رتوش
للإبلُ مكانةٌ رفيعةٌ، وشأنٌ عظيمٌ عندَ الليبيينً على مرِّ الأزمنة والعصور، فهي رفيقةُ الصحراء، ومركوبُ الشدائد، وأهمُّ وسيلة نقل عند البدويِّ، فمنها يحصلُ الإنسانُ على أجود حليب على الإطلاق، فضلاً عن وبرها الذي يَنْسجُ منه كساءَهُ وبيتَهُ وبعضَ احتياجاته اليوميَّة الأخرى. ولها منزلةٌ مرموقَةٌ لدى الجميع وعلى كافة المستويات، نظراً لما تمثّلُهُ من قيمةٍ اجتماعيَّةٍ واقتصاديَّةٍ، في ليبيا، ولعظمة الإبل بين سائر الحيوانات، وسموِّ قدرِهَا، وإعجازِ خلقِهَا فقد خصَّها اللهُ عزَّ وجلَّ بالذكر في القرآن الكريم تنبيهاً لعظمة خلقه، وتنبيهاً إلى ما يتجسَّدُ في هذا الكائنِ الغريبِ من أسرارٍ عظيمةٍ وخفايا خَلْقيَّةٍ معجزةٍ، ودعوةً للتأمُّلِ في عظمةِ خلقِ الخالقِ الجليلِ، وتحدٍّ للعصاةِ المتقوِّلينَ والمتشكِّكينَ في قدرتِهِ، فضربَ بها مثلاً على قدرتِهِ العظيمَةِ التي خَلَقَتِ الإِبلَ، حيث قال عز وجل في كتابه العزيز: أفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ .. من سورة الغاشية الآية 17.
فقد اهتمَّ اللِّيبيونَ بتربية الإبل والعناية بها، إذ كانت قبلَ دخول عصر الآلة رفيقةَ الإنسان الصحراويّ الأولى، لذا نشأت بين الإنسان وإبله علاقةٌ عاطفيَّةٌ تصلُ أحياناً إلى إنزال الناقة منزلة الأبناء والزوجة، ذلك من خلال الاعتناء بها ورعايتها والذود بالنفس لأجلها.والإبلُ محورٌ من محاور التراث الشعبيّ الخالد فلها حضورُهَا الدائمُ في قصص الأوائل وفي إشعارهم وأقوالهم المأثورة، حيث يذكرونها اعتزازاً وافتخاراً بها، كما تُضربُ بها الأمثالُ في التحمُّل والصبر وطول السفر، ألم تكنْ العونَ الأوَّلَ للإنسان قبلَ ظهور الآلات والمعدَّات الحديثة، فعلى ظهورها تُحْمَلُ الأمتعةُ والحاجيَّات، وتنقلُ منتجعاتٌ بأكملها عندَ الرحيل بحثاً عن الماء والكلأ، كما تُحمل عليها البضائعُ من وإلى الأسواق، فضلاً عن كونها تحرثُ الأرضَ، وتُجْمَعُ على ظهورها المحاصيل، ويتم بواسطتها درسها وحملها إلى الكهوف لتخزينها.
كما أنَّ أهل البادية يَزَفُّونَ عليها عرائسَهم، فَيُوْضَعُ على ظهرها الهودجُ، والمسمَّى عندهم بـ (الكرمود) فتمضي الناقةُ الذلولُ بخيلائها المعهود تَتَهَادى في رفقٍ بالعروسِ مُشَاركةً في العرسِ، فقد كانت من ضرورات أفراحهم، بل كانت تقومُ مقامَ السيارات الفارهة التي تتولَّى هذه المهمَّةَ الآن، ومما يُظْهرُ تعلُّقُ أهل البادية بالإبل دخولُهَا قاموسَهم اليوميَّ، بذكرها في تعابيرَ وأمثال شعبية كثيرة تُظهرُ اهتمامَهم بها، وتُسَاقُ دليلاً على أنها تمثّل قيمةً كبيرةً في حياتهم، وللإبل في المجتمع اللِّيبيّ قانونُها العرفيّ الخاصّ المتَّبع منذ مئات السنين، وهذا العرف له أحكامٌ يحتكمُ إليها الناسُ لمعرفتهم الكبيرة بتفاصيله، ورأيهم هو القولُ الفصلُ في المشاكل التي تحدثُ حولَها. كما كانت الإبلُ السندَ الحقيقيَّ لليبيين إبَّان الغزو الإيطالي البغيض، فَحَارَبَت معهم بكلِّ قوَّة. فكانت تحملُ المقاتلينَ ومؤنَهم وعدَّتَهم وعتادَهُم، فهي تمثِّلُ الشؤونَ الإداريَّةَ الفعَّالةَ التي تفشلُ بسببها اليومَ الجيوشُ التقليديَّةُ. والإبلُ مخلوقٌ غريبٌ عجيبٌ في خلقه وطبيعته وقدرته على التحمُّل والتكيُّف معَ مناخات بالغة الصعوبة، والعيش في أمكنة صعبة، والصبر على شُحّ الماء وقلَّة العشب، ولا تزالُ مكانةُ الإبل محفوظةً لدى كلِّ اللِّيبيِّينَ، ولا يزالُ الشعرُ الشعبيُّ، السّجلُّ الخالدُ الْمُخَلَّدُ يفردُ لها مساحاتٍ شعريَّةٍ وَاسِعَةً عبرَ آلافِ القصائِدِ، فلا تخلو قصيدَةٌ شِعْريَّةٍ من ذكرِ الإِبلِ، والتغنِّي بجمائِلِها وفضائِلِها، والإِشادةِ بحسنِ رفقتِها للإنسانِ البدويِّ عبرَ كلِّ الحقبِ والأزمانِ، وخيرُ دليلٍ على ذلكَ أنَّ كلَّ مسابقاتِ الشعرِ الشعبيِّ السنويَّةِ التي تقام على مستوى ليبيا تكون في تراتيبها الأولى قصيدة عن الإبل. ولعلَّ من أبرز القصائد التي أعطت الإبل حقّهَا من الإشادة بصفاتها، وسرد فضائلها قصيدةُ الشاعر المرحوم إبراهيم أبو صوكاية الفاخري التي يقول مطلعها:
شايلينك وأنتِ اللِّي شيَّاله .. الدنيا قديما كلّ يوم بحاله. لقد وضع أجدادنا قواعد لتربية الإبل تعدُّ قوانينَ لا يجوزُ المَسَاسُ بها ومن الأشياء المعروفة عن الإبل أنها إذا وردت بئراً فإن أوَّلها لا ينظر إلى آخرها، وإذا وردت العيون والمجاري المائية التي لها سيول تحت الأرض فأنها لا تتحرَّك أبداً. وتعرف الناقة إذا شربت الماء من عدمه، وذلك من خلال ذيلها إذا كان به عرق (عبس) يكون ملتصقاً ببعضه، وهذا يعني أنها وردت المياه في فترة قريبة. وإذا كان ذيلها لا يوجد به عرق (عبس) ويكون سبيبه منتشراً وغير متماسك ببعضه فهذا يعني أنها لم تشرب منذ فترة طويلة.
والناقة التي لم تشرب لمدة شهر أو شهرين تسمَّى (لاوية) وإذا لم تشرب خلال ثلاثة أشهر تسمَّى جازية. ويقولون إنَّ الإبل تفرض على صاحبها ثلاثة أشياء لا يعرفها وهي: التجوُّل، والكرم، والشجاعة. ويوضع على الإبل علامة خاصَّة تسمَّى السيمة أو المحور، ولكل قبيلة سيمة خاصة بها، ويتُّم وضعها بواسطة قضيب من الحديد يسمَّى (المحور) وهو ما يعرف في العربيَّة بـ (الميسم) حيث يتم تسخينه بالنار حتى يحمرَّ، ويمرَّر على جسم الدابَّة في المنطقة المختارة. وحليبُ الإبل دواءٌ نبويٌّ شاف لكثير من الأمراض المعروفة وغير المعروفة، فقد وردَ عن الرسول قولُهُ: (تداووا بحليب الإبل وأبوالها)، وقد أثبتَ الطبُّ الحديثُ أنَّ في حليبها وأبوالها أدويةً ناجعةًّ لكثير من الأمراض، وفي مقدمتها أمراضُ الكبد والمعدة وغيرها. ومما أدركَهُ أهلُ الباديَة عن فوائد حليب الناقة إنَّه إذا تعسَّرت ولادة المرأة وطالت مدَّة المخاض أكثر ممَّا ينبغي فإنَّهم ينصحونَ المرأةَ الحاملَ بأكل لحم الإبل، ويعتقدون أنَّه يسهّل الولادة.
وللأبل اعمار والوان واسماء الأبل!.
اولا الاعمار
عمر سنه واحدة يسمى حوار، سنتين يسمى بن عشار، ثلاثة سنوات تسمى بنت لبون، اربع سنوات تسمى حقه، خمس سنوات تسمى جدعه، سته سنوات تسمى ثني اوثنيه، سبع سنوات تسمى رباع، ثماني سنوات تسمى على اول، تسع سنوات على ثاني الاعداد، عشره تسمى درز، من عشره الى اربعين تسمى عذلاقه، من اربعين الى مائه تسمى مراح، من مائه الى مائه وخمسون تسمى ذود، اكثر من مائه وخمسون تسمى ركيّب.
الوان الابل
للابل تسعة الوان هي:- حمراء ذات اللون الاحمر او البني الغامق، صفراء ليست بلون الاصفر المعتاد لكنه خفيف ولها لون غامق ناحية الاكتاف، شقراء، بيضاء وهذا اللون معروف ناصع البياض، شعلاء وهو لون يعكس اشعة الشمس وناعمة الوبر، حجلاء وهي تكون ارجلها تميل الى البياض، خضراء لكن ليس اللون الاخضر المعتاد، زرقاء شديدة السواد، زغرافي لونها ابيض وفيها بقع سوداء. حقاً إنَّ في خلقها عَجَباً عُجُاباً، فسبحانَ الخالق المعجز القائل في معجزته البيانيَّة الخالدة: أفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ.