
عـــلــيــــــة
أعمالٌ ليبية تونسية رائعة ازدانت بها المكتبة المسموعة بالإذاعة الليبية، يجهل معناها حتى بعض الليبيين، كأغنية )بيناتكم يا ساكنين الحارة عندي غزيّل راح فيه أمارة(، التي أدتها الفنانة التونسية الرائعة «عُليّة» التونسية، من كلمات الشاعر الليبي علي السنّي، وألحان الموسيقار الليبي كاظم نديم،.
قدّمتْ التونسية عُلَيّة رائعة من أروع الأعمال التي لازالت في الذاكرة،، ولا ننسى أغنية )وعيوني سهارى( التي عرفناها بصوت الفنان الليبي الكبير الراحل )سلام قدري( قبل أن يوصلها الفنان الليبي شاب جيلاني للأذن العربية في كل مكان، فقد غنّتها «عُلَيّة»، وسمعناها أيضًا بصوت السعودية «عِتاب»، وهي من كلمات الشاعر الليبي علي السنّي، ومن ألحان الملحن الليبي عبدالباسط البدري.
تعد عُلَيّة التونسية من أكثر الفنانات حظًا مع أجمل الأغنيات الليبية، فمن يسمع أغنيتها سيشمّ رائحة ليبيا على بُعدِ عشرين مطارًا في العالم، وسيسافر معها إلى حيث ينتمي، هو العشق على الطريقة الليبية، فالوجدان الليبي لم يكُن يومًا إلا مرتعًا للفنون وللجمال، إذا ما أبعدنا الزّبَد الذي ظهر في عصر رجع بليبيا كثيرًا، لكنّه ذهب جفاءً.
ولدت الفنانة المطربة التونسية عُليّة التونسية وهو اسم شهرتها واسمها الحقيقي )بيّة بنت بشير بن الهادي رحّال(، في 4 نوفمبر 1936م بتونس العاصمة وامتدتْ مسيرتها الغنائية من1950م إلى 1990م، التي بدأت في الـ16 من عمرها، عندما بدأتْ الغناء في الحفلات المدرسية؛ حيث تألّق نجمها في تونس مطلع الخمسينيات، من خلال دراستها القيمة في رحاب «الرشيدية» على أيدي الثالوث خميس الترنان ومحمد التريكي، وصالح المهدي المعروف بزرياب، وهو الذي أطلق عليها لقبها الفني عُليّة، تيمنًا بأخت الخليفة العباسي هارون الرشيد، علية بنت إبراهيم المهدي، وقد كانت شاعرة ومطربة.
وكان أول من اكتشف موهبتها المبكرة هو الموسيقار التونسي وعازف الكمان «رضا القلعي» الذي يعود إليه الفضل في اكتشاف موهبتها الصوتية باكرا بحكم مصاهرته لعائلة «الرحّال» التي كان عميدها رجل المسرح البشير الرحال؛ حيث كان متزوجًا من شقيقتها الكبرى سميرة الرحّال التي أهداها أغنية )سميرة( من تأليفه، وتلحينه، وأداء الهادي القلال.
وإذا كان صالح المهدي قد أطلق عليها لقب «عليّة» فإن صهرها رضا القلعي قد ألحقها وهي في سن المراهقة بفرقته الموسيقية التي أسسها سنة 1949م وأطلق عليها اسم «المنار»، وسمّى عليّة فتاة المنار حتى لا تتفطّن لها عائلتها المحافظة خاصّة عمّها عبد المجيد الرحال الذي كان قد كفلها بالتبني، فكانت فرقة المنار المحطة الأولى في مسيرتها الفنية حيث تألق نجمها وغنّت باسم فتاة المنار بأغنية )ظلموني حبايبي( التي سجلت بإذاعة تونس، وبعد النجاح الكبير الذي حققته هذه الأغنية لحن لها رضا أغنية ثانية تراثية أسهمت في شهرتها وهي بعنوان )يا قلبي إيش بكاك( من تأليفه وتلحينه، إلى أن غنت أمام الجمهور بحضور رئيس اللجنة العليا للموسيقى العربية بالقاهرة أحمد شفيق أبوعوف، والمطرب محمد عبد المطلب.
وواصلت فتاة المنار مسيرتها مع فرقة المنار، في صدارتها محفوفة بالمطربين الهادي المقراني، والهادي القلاّل إلى جانب عز الدين بدير، وتوفيق الناصر وصفية الشامية ونعمة وسلاف، وكانت نجمة السّهرات الرمضانية التي كانت تُحييها فرقة المنار بقاعة الفتح بباب سويقة تيمنًا باسم المطربة فتحية خيري 1916م – 1986م التي يعود إليها الفضل في التدخل لدى الباي لفتح الكافيشانطا، في باب سويقة القلب النابض لتونس القديمة، أمسيات شهر رمضان حيث احتل الغناء مكانًا مهمًا جدًا في هذه العروض، وسط المقاهي الغنائية، أو كافيشانطا كما تسمى، وتشكل عالماً جميلً للغاية تدخل الفرح في القلوب، مكان ينطلق فيه أشهر النجوم ورواد الأغنية.
أما المحطة الثانية فقد كانت الفرقة البلدية للموسيقى العربية التي تأسستْ عام 1954م وتولى قيادتها الموسيقار محمد سعادة 1937م 2004م لكنها لم تعمر طويلاً وأمست نسيًا منسيًا إلى أن أعاد إحياءها الدكتور محمد القرفي عام 1976م.
عُرض عليها المجيء للقاهرة لكنها لم تأتِ، وكان قد لمع اسمها منذ أواخر الخمسينيات، وأصبحت في بدايات الستينيات ألمع مطربة في المغرب العربي.
وفي 1957م بعد استقلال تونس تأسست الإذاعة الوطنية التونسية وتقدمت لها ونجحت وتم اعتمادها مطربة، وعندما زارت «أم كلثوم» تونس وأحيت حفلها الشهير في 1968م الذي أقيم في قبّة المنتزه، وقبل أن تشدو أم كلثوم التقت عُلَيّة بأم كلثوم وقرينة الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة وسيلة بن عمار، وغنت في حضرة أم كلثوم )يا حبيبي كل شيء بقضاء( فأثنت عليها كوكب الشرق، ونصحتها بالقدوم للقاهرة فجاءت وشاركت في مهرجان الغناء العربي وفرقة الموسيقى العربية بقيادة عبد الحليم نويرة، ونالت تقدير كل من استمع إليها.
وعادت أم كلثوم لتشيد مرة أخرى بصاحبة هذا الصوت المقبل من تونس وعاشت عُلَيّة في مصر وحققت مع ألحان حلمي بكر نجاحًا كبيرًا، وبقيت في مصر نحو 15 عامًا، عادت بعدها لتونس في 1988م، وفيها توفيت في 19 مارس 1990م.
حسن الجمال هذا عبر عن مشاعر نفسية، وارتباطات اجتماعية جمعت الليبيين بأشقائهم التونسيون، فلم تكن عُلَيّة فقط من قدمت الروائع الخالدة، بل وغنّت التونسية سُلاف أجمل الكلمات الليبية في أغنيتها )ريدي الغالي، نعدّيك يا سيّات ريدي الغالي ونقابلك بالصّبر في ما جرا لي(،.
وغنّت أيضًا )ما نحسبك خوّان يا غاليّا( التي نسبها الجزائري عبدالله المنّاعي لنفسه، لكنه تراجع وأكّد في إحدى مقابلاته على التلفزيون التونسي أنها أغنيةٌ ليبية، للّيبي بشير فهمي فحيمة.
ومن أجمل الأغنيات الليبية العذبة التي قدمتها لنا التونسية نعمة أيضًا، رائعة الموسيقار الليبي كاظم نديم التي كتب كلماتها الشاعر الليبي مسعود بشون، وتقول كلماتها: )قمري يا يُمّا كل ليلة يطلع وين يوصل بابي قدّامه يركع(.