أمين مازن يكتب عن عبدالسلام التهامي
كان السيد عبدالسلام التهامي أحد المدرسين المميزين في خمسينيات القرن الماضي، جامعًا على الأرجح بين العلم والعمل، مما دفع العيون الوطنية الراصدة إلى أن لا تتوقف أمام أدائه في مجال التعليم وحسب، وإنما شجعته على خوض المعركة الانتخابية عندما حان موعد انتخاب الهيئة النيابية الثالثة في العام الستين و التسعمائة والألف مرشحًا بين دوائر المدينة الخمس ليحقَّق فوزاً ساحقاً كان حديث الكثير من المراقبين ممن ثبت لديهم أن كل مَنْ يثابر على أداء واجباته يمكنه الصعود إلى ماهو أكبر مسؤولية، لا فرق أن يكون سليل الأسر المعروفة، أو من الذين يفوزون بالتعاطف لقاء ما يحرصون على أدائه في حدود المستطاع كما تشهد سيرة السيد عبدالسلام التي لا حرج من وصفها بالعطرة عندما شاءت الأقدار أن تبوئه عضوية مجلس النواب في أنزه انتخابات عرفها تاريخنا السياسي والتي أكد هذا الرجل من خلال ما أثار من النقاش واتخذ من أنواع الاصطفاف كل ما يدل على أهليته، ويكفي أن نذكر موقفه الصلب من تباطؤ السلطة في إصدار قانون المخصصات المتعلق بنصيب الولايات من الميزانية الاتحادية، وما يستوجبه ذلك القانون من المعايير التي لا بد أن يكون من بينها دور كل ولاية في الموارد واستحقاقات عدد السكان مما يقلل الاستجابة لنداء العاطفة التي كثيراً ما يقلبها بعض من لديهم القرار عندما رأيناهم لا يسأمون الحديث عن أضرار الحرب واتخاذهم إياها مبرراً للهروب مما يفرضه العدد البشري من المخصصات التي لابد أن تكون مناسبة للإسهام و الاحتياج و اختلاق المبررات، و قد تحدث الرجل بكل ما لديه من الحجج الموجبة لإصدار القانون المصار إليه، و من ثم ذهب إلى صفة أكثر عملية عندما طلب تطوير السؤال الذي تقدم به في الخصوص إلى مناقشة ليكون النواب جميعاً أمام مسؤولياتهم مخالفاً لما درج عليه بعض النواب من تحويل أسئلتهم إلى استجواب، حيث المجال الأوسع للجدل وتسجيل المواقف أكثر من تحقيق النتائج والتي تتكفل بها طلبات المناقشة والسعي للتفاهم، وهي ذات الروح بدت واضحة عند مناقشة التشريع الرامي إلى إعفاء بعض الاستثمارات الفندقية من ضرائب الدخل لمدد محدودة لما في هذه الإعفاءات من تشجيع للرأس مال الوطني من المساهمة في تطوير البلد و تنمية الموارد، فقد رأيناه على الرغم من أن الجهر بالمعارضة أكثر تأثيراً على العواطف لم يتحرج من الإشادة بخطوة الإعفاء من الرسوم، فيما وجدناه يتصدى بكل القوة للفارق الذي جاءت به الحكومة في علاوة العائلة التي صرفت لموظفي الدولة، عندما منحت أصحاب الدرجات الكبيرة مبالغ تزيد على غيرهم من صغار الموظفين مع أن الليبيين يتساوون دستورياً في الحقوق و الواجبات، فلم يصمت حتى تعهدت الحكومة بالتسوية بين الجميع و قد حدت هذه النظرة الصارمة بالحكومات المتعاقبة إلى تجنب كل ما يمت إلى عدم الاحتكام إلى ما سوى الدرجات المحدَّدة قانونا، فصارت علاوة العائلة متساوية بين الأطفال والزوجات، والشيء نفسه بالنسبة لعلاوة السكن التي استحدثت بدل الايجار الذي طالما تحصل عليه البعض وحرم منه البعض الآخر، فعممت العلاوة على الموظفين كافة وبنسبة محددة وشاملة وبحد أدنى حال دون حرمان أصحاب الدرجات الصغيرة، فصار ضرورياً والحالة هذه أن يسود التقليد الرامي إلى الأخذ بأيدي أصحاب المداخيل المحدودة وبالمقابل لم يعد من الممكن أن يسمح لأصحاب المداخيل المشجعة على النشاط الخاص أن يفرض عليهم الأداء الضرائبي القادر على التخفيف من إذكاء روح التطاحن بين فئات الشعب. و قد أكمل السيد عبدالسلام التهامي الدورة النيابية ومن الممكن القول أنه انزوى لشئونه والاكتفاء بما تحقق له حتى شمله التعيين في آخر زيادة طرأت على مجلس الشيوخ عندما أظيف ثمانية عشرة عضو إلى المجلس كان من بينهم السيد عبدالسلام التهامي ضمن توجه لم يكتب له أن يسود في السنوات الأخيرة من ستينيات القرن الماضي والمتزامنة مع آخر سنوات النظام الملكي، ولكن الرجل كان من القلة التي لم يعرف عنها أي سعي لتسلق ركب العهد الذي أطاح بالملكية و التي لم يعرف عن التهامي أي سعي لنيل ما درجت على إغداقه تجاه نظرائه في العمر والمكانة والموقف، وكان ما كان منهم من الممارسات التي عذرهم عليها البعض و أدانها عليهم بقسوة البعض الآخر، و يقيني أن كل من تطلعت نفسه إلى التوثيق لأعلام المدينة الذين تبوأوا مقاعد المجالس بدولة الاستقلال سيفرد من الصفحات التي تعطي السيد عبدالسلام التهامي صفة الرجل الذي أدى ما عليه للوطن في هدوء لا يذكر إلا بمزيد التقدير ووافر الإكبار.