
البسيسة :
)البسيسة( بزيت الزيتون شهية على مائدة رمضان الليبية.
قال الشاعر: أحبُ الزيتَ والزيتونَ والزعترَ *** ولكن أحبُ موطني أكثرَ.
ويقول المثل الشعبي )القمح، والشعير، والزيت عمادة البيت(، ويعبّر هذا المثل عن واقع عاشه أهلنا؛ فكان همّ رب العائلة توفير ما تحتاجه عائلته على مدار العام من )قمح وشعير، وحبوب، وزيت(، لما لها من أهمية في توفير الأمن الغذائي، لأنها من أقدم المواد التي عرفها أهلنا، وكانت تُخزّن في القصور الطينية العازلة للرطوبة، والحرارة والجفاف، أما الزيت فكان يُخزّن في جرار فخارية سبق وأعدتْ للزيت فقط، واستعماله يعد من أسس الغذاء والطبخ، وإعداد المأكولات بنكهة طيبة متميزة في بلادنا.
من المتعارف عليه تشابه مكونات الأغذية لدى العديد من مجتمعات العالم؛ إلا أنّ بعض المجتمعات ابتكرتْ طرقًا في صناعة أغذيتها، وتفننت في إدخال عناصر أخرى إليها، تميزها عن باقي المجتمعات.
وتتمازج الحضارات وتتلاقح بشكل دائم؛ ما ينتج عنه تغييرات مستمرة تصيب معظم أساليب، وطرق الحياة، إلا أنه يبقى لكل مجتمع خصوصيته التي يستمدها من ما يتوفر في بيئته من مصادر، وما يحيط به من ظروف؛ فأهلنا قبل نقمة النفط لم يكونوا يشترون المعلبات على الإطلاق، فمعظم حاجاتهم متوافرة، الخضراوات، والفواكه، والحبوب يأخذونها من أراضيهم ومزارعهم وبساتينهم، والحليبُ من ماشيتهم، ويصنعون مشتقاته داخل بيوتهم، والرّب من النخيل، والمربّى من فواكه بساتينهم التي كانت تعج بأنواع الفواكه نتيجة تعدد المناخات، والتضاريس؛ فقد كانت الأسرة الليبية تستعمل عدة طرق في حفظ الأغذية، حتى أنها كانت شبه مكتفية ذاتياً، تأكل مما تنبت الأرض، وما تجود به ضروع الماشية وأبدانها من حليب ولحوم، وما تنتجه همّم الأهالي العالية التي مزجت عطاء الأرض بعرق العمل ومهارة الأم الليبية الأصيلة، )وليست الريعية التي نشاهدها في هذه السنوات العجاف، بجهلها ومفهومها المتخلف والمتعصب والمؤدلج( التي لا يمكنها حتى أن تؤمن حياة صحيحة، بل الليبية التي حرصت على استخدام مصادر الطبيعة الليبية لتقدمها حياة نظيفة ترضعها لأبنائها، ليعيشوا حياة كريمة، وبصحة ممتازة.
وعبر الزمن والهجرات المستمرة لليبيا، ونتيجة لكون ليبيا بلدًا يتمتع بأهمية؛ يتوافد إليها العديد من أبناء المجتمعات الأخرى التي تنتمي لحضارات وثقافات مختلفة، خاصة من أوروبا، وأفريقيا، وآسيا، حاملين معهم كنوز تجاربهم من بلدانهم ليضفوا خلاصة مهاراتهم إلى أهلنا في كل ليبيا، عبر تمازج ثقافي يثري المعارف، وأساليب العيش الليبية، بل وانصهروا في مجتمعنا.
وتتوارث المجتمعات أطعمتها كما تتوارث أغانيها وألبستها ولغتها وطرق عيشها وأمثالها وفنونها الشعبية. وتختص بعض القرى والمدن الليبية بأنواع من الأطعمة تتفنن في طرائق صنعها، حتى تغدوا إحدى مميزاتها التي تميزها عن باقي بقاع ومدن العالم، تقترن في آحايين كثيرة باسمها؛ فهناك
)البسيسة( الجبالية، والزوارية،
و)الحويرة( في المنطقة الوسطى، و)زميطة( الساحل، و)مثرودة( الجبل الأخضر، وغيرها.
نحن الليبيين لم نقع فقط تحت تأثيرات سلبية دخيلة سرقت البلاد والعباد، بل وقعنا في محن كبيرة، نتيجة ابتعادنا عن الطبيعة، ومنتجات أرضنا، التي سُلمت لدخيل، حرق تربتها، والنتيجة غصت القرى والمدن، بالأورام السرطانية التي فتكت بالكثير من النَّاس، وما يخجل هو مساهمة الكثير من الليبيين في هذا الوضع، لطمع وجشع، وما تسبب في زرعه حصده، وأخذه هو الآخر لذلك، يجب على كل ليبي، وليبية الوقوف في وجه كل محاولات التدمير بسلاح قوي هو مخاطبة الضمائر الحيَّة لمعرفة حقيقة هذه الأوبئة ومحاربتها، واستئصالها من أرضنا !.
وتعد )البسيسة( إحدى الأكلات الشعبية القديمة والمشهورة في الدول المغاربية، بدءًا من ليبيا وحتى المغرب، مرورًا بتونس والجزائر، يطلق عليها في بعض المناطق الجزائرية )الروينة(، وكلمة )بسيسة( تطلق على أكلة أخرى، بينما يطلقون عليها في منطقة عين الأبل اسم )الكعبوش(، لكن في الشرق الجزائري يطلق عليها )البسيسة(، وهي نفسها المعروفة في ليبيا وتونس، وانتقلت )البسيسة( أيضاً إلى الأردن وفلسطين باسم آخر هو «الحبيك»، ويعني الوجبة الأولى في اليوم، وما يميز )البسيسة( أنها أكلة الفقير والغني معًا ..
)البسيسة( مصدر للبروتينات النباتية والأملاح المعدنية والفيتامينات، ونسبة عالية من السكريات البطيئة الامتصاص؛ حيث تكون مصدرًا مهمًا لطاقة الجسم، وينصح أختصاصيو التغذية بتعويد الأطفال عليها، تختلف مقاديرها وطرق تحضيرها من منطقة إلى أخرى، فكل منطقة تضع بصمتها الخاصة، ويمكن تناولها إما كسائل؛ حيث تخلط بالماء، أو الحليب، كما يمكن أن تخلط بزيت الزيتون، وربما بالعسل، لتصبح في قالب عجين، وتستهلك على هذه الحالة، وقد تؤكل مجردة، أو بالخبز، وألذ طعم عندما يوضع عليها التمر، أو التين.
في زمن كان المسافر يتزود بها في ترحاله وسفره، وذلك لسهول حملها وقيمتها الغذائية، وتتكون )البسيسة( من خليط من قمح «طعام»، شعير، كمون حلو «ينسون»، كمون عريض، كسبر، كركم، جلجلان، حمص، بسباس، حلبة، زعتر «لمن يرغب»، وتتحمس بالرمل الساخن في الــ «حمّاس» وهو إناء كبير له شكل معين، الشعير والقمح لهم خطوات أخرى ليس التحميس، ويضاف لهما السمسم، والكركم، والكمون الحلو، وقليل من الزعتر، واكليل الجبل متحمسين، وكسبر، كلها بالنسب، ثم تطحن كل المكونات، وتخلط بالسكر، والزيت، ويتم تزيينها بالمكسرات.
وتختلف أنواع البسيسة، توجد بسيسة الكمامين التي يضعون بها الزعتر والاكليل، والكمون الحلو، والبسباس الرقيق، والكسبر، مع الفول، والحمص، والعدس، بنسب معينة، ويتم تحميسها على النَّار، وبسيسة الحلبة وهي كل ما ذكر مع الحلبة، وبسيسة التمر التي تتكون من حبوب الحمص فقط،» أو الحمص والعدس، وبعد أن يتم رحي المقادير تخلط بزيت الزيتون، وسكر مرحي، والحلوى الشامية، واللوز حسب الرغبة، وبسيسة التمر تخلط بزيت الزيتون مع قطع من التمر منزوع النواه.
طريقة الإعداد: تنقى الحبوب من الأوساخ وتغسل وتجفّف في الشمس. تحمس على نار هادئة الا الحلبة فتطفئ النَّار وتوضع في الحماس وهو ساخن، تدق الحبوب والقمح والشعير كل على حدى في مهراس الخشب. بواسطة )جلوال الحديد( تنقى الحبوب، ثم تؤخذ إلى الطاحونة بعد خلط كل المكونات مع بعض، تغربل وتخلط المقادير جيدًا حتى تدخل النكهات ببعضها، يضاف إليها السكر الناعم حسب الرغبة وتخلط جيدًا، تحمس على النَّار وتطحن، تم نأتي بالتمر، نأخذ الخليط الذى تم طحنه ونفرك به التمر حتى تصبح متماسكة تم نسكب علية القليل من زيت الزيتون، وقليل من السكر الخشن «حسب الرغبة» هذه نوع من البسيسة، وهناك من يفضل إضافة تمر وشامية وعسل وشكولاتة ومكسرات.
وصف كتاب الأغذية التقليدية في الشرق الأدنى، لمنظمة الصحة العالمية، البسيسة كالتالي: من الأكلات التراثية الشائعة في الدول المغاربية، تحضر من الحبوب فقط مثل : الشعير أو القمح، أو من خليط من الحبوب والبقول؛ حيث تحمص الحبوب، وتخلط بمسحوق الجزر، أو بالسكر، وزيت الزيتون، وكان المصدر الوحيد لغذاء الرعاة، أو المسافرين لبضعة أيام.