رأي

أزمة خوف

نجاح مصدق

يولد‭ ‬الإنسان‭ ‬ويكبر‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬اعتقادات‭ ‬تشكل‭ ‬نمط‭ ‬حياته‭ ‬وملامح‭ ‬شخصيته‭ ‬ونحن‭ ‬اطفالا‭ ‬كنا‭ ‬نتخيل‭ ‬الوحش‭ ‬اوالغولة‭ ‬سوادا‭ ‬كالليل‭ ‬وبانياب‭ ‬حاده‭ ‬وعيناان‭ ‬مفترسة‭ ‬كلما‭ ‬حل‭ ‬الظلام‭ ‬واطفئت‭ ‬الانوار‭ ‬كبر‭ ‬الخوف‭ ‬وصار‭ ‬الوحش‭ ‬قريبا‭ ‬خلفنا‭ ‬و‭ ‬منعا‭ ‬الحركة

الخوف‭ ‬موجب‭ ‬للرهبة‭ ‬والتوتر‭ ‬والقلق‭ ‬نخاف‭ ‬الفقد‭ ‬والمرض‭ ‬نخاف‭ ‬المواجهة‭ ‬أحيانا‭ ‬ونخاف‭ ‬الاماكن‭ ‬المرتفعة‭ ‬والحشرات

فسر‭ ‬علما‭ ‬النفس‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬بأنه‭ ‬جزء‭ ‬متأصل‭ ‬مع‭ ‬تركيبة‭ ‬الكائن‭ ‬البشري‭ ‬وقيمه‭ ‬فمنه‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬منطقي‭ ‬ومنه‭ ‬ماهو‭ ‬غير‭ ‬منطقي‭ ‬كالرعب‭ ‬الذي‭ ‬ينشأ‭ ‬كردة‭ ‬فعل‭ ‬عضوية‭ ‬نتيجة‭ ‬تفخم‭ ‬الخوف‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬نوبات‭ ‬وتعرق‭ ‬وخفقان‭ ‬مستمر

علميا،‭ ‬تبلغ‭ ‬سرعة‭ ‬الغزال‭ ‬90‭ ‬كلم‭ ‬في‭ ‬الساعة،‭ ‬بينما‭ ‬تبلغ‭ ‬سرعة‭ ‬الأسد‭ ‬58‭ ‬كلم‭ ‬في‭ ‬الساعة‏ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تقع‭ ‬الغزلان‭ ‬فريسة‭ ‬للأسود‭!‬

‏فسر‭ ‬هذا‭ ‬بالخوف،‭ ‬فالأسود‭ ‬لا‭ ‬تفترس‭ ‬إلا‭ ‬الغزلان‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬منها‭ ‬الخوف‭!‬

ووفق‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬يرسم‭ ‬الخوف‭ ‬مسارا‭ ‬يحدد‭ ‬ماذا‭ ‬كان‭ ‬الشخص‭ ‬مهزومها‭ ‬او‭ ‬منتصرا‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬فالمهزوم‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬مهما‭ ‬توافقت‭ ‬الأسباب‭ ‬لانتصاره‭ ‬سيظل‭ ‬مهزوما‭ ‬والمنتصر‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الامد‭ ‬سينتصر‭ ‬كل‭ ‬يصنع‭ ‬خوفه‭ ‬ووكل‭ ‬مسئول‭ ‬عن‭ ‬السقوط‭ ‬فريسة‭ ‬له‭ ‬‮ ‬او‭ ‬التحرر‭ ‬منه‭ ‬‮ ‬

يحكى‭ ‬عن‭ ‬‮ ‬سقراط‭ ‬‮ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬جار‭ ‬طبيب،‭ ‬استنكر‭ ‬على‭ ‬الملك‭ ‬تسمية‭ ‬سقراط،‭ ‬بالطبيب‭ ‬الأول،‭ ‬فسأله‭ ‬الملك‭ ‬عن‭ ‬طريقة‭ ‬يثبت‭ ‬فيها‭ ‬أنه‭ ‬أكفأ‭ ‬من‭ ‬سقراط‭ ‬حتى‭ ‬يقوم‭ ‬بنقل‭ ‬اللقب‭ ‬إليه‭.‬

‏فقال‭ ‬الطبيب‭:‬

‏سأسقيه‭ ‬السم،‭ ‬ويسقيني،‭ ‬ومن‭ ‬يعالج‭ ‬نفسه‭ ‬يكون‭ ‬صاحب‭ ‬اللقب‭.‬

‏وافق‭ ‬سقراط‭ ‬وحدد‭ ‬الملك‭ ‬موعد‭ ‬بعد‭ ‬أربعين‭ ‬يوما‭ ‬للنزال

‏أحضر‭ ‬سقراط‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬الأشداء،‭ ‬وأمرهم‭ ‬بسكب‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬أوعية،‭ ‬ودقه‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬على‭ ‬مسمع‭ ‬الطبيب‭.‬

‏وفي‭ ‬يوم‭ ‬الواقعة،‭ ‬شرب‭ ‬سقراط‭ ‬سم‭ ‬جاره‭ ‬الطبيب،‭ ‬فاصفر‭ ‬لونه‭ ‬وأصابته‭ ‬الحمى،‭ ‬ولكنه‭ ‬عالج‭ ‬نفسه‭ ‬بعد‭ ‬ساعة،‭ ‬ثم‭ ‬ناول‭ ‬سقراط‭ ‬خصمه‭ ‬قارورة‭ ‬السم،‭ ‬التي‭ ‬ظل‭ ‬الرجال‭ ‬يدقونه‭ ‬أربعين

‏يوما‭ ‬على‭ ‬مسامعه،‭ ‬فلما‭ ‬شربه‭ ‬خر‭ ‬ميتا‭!‬

‏عندها‭ ‬قال‭ ‬سقراط‭ ‬للملك‭:‬

‏لم‭ ‬أسقه‭ ‬إلا‭ ‬ماء‭ ‬عذبا،‭ ‬وسأشرب‭ ‬منه‭ ‬أمامك‭!‬

‏أنا‭ ‬لم‭ ‬أقتله‭ ‬يا‭ ‬سيدي‭ ‬الملك،‭ ‬لقد‭ ‬قتله‭ ‬وهمه‭ ‬وخوفه‭!‬

وما‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬هناك‭ ‬مجتمعات‭ ‬مهزومه‭ ‬وهناك‭ ‬مجتمعات‭ ‬تنتصر‭ ‬ليقينها‭ ‬حتى‭ ‬لجات‭ ‬بعضها‭ ‬للسيطرةعلى‭ ‬الخوف‭ ‬او‭ ‬مواجهة‭ ‬الموت‭ ‬بسن‭ ‬نظم‭ ‬وقوانين‭ ‬ورموز‭ ‬لتعلي‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬وقيمة‭ ‬مسعى‭ ‬الفرد‭ ‬فيها‭ ‬وما‭ ‬يصلح‭ ‬لخلوده‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى