عنوان كتاب أنجزه الدكتور مختار كرفاع وأصدرته جامعة الزاوية، قدمه المؤلف بالموسم الثقافي لمركز الجهاد، أُثيرَ حوله نقاش سُعِدتُ بأن أكون أحد المشاركين فيه انطلاقاً بصلتي بهذا الرجل الجامع بين الاختصاص التاريخي والاهتمام الشمولي، إذ يندر أن يغيب عن أي موسم غير عابئ ببعد المسافة ومشاق الطريق، منذ أن تمكن من إتمام رسالة الماجستير والتي كرّسها لتاريخ الطبقة العاملة بإشراف الدكتور عقيل البربار والذي أناط به تقديم هذا الكتاب أيضاً من باب الاحترام والوفاء والإعزاز.
بلغت صفحات الكتاب مائتي صفحة مُقسَّمة إلى تسعة فصول، مؤكدة في مجملها أنها ثمرة قراءة متأنية لمحتويات هذا الأرشيف ومن نظرةٍ تُفصح عن قدر غير قليل من الموضوعية، فيتوجب على كل من يستهويه الإنصاف ألّا يستكثر الإشادة بوضوح الجهد وبالذات عند ملاحظة ما تنطوي عليه عقول الكثيرين من التطوع بالتشكيك في كل ما هو روسي ولو كانت روسيا هذه قد تبنّت كل ما هو اشتراكي إلى الحد الذي قد يطال الحروف الهجائية لمن يُعبِّر باللغة العربية، لقد كان مفيداً جداً أن ينتبه الباحث وهو يراجع ما وجد في ذلك الأرشيف عن ليبيا إلى الحرب التي اشتعلت بين تركيا والإيطاليين وأن ما نشرته بعض الصحف عن حرب طرابلس عبر معركة الهاني وما رافقها من الوحشية واستهجانها بل واستنكارها لم يأتِ نتيجة الانحياز للمناضلين الليبيين، حتى أن بعض القراءات رأت في الهوية البرجوازية عقب سيادة الثورة البلشفية ما برر عدم الاكتراث بما يخوضه أولئك المجاهدون من المعارك، إلا أنه مع كل هذه الوقائع لم يُهمل عدم وجود الدافع المصلحي والذي يفرض من المواقف ما قد يكون أكثر حسماً، غير أن النقطة التي لم تسترع انتباه الباحث المحترم ربطه بين سبتمبر 69 والتوجه إلى روسيا، فالتوجه حدث بالفعل ولكن عقب الكثير من المتغيرات والتي بدأت مع ما طال العالم وليس المنطقة، فنحن إن ننسى لا ننسى أول تصريح جاهرَ به قادة تلك الأيام بأن الغرب أقرب من روسيا، لأن الغرب أهل كتاب، كما أن مثل هذه الروح، هي التي حدت بالسفير بالمر أن يُنبّه إلى ما اعتزمه السيد عمر الشلحي تجاه جماعة الفاتح في الأشهر الأولى من وقوع ذلك التغيير كما جاء في شهادة السيد عبد المنعم الهوني حول أحداث تلك الفترة وما كتب فتحي الديب عن الفترة الأولى من نظام سبتمبر وما شاع فيها من التحسس من كل ما يمُت إلى اليسار بصِلة والتي لم تقف عند مضايقة كل من يشتبه في هويته اليسارية، ليبياً كان أو غير ليبي، والحديث في هذا الصدد يطول إلا أن الذي لا شك فيه هو أن الانفتاح على روسيا لم يتم إلا عندما ثبُتَ أن روسيا تتصرف كدولة ذات مصالح، وأن آخر ما يمكن أن تفكر فيه هو الاتجاه الاشتراكي، لقد زالت المرحلة بالكامل ويبقى تضلّع الدكتور مختار في ما درس وما خرج به من الخبرة عن كنوز ذلك الأرشيف، استطاع أن يخرج بعمله الأكاديمي هذا، وكم نتمنى أن يواصل عطاءه ويستمر في هذا التوجه المتمثل في استثمار ما لديه من المعرفة إلى كُتب تؤكد أنه لم يتوقف عند نيل الشهادة كما يفعل البعض، ولكنه يعزز ما لديه بالمواصلة ليفيد ويستفيد فبذلك وحده يَسْعَد ويُسْعِد بحول الله.