقيا لتنفيذ ذلك..فالأفارقة يتنقلون داخل القارة في حركة دائرية وراء المراكز الحضرية..في الوقت الذي يدفعهم عدم الاستقرار والتغير المناخي والحلم الأوروبي إلى ليبيا مثلا كدولة عبور..والسبب أن تعاون المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الاتحاد الأفريقي منذ أكثر من عشرين عاما لم يفض إلى مايستحق ذكره..وحتى تدخلات منظمة الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة دولية لمواجهة الجفاف والمجاعة اتسمت بالمناسباتية..لذا فإن طلب الاتحاد الأوروبي ابعاد المهاجرين عن محاولة ركوب القوارب دون الالتفات إلى فك شفرة دول المصدر..يجعل إجراءات الاحتجاز والترحيل لا تكون بالشكل المطلوب باعتبار ان يدا واحدة لا تصفق..والبديهي أن الدولة المضيفة لا يمكن أن تكون كبش فداء للاضطرابات الحاصلة خارج حدودها وتظل وحدها توقع شيك جغرافي على بياض..خاصة أن المقصد في النهاية هو أوروبا..وكمثال عندما أقرت السنغال إستراتيجية وطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية قدم الاتحاد الأوروبي دعما ماديا متقطعا لوقف الأزمة القادمة إليه..فكان عوضا عن حل المعضلة من الجذور تم قطع الأغصان لتنبت مرة أخرى وهكذا دواليك..وحتى دعم جهود إثيوبيا لتوطين المهاجرين واللاجئين إليها لم تفلح رغم الاستثمار التنموي الدولي في جهود التصنيع فقد ظلت دولة عبور إلى الخليج..كما أن توقيع عقود ثنائية بين مصر واليونان لسد النقص العمالي في القطاع الزراعي لدى الأخيرة كنوع من المنفعة المتبادلة يظل إجراءا ثنائيا محدودا لا يخدم بالمجمل مسألة الهجرة غير النظامية..وبدأت دولة جنوب إفريقيا في إجراءات منح البطاقة الإلكترونية التي تسمح بتنظيم دخول المهاجرين والسؤال هنا إلى متى..بالمقابل تمتد الصحراء الكبرى عبر جنوب وشمال 11 دولة تختلف في الثقافات البدوية والنزعات العرقية لذا من الصعب حاليا استيعابهم في ظل الجفاف وندرة المياه وتقلب المناخ.. كذلك إنتظار القريب والبعيد لكل فرصة سانحة للإنقضاض على الموارد المعدنية بالغة الأهمية..إضافة إلى إهمال عشرات الملايين من رؤوس الإبل والأبقار والأغنام التي تجعل الصحراويين يتسائلون عن المصير..ومنذ عام 2010 زاد عدد العمال المهاجرين في أفريقيا بنسبة 53%..وقاد تغير المناخ إلى انخفاض نسبة 34% من نمو الإنتاج الزراعي جنوب الصحراء الكبرى مما أدى إلى انعدام الأمن الغذائي بشكل غير مسبوق..والحديث اليوم عن مشاريع تنموية في دول المصدر في ظل تدهور الوضع الإقتصادي العالمي لن يوقف ظهور النقاط الساخنة في الصحراء..