ثقافة

أسليمة في القائمة القصيرة لجائزة كاترا

سميرة البوزيدي

الرواية‭ ‬الليبية‭ ‬في‭ ‬رحلتها‭ ‬الطويلة‭ ‬الشاقة‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬لا‭ ‬تعبأ‭ ‬كثيرًا‭ ‬بالكتابة‭ ‬وعالمها،‭ ‬بيئة‭ ‬انشغلت‭ ‬بالحروب‭ ‬المتواصلة‭ ‬والاطماع‭ ‬والتناحر‭ ‬الداخلي،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الأسوأ‭ ‬من‭ ‬تاريخنا‭ ‬تأتي‭ ‬اضاءات‭ ‬نور‭ ‬متباعدة‭ ‬يرتفع‭ ‬فيها‭ ‬اسم‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬الوحل‭ ‬ومن‭ ‬يرفعه؟‭ ‬لا‭ ‬يرفعه‭ ‬الساسة‭ ‬ولا‭ ‬الحكام‭ ‬لا‭ ‬يرفعه‭ ‬المتناحرون‭ ‬وأدعياء‮ ‬‭ ‬الوطنية،‭ ‬لا‭ ‬يرفعه‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬بالأرواح‭ ‬في‭ ‬آتون‭ ‬الاقتتال،‭ ‬يرفعه‭ ‬أصحاب‭ ‬الكلمة‭ ‬المبدعة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬والرواية‭ ‬بالتأليف‭ ‬والترجمة،‭ ‬دون‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬هرج‭ ‬وتفاهة‭ ‬صناع‭ ‬المحتوى،‭ ‬الكاتب‭ ‬يصنع‭ ‬تاريخًا‭ ‬ومرحلة‭ ‬بالكتابة‭ ‬والفن‭ ‬الابداعي‭ ‬عموما‭.‬

الرواية‭ ‬الليبية‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬الشاقة‭ ‬أصبحت‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬العالمية‭ ‬والانتشار‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬فتزاحم‭ ‬المشهد‮ ‬‭ ‬بالاسماء‭ ‬الروائية‭ ‬الليبية‭ ‬وصارت‭ ‬تذكر‮ ‬‭ ‬في‭ ‬القوائم‭ ‬القصيرة‭ ‬والطويلة‭ ‬عبر‭ ‬أسماء‭ ‬شابة‭ ‬كـ‭)‬هشام‭ ‬مطر،‭ ‬عائشة‭ ‬ابراهيم،‮ ‬نجوى‭ ‬بن‭ ‬شتوان،‭ ‬محمد‭ ‬النعاس‭(‬،‭ ‬وغيرهم‭.‬

وخلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬القائمة‭ ‬القصيرة‭ ‬لجائزة‭ ‬‮«‬كاترا‮»‬‭ ‬في‭ ‬دورتها‭ ‬العاشرة‭ ‬وقد‭ ‬شملت‭ ‬أسماء‭ ‬روائيين‭ ‬من‭ ‬المغرب،‭ ‬وسوريا،‭ ‬والجزائر،‭ ‬وليبيا،‭ ‬وموريتانيا،‭ ‬ومصر،‭ ‬واليمن‭.‬

من‭ ‬ليبيا‭ ‬جاء‭ ‬اسم‭ ‬الروائي‭ ‬الليبي‭ ‬عبد‭ ‬الحفيظ‭ ‬العابد‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬أصدر‭ )‬ماءان‭(‬،‭ ‬وله‭ ‬كتب‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬والنقد‭.. ‬وكان‭ ‬لنا‭ ‬معه‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭.‬

من‭ ‬رواية‭ )‬ماءان‭( ‬إلى‭ ‬‮«‬أسليمة‮»‬‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تغيّر؟

التخلص‭ ‬من‭ ‬شهوة‭ ‬الحكي،‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬قول‭ ‬كلّ‭ ‬شيء،‭ ‬الرواية‭ ‬الأولى‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬ملحاحة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغي‭.‬

هل‭ ‬ترى‭ ‬أنّ‭ ‬الرواية‭ ‬الليبية‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬موازاة‭ ‬الرواية‭ ‬العربية؟‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬ينقصها‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬العالمية‭ ‬أكثر؟‭ ‬

الرواية‭ ‬الليبية‭ ‬تنفتح‭ ‬على‭ ‬التجارب‭ ‬السردية‭ ‬المعاصرة‭ ‬مع‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬خصوصيتها‭ ‬الليبية،‭ ‬واللافت‭ ‬أننا‭ ‬صرنا‭ ‬أمام‭ ‬أصوات‭ ‬روائية‭ ‬متعدّدة‭ ‬ومختلفة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬مع‭ ‬صعود‭ ‬باهر‭ ‬للرواية‭ ‬النسوية‭.‬

الرواية‭ ‬الليبية‭ ‬وصلت‭ ‬للعالمية‭ ‬فعلاً‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬أصوات‭ ‬قليلة،‭ ‬وكلّ‭ ‬ما‭ ‬ينقصها‭ ‬لكي‭ ‬تسجّل‭ ‬حضورًا‭ ‬أكبر‭ ‬اهتمام‭ ‬مؤسساتي‭ ‬بالطباعة‭ ‬والترويج‭ ‬والترجمة‭. ‬

هل‭ ‬صحيح‭ ‬أنّ‭ ‬الرواية‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬فرجينيا‭ ‬ولف‮»‬‭ ‬فنًا‭ ‬صعبًا‭ ‬ومعقّدًا‭ ‬جداً‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحوي‭ ‬قدرًاً‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬الإدراك‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬خيالاً‭ ‬جموحاً‭ ‬وجريئاً؟‭ ‬

كما‭ ‬يقول‭ ‬يونغ‭: )‬الكتابة‭ ‬حلم‭ ‬نهاري‭(‬،‭ ‬يتحرّر‭ ‬فيه‭ ‬اللاوعي‭ ‬ليمرّر‭ ‬خطابه‭ ‬ليضحي‭ ‬ربما‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬ابتناء‭ ‬الخطاب‭ ‬السردي‭.‬

بالتأكيد‭ ‬الرواية‭ ‬خطاب‭ ‬متخيّل‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬مرجعياتها‭ ‬واقعية،‭ ‬وشخصياتها‭ ‬كائنات‭ ‬ورقية،‭ ‬إنها‭ ‬تنمذج‭ ‬الواقع‭ ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬صورة‭ ‬مطابقة‭ ‬له‭.‬

احك‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬اسليمة»؟،‭ ‬وكيف‭ ‬تخلّقت‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬كتارا؟‭ ‬

‮«‬اسليمة‮»‬‭ ‬تشتغل‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬بوصفه‭ ‬التيمة‭ ‬الأهم‭ ‬فتقدّم‭ ‬شخصياتها‭ ‬مجرّدة‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬بعد‭ ‬إلا‭ ‬بعدها‭ ‬البشري،‭ ‬فتعيش‭ ‬الشخصيات‭ ‬آدميتها‭ ‬المغمّسة‭ ‬في‭ ‬ماء‭ ‬الخطيئة،‭ ‬وتعيش‭ ‬تناقضاتها‭ ‬الإنسانية‭ ‬العميقة‭ ‬عبر‭ ‬الانتقال‭ ‬بين‭ ‬فضاءين‭ ‬مختلفين‭ ‬هما‭ ‬ليبيا‭ ‬ومالطا،‭ ‬وهي‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬شخصيات‭ ‬بيضاء‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬أي‭ ‬فكر‭ ‬سياسي‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬تتأثر‭ ‬بالخط‭ ‬السياسي‭ ‬العام‭.‬

الرواية‭ ‬كفن‭ ‬تعبيري‭ ‬مميز‭ ‬هل‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المعبرة‭ ‬عن‭ ‬الظروف‭ ‬والأحداث‭ ‬التي‭ ‬تمرّ‭ ‬بها‭ ‬بلادنا؟‭ ‬

الرواية‭ ‬الليبية‭ ‬لم‭ ‬تنقطع‭ ‬عن‭ ‬واقعها،‭ ‬وهي‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬قيمتها‭ ‬الفنية‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬مضاعفة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬التأريخ‭ ‬للحياتي‭ ‬الهامشي‭ ‬والطقوسي‭ ‬والعادات‭ ‬وحتى‭ ‬اللهجة‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تتخلّى‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬خصائصها‭ ‬بسبب‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬الرواية‭ ‬وثيقة‭ ‬إنسانية‭ ‬ولهجية‭ ‬وأنثروبولوجية‭.‬

إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬يتعانق‭ ‬الخيالي‭ ‬بالواقعي‭ ‬في‭ ‬رواياتك؟

في‭ ‬النقد‭ ‬نفرّق‭ ‬بين‭ ‬المرجع‭ ‬والمتخيّل‭ ‬السردي‭ ‬والممثّل،‭ ‬ورواياتي‭ ‬ذات‭ ‬مرجعيّات‭ ‬واقعية‭ ‬لكنها‭ ‬توظّف‭ ‬هذه‭ ‬المرجعيّات‭ ‬في‭ ‬ابتناء‭ ‬متخيّلها‭ ‬السردي‭ ‬الخاص‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬كونديرا‮»‬‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ )‬فن‭ ‬الرواية‭( ‬إن‭ ‬روح‭ ‬الرواية‭ ‬هو‭ ‬الشك‭ ‬والسؤال،‭ ‬والنسبي‭ ‬وأيضاً‭ ‬أن‭ ‬كلّ‭ ‬رواية‭ ‬تطرح‭ ‬جواباً‭ ‬عن‭ ‬سؤال،‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنّ‮ ‬‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬سؤال‭ ‬هي‭ ‬رواية‭ ‬ناقصة؟‭ ‬وهل‭ ‬الروائي‭ ‬ملزم‭ ‬بتقديم‭ ‬أجوبة‭ ‬ما؟‭ ‬

السؤال‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬المعرفة،‭ ‬وهو‭ ‬جذوة‭ ‬الكتابة‭ ‬والفكر،‭ ‬وكل‭ ‬كتابة‭ ‬حقيقة‭ ‬مسكونة‭ ‬بالأسئلة،‭ ‬ومنشأ‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬الأجوبة‭ ‬الجاهزة،‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬لا‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬إجابات،‭ ‬هي‭ ‬تبذر‭ ‬الأسئلة‭ ‬ثم‭ ‬تتركها‭ ‬تنمو‭ ‬وتتناسل،‭ ‬الرواية‭ ‬تفضح‭ ‬الواقع‭ ‬وتخلخل‭ ‬بنيته‭ ‬وأركانه‭ ‬عبر‭ ‬السؤال،‭ ‬وهي‭ ‬تمرّر‭ ‬رؤاها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬معنية‭ ‬بتقديم‭ ‬الأجوبة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬أخلاقي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى