رأي

اطرابلس‭ ‬أم‭ ‬الزهر‭ ‬والحنة‭ ..‬

معمر‭ ‬الزايدي

العالم‭ ‬بأسره‭ ‬يتابع‭ ‬مايجري‭ ‬في‭ ‬عاصمتنا‭ ‬اطرابلس‭ ‬من‭ ‬أقتتال‭ ‬وصراعات‭ ‬دموية‭ ‬وتجاذبات‭ ‬جهوية‭ ‬وسياسية‭ ‬وفتن‭ ‬وتصعيد‭ ‬للأحداث‭ ‬غير‭ ‬معقول‭ ‬وخصوصا‭ ‬وسط‭ ‬الاحتقانات‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬نمر‭ ‬بها‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬هش‭ ‬لايحتمل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التشنج‭ .‬

وعلى‭ ‬مايبدو‭ ‬أن‭ ‬أطراف‭ ‬الصراع‭ ‬الظاهرة‭ ‬ليست‭ ‬برأيي‭ ‬الفاعلة‭ ‬وحدها‭ ‬بقدر‭ ‬ماهي‭ ‬منفعلة‭ ‬وفق‭ ‬إرادات‭ ‬أخرى‭ ‬متعددة‭ ‬تنبني‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬وأهدافها‭ ‬ولايستثنى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أحد‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬أو‭ ‬الخارج‭ .. ‬

تزامن‭ ‬هذا‭ ‬العنف‭ ‬مع‭ ‬حملة‭ ‬مقاطعة‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ (‬كما‭ ‬يبدو‭) ‬لتاجر‭ ‬تغول‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬وشعر‭ ‬بأنه‭ ‬يمتلك‭ ‬القرار‭ ‬السيادي‭ ‬فجوبه‭ ‬بالصد‭ (‬في‭ ‬رأيي‭) ‬من‭ ‬قبل‭ ‬تجار‭ ‬آخرين‭ ‬لهم‭ ‬نفس‭ ‬القوة‭ ‬والطموح‭ ‬وذلك‭ ‬بتسليط‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬عليه‭ ‬منتهزين‭ ‬تصريحاته‭ ‬وتم‭ ‬الإشتغال‭ ‬عليه‭ ‬عاطفيا‭ ‬ليدخل‭ ‬الظل‭ ‬ولو‭ ‬مؤقتا‭ ..‬

ماجعلني‭ ‬أشير‭ ‬للمقاطعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬هو‭ ‬مايجري‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬من‭ ‬إحتراب‭ ‬ورصاص‭ ‬وقتل‭ ‬وتصعيد‭ ‬للمشهد‭ ‬الدموي‭ ‬والتحول‭ ‬المفاجيء‭ ‬للمشهد‭ ‬السلمي‭ ‬والتظاهر‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬بعد‭ ‬ليلة‭ ‬دامية‭ ‬لم‭ ‬تعرفها‭ ‬العاصمة‭ ‬طرابلس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ .. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬المخرج‭ ‬يريد‭ ‬أدخال‭ ‬تعديلاته‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العام‭ ‬لكنه‭ ‬نسى‭ ‬أن‭ ‬طرابلس‭ ‬أكبر‭ ‬منه‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬مسرحياته‭ ‬الهزيلة‭ ‬والهزلية‭ ..‬

نسي‭ ‬الجميع‭ ‬سواء‭ ‬الفاعلين‭ ‬الحقيقيين‭ ‬أو‭ ‬المتصدرين‭ ‬للمشهد‭ ‬أن‭ ‬طرابلس‭ ‬عمرها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬ألاف‭ ‬سنة‭ ‬وجذرها‭ ‬في‭ ‬عصب‭ ‬التاريخ‭ .. ‬واجهت‭ ‬جحافل‭ ‬الوندال‭ ‬والرومان‭ ‬وفرسان‭ ‬القديس‭ ‬يوحنا‭ ‬والترك‭ .. ‬إمتصت‭ ‬الجميع‭ ‬وقذفتهم‭ ‬في‭ ‬مزابل‭ ‬التاريخ‭ ..‬

دون‭ ‬أن‭ ‬يهتز‭ ‬لها‭ ‬جفن‭ ‬أو‭ ‬تتحرك‭ ‬من‭ ‬مكانها‭ .. ‬

طرابلس‭ (‬أم‭) ‬الزهر‭ ‬والحناء‭ .. ‬والأم‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬أبنائها‭ ‬بشراسة‭ ‬الغريرة‭ ‬وقوة‭ ‬من‭ ‬جبل‭ ‬الأساطير‭ ‬وهي‭ ‬مقدسة‭ ‬كأم‭ .. ‬مقدسة‭ ‬كهوية‭ .. ‬ومقدسة‭ ‬كتاريخ‭ ‬وشرف‭ ‬وعرض‭ ‬ومعنى‭ .  ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬يعي‭ ‬أولئك‭ ‬المتصارعين‭ ‬بجميع‭ ‬صفاتهم‭ ‬معنى‭ ‬هذه‭ ‬الأم‭ … ‬هل‭ ‬يعتقد‭ ‬كل‭ ‬المتصارعين‭ ‬من‭ ‬تجار‭ ‬وسياسيين‭ ‬وعصابات‭ ‬وميليشيات‭  ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأم‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬الحركة‭ ‬والتفاعل‭ ‬وخلق‭ ‬الجدارة‭ ‬وتحقيق‭ ‬الحق‭ ‬وإيقاف‭ ‬التلاعب‭ ‬بأبنائها‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ .. ‬

معلومة‭ ‬وردتني‭ ‬الآن‭ ‬وأن‭ ‬أسطر‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ .. ‬طرابلس‭ ‬أم‭ ‬الزهر‭ ‬والحناء‭ ..‬

هي‭ ‬أمك‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬روحك‭ ‬تحتوى‭ ‬على‭ ‬الزهر‭ ‬أو‭ ‬الحناء‭ ‬هي‭ ‬أم‭ ‬لكل‭ ‬نقي‭ ‬مزهر‭ ‬وجميل‭ ‬السريرة‭ .. ‬وليست‭ ‬أم‭ ‬الأوغاد‭ ‬الذين‭ ‬ستبصقهم‭ ‬إطرابلس‭ ‬في‭ ‬مكب‭ ‬النفايات‭ ..‬

ثلاثة‭ ‬ألاف‭ ‬سنة‭ ‬شامخة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬كعاصمة‭ ‬عالمية‭ ‬وتتوقع‭ ‬إنها‭ ‬بتعجز‭ ‬عن‭ ‬شوية‭ ‬لعب‭ ‬فروخ‭ ….‬

أفيقوا‭ .. ‬راهو‭ ‬كان‭ ‬غيركم‭ ‬أشطر‭ ..‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى