في ظل التزايد الكبير في الاهتمام بالشأن الثقافي والفني في بلدنا، كان لقاؤنا مع السيد عبد الباسط أبو قندة، رئيس الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، للحديث عن الرؤية المستقبلية للهيئة، وكيفية دعمها للمواهب الشابة، وتشجيع النتاج الفني المحلي، ودور الفن في بناء المجتمع، خاصة في ظل التحديات التي تواجه القطاع الفني.. كما سنتطرق إلى أبرز الإنجازات التي حققتها الهيئة في الفترة الأخيرة، والمشاريع المستقبلية التي تسعى إلى تنفيذها…
وجب التنويه أنّ هذا اللقاء تم قبل انطلاق مهرجان ليبيا السينمائي الدولي للأفلام القصيرة وتحديدًا أثناء التحضيرات الأخيرة قبيل الإعلان الرسمي عن موعد انطلاقه وتم استدراك سؤالين عند ختام المهرجان تطالعونهما في الحوار..
ماهي أبرز الإنجازات التي حققتها الهيئة منذ توليكم رئاستها؟
لعل ما اعتبره إنجازاً فعليًا هو إنهاء مشكلة الإيجارات السنوية لعدة عقارات كانت تشغلها الهيئة منها مبنى الظهرة الذي كان المقر الرئيس للهيئة بإيجار يصل إلى 250.000 ألف دينار، مبنى السراج بإيجار يصل إلى 96.000 ألف دينار وآخر في السياحية بقيمة إيجار 90.000 ألف دينار أقفلنا هذه الأماكن وأنهينا عقود إيجاراتهم مع أصحابها وانتقلنا جميعا للمقر الحالي بمعهد جمال الدين الميلادي بعد صيانته وإعادة الحياة للمعهد بعد أن كان مقفلا طيلة سبع سنوات..
بالمقابل في مدينة بنغازي استأجرنا مقرًا لمعهد علي الشعالية وتم تجهيزه إداريًا وللدراسة كما قمنا بإستئجار موقع لفرع الهيئة ببنغازي ونعمل على استكمال تجهيزاته كذلك الأمر لعدة فروع بالهيئة في مختلف المدن والمناطق…
والجنوب..؟
يسري عليه ما يسري على كل الفروع لكن مشكلة الإنقسام السياسي و وجود حكومتين أثر علينا في التعامل إلا أن كل موظفي الهيئة على مستوى ليبيا مازالوا يتقاضون مرتباتهم وكل إجراءاتهم الإدارية والمالية تتبع الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون بطرابلس..
على الصعيد الفني أهم إنجاز كان إعادة المهرجان الوطني للفنون المسرحية بعد توقف دام لخمسة عشر عاما قدمنا الدعوات للفرق المسرحية من عموم ليبيا ولم نقصِ أحد، كما أعدنا طباعة وإصدار كتاب مائة عام من المسرح لمؤلفه الأستاذ نوري عبدالدايم وهو وثيقة مهمة لمراحل في مسيرة المسرح..
من جهة أخرى حاولنا استرجاع بعض مقار الفرق المسرحية ونجحنا في الحصول على حكم محكمة لاسترجاع مقر الفرقة القومية للمسرح التي يديرها الفنان عبدالرزاق أبو رونية، استرجعنا مقر فرقة المسرح الحر وقمنا بدعمهم لإنجاز عمل مسرحي ..
إلى جانب إعادة ترتيب البيت الداخلي للهيئة وإداراتها وإنصاف موظفيها وإعادة حقوقهم ومستحقاتهم وتسوية أوضاعهم الوظيفية.
بالمقابل ما هي التحديات التي واجهتكم وتواجهكم وكيف تعملون على تخطيها؟
منذ تولينا إدارة الهيئة واجهتنا عدة صعوبات أولها رفض تسليم الإدارة السابقة للهيئة وفق ماهو متعارف من إجراءات التسليم والاستلام الإدارية والقانونية وتم التسليم إداريا من قبل مدراء الإدارات فقط…
من التحديات التي مازالنا فيها هي الصراع من أجل استعادة مقار تتبع الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون سواء مقار فرق مسرحية أو غيرها منها الصراع القائم مع السيد عميد بلدية طرابلس وبكل أسف أقول أنه يحتل أحد مقار الفرق المسرحية التي تتبع الهيئة وهو مقر فرقة المسرح الجديد بشارع عمر المختار وتمت مخاطبته وديا أكثر من مرة لكنه يرفض الأمر مؤسف أن يكون عميد البلدية ضد الفنون فقد رفض سابقا منحنا مقر القبة الفلكية لمدة أسبوع فقط لتكون مقرا للجنة الإعلامية للمهرجان الوطني للفنون المسرحية…
الأمر ذاته واجهني من موقعي كوكيل وزارة الثقافة أثناء زياراتي لعدة بلديات وجدت عمداءها قد استولوا على مقار تتبع للثقافة وإفراغها لجهات أخرى ومازال الصراع مستمرًا معهم بمراسلات وجهناها لمصلحة الأملاك التي هي الأخرى بدورها شغرت مقر فرقة الجيل الصاعد وقدمته لجهة أخرى، وراسلنا السجل العقاري وقدمنا شكاوى لدى النائب العام في عدة مواقع..
الصراع كبير ومستمر ولن نتوقف حتى يرجع الحق لنصابه.
يؤخذ عليكم إقامة مهرجان سينمائي دولي دون وجود دور عرض سينمائي..؟
في طرابلس وحدها كانت هناك حوالي 16 دار عرض أو أكثر هدمت وخربت وتم الاستيلاء عليها وتغيير نشاطها وهي مشكلة كبرى عاصمة دولة لا توجد بها دار عرض سينمائي واحدة ولا توجد في أي مدينة من المدن الكبرى، الدار الوحيدة الجاهزة والمجهزة للعرض بمدينة نالوت..
لهذا السبب أقمنا المهرجان لتحريك ملف السينما ودور العرض السينمائي تماما كما أعدنا الحراك للمسرح في طرابلس بعد إقامة المهرجان الوطني للفنون المسرحية ولن نتوقف بحول الله حتى نعيد الحياة للسينما وتزدهر الفنون التشكيلية ويزهر الفن والثقافة في طرابلس وعموم ليبيا.
ما تقييمكم لحفل افتتاح المهرجان وللمهرجان بشكل عام؟
بشكل عام شخصيًا أعتبر نفسي راضيًا عما قدم وسعيدًا أننا أقمنا هذا المهرجان و وضعنا العربة على السكة، هذا في حد ذاته نجاح، إن أقمنا الدورة الأولى لمهرجان دولي هذا لوحده نجاح، وجود بعض الأخطاء وبعض الهفوات هذا لا أراه مشكلة أن تعمل لا بد لك أن تخطيء، فنحن نعمل ونحن سعداء بالخطأ حتى نتعلم، نحن لم نقم مهرجان دولي في السابق، هذه المرة الأولى ولجاننا لأول مرة تعمل، في السابق شاركنا في مهرجانات خارجية كحضور فقط ولم نطلع على المطبخ الذي يعد فيه المهرجان، واللجان التي تعمل في هذه المهرجانات، هذا العمل بمجهود شخصي وفي زمن قياسي، هذه المهرجانات يتم الاستعداد لها قبل سنة وسنة ونصف نحن في ظرف شهر، أقمنا المهرجان وبالمناسبة أشكر كل العاملين من لجان وموظفي الهيئة، إنهم أنجزوا هذا العمل في زمن قياسي، والحمدلله الندوات تابعتموها من أول يوم للفعاليات كانت ناجحة الحضور كان منقطع النظير، الحقيقة في اليوم الأول للمهرجان تجاوز 700 ضيف غير السياسيين،
والسادة السفراء والمسؤولون حتى إن حدثت ربكة ومشكلة في التكييف فهذا خارج عن إرادتنا، هذه الإمكانات المتاحة وإن حصلت أخطاء، و ارتبكت المذيعة هذه أخطاء بشرية..الهدف أننا أقمنا المهرجان ما قدم على الشاشة يوم الافتتاح كان رائعًا أشاد به الجميع .. الأفلام التي عرضت كانت في المستوى هذا ما يهمنا أما بقية الأخطاء أو اصطيادها لو إلتفتنا لها هذا يعني أن لا نعمل في القادم لكننا لن نلتفت وسنعمل ونخطيء ولن يتوقف العمل.
لوحظ غياب عدد كبير من الفنانين من مختلف المدن والمناطق مع عتب بعدم توجيه الدعوات لهم.. ما تعليقكم؟
الحقيقة كنا متأملين وكنا نرغب أن يكون معنا كل الفنانين من كافة ربوع ليبيا من الشرق ومن الغرب، ومن الجنوب ومن الوسط، ولكن الإمكانات حالة دون ذلك، فلا يمكن أن نوجه الدعوة لفنان من مدينة دون الأخرى، المسألة تتطلب أموالًا كبيرة وإمكانات )تذاكر وإقامات وسفر و مواصلات( وما إلى ذلك، لذلك قرَّرنا هذه السنة أن نضع العربة على السكة، وتنطلق الدورة الأولى ودعمناها بقرار بحيث تكون دورة كل سنتين بإذن الله، ليصبح شأنها شأن المهرجان الوطني للفنون المسرحية وترصد له الميزانيات، ويعد له إعداد مسبق وكبير، يشرفنا حينها أن يكون معانا كل الليبيين وكل الناس، هذا مهرجان ليبيا عامة، ولكن هذا لم يمنع أن تكون هناك مشاركات، 14 عملًا ليبيًا شارك في هذا المهرجان مشاركات من كافة ربوع ليبيا، بعض الضيوف حضروا على حسابهم الشخصي، دعمًا منهم وحبًا ورغبة إن يحضروا المهرجان، من البيضاء، من بنغازي، من مصراتة ومن عدة مدن، و كانوا سعداء ومبسوطين، ومنهم شاب ليبي جاء من بريطانيا، لديه عمل مشارك هذا الشاب من مدينة درنة، وسعداء بوجوده أيضاً حضروا من الجزائر ومن تونس، ولم نرسل لهم تذاكر سفر، ولا تأشيرات، نتأمل إن شاء الله في المستقبل أن يكون معانا كل الليبيين في هذا المهرجان، وشكرًا لسؤالكم.
مشكلة نقص التمويل التي تواجه أي منشط ثقافي أو فني كيف تتعاملون معها..؟
نأمل أن ينتهي الصراع السياسي وتحل مشكلة الموازنة التي عرقلت وأثرت في كل مناحي الحياة والثقافية والفنية جزء منها، نحن نقف مكتوفي الأيدي حتى نشاطاتنا يتم تمويلها من الباب الثاني من ميزانية التحوَّل وهو المعروف بالمصروفات والنثريات لكننا نستقطع منه لدعم الأنشطة والمحافل الثقافية و الفنية…
هل لديكم حلول عملية لتخطي هذه الإشكالية؟
نعم. نظرًا لتأخر الموازنة فإن الهيئة اعلنت عن طرح المواقع الخاصة بها للاستثمار للشركات العامة والخاصة في أي مشروع استثماري شرط أن يكون داخله دار عرض ومكاتب للهيئة بهذه الطريقة نحاول إيجاد حلول بديلة لتأخر الميزانية وقد تحصلنا على موافقة السيد رئيس الحكومة على ذلك.
أين وصلت نسبة الإنجاز في بناء المسارح التي وعد رئيس حكومة الوحدة الوطنية ببنائها في طرابلس وبنغازي..؟
المسرح في طرابلس هو مشروع قائم على الأرض مسرح بسعة 3000 كرسي يبنى في مكان قاعة الشعب بحي الأندلس مجهز مع موقف سيارات يسع 5000 سيارة.
ما دور الهيئة في دعم الفنانين الشباب وتوفير الفرص لهم؟
ندعمهم من خلال المهرجانات، ودعم الأعمال المسرحية إتاحة الفرص للفرق والعروض ودعمهم لوجستيا وماديا بحسب المتاح لنا.
كيف تقيم الوضع في المشهدين الثقافي والفني من منبركم كرئيس للهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون؟
الوضع في الفترة الماضية كان مترديًا جدا وبدأ يتحسن مع قناعة الحكومة بضرورة عودة الحياة للوسطين الثقافي والفني إلا أن العائق مايزال في عدم صرف الموازنة لتمويل كافة المناشط الثقافية والفنية، أيضاً مسألة المحاصصة وتوزيع المناصب أثرت بشكل كبير في المشهدين.
كيف يتم تقييم اي منشط أو مهرجان ثقافي أو فني من ناحية نجاحه أو فشله؟
تقييمنا كهيئة من خلال نجاح التنظيم لأن هذا من مهام الهيئة وصميم عملها أما التقييم العام نعرفه من خلال الصحافة وما ينشر فيها من مواضيع ونقد ومختلف وسائل الاعلام والتواصل.
هل للهيئة دورٌ في الرقابة على المحتوى الفني؟، وكيف تحقق التوازن بين حرية التعبير و المسؤولية المجتمعية؟
بعض القنوات قدمت أعمالًا وبرامج دون المستوى وبلا مسؤولية في غياب الرقابة على المحتوى والنصوص، نحن كهيئة لا نملك اي سلطة على مراقبة محتوى القنوات وما تبثه هذا من مسؤوليات هيئة رصد المحتوى الإعلامي..
فالحرية المطلقة مفسدة مطلقة وانحلال نحن مع تفعيل دور الرقابة على النصوص و المحتوى بالمقابل نحن لسنا مع قمع حرية التعبير في حدود ما يسمح به تعاليم الدين واخلاقيات المجتمع.
ما دور الهيئة في حفظ وأرشفة التراث الفني والثقافي؟
فيما يتعلق بالأرشيف السينمائي بكل أسف حوالي عشرة الآف وخمسمائة علبة تعرضت للتلف إرث ليبيا السينمائي، التاريخي والوثائقي والدرامي نتيجة سوء التخزين والإهمال في عملية التخزين..
لاستعادته وبنسخ إلكترونية حديثة يحتاج لرصد ميزانية كبيرة ومخاطبة الشركات التي تعاقدت معها ليبيا في الطبع والتحميض وهي شركات إيطالية و بريطانية و وزارة الثقافة التونسية، فعليا خاطبنا وزارة الثقافة التونسية و وجدنا حوالي 100 عمل محفوظ لديهم…
من جهة أخرى لدينا )المركز القومي للتوثيق والمعلومات( قمنا عن طريقه تأسيس موقع الهيئة ودربنا موظفين للعمل على أرشفة وتوثيق التراث الفني الغنائي، المسرحي، التشكيلي المتاح بكل الوسائل بالكامل واستعنا بعدد من الكتَّاب لدعمه.
بإيجاز عن خطط الهيئة في المرحلة القريبة القادمة ..
نعمل حاليا مع المركز القومي للفنون والتراث على إقامة معرض لفنان الكاريكاتير الساخر محمد الزيتوني، أيضاً تم عقد اجتماع مع الجمعية الليبية للفنون التشكيلية برئاسة الفنان التشكيلي محمد الغرياني وعضوية الفنان سالم التميمي والاستاذة سالمة المدني واتفقنا على إقامة معرض جماعي كبير يضم مجموعة مهمة من الأسماء امثال الفنانين علي العباني ، سالم التميمي، القذافي الفاخري، محمد الغرياني، د. بشير حمودة هذه الأسماء وغيرها من حق الليبيين الاستمتاع بفنهم ومن حقهم علينا إظهارهم بشكل يليق بتجربتهم ولتتعرف عليهم الأجيال الشابة عن قرب والأمر ذاته ينطبق على كل فنان من مختلف الأعمار والتجارب والمدارس الفنية..
لدينا مشاركة في تونس مع الفرقة الوطنية للفنون الشعبية.