رأي

البحث ‬عن‭ ‬الذات‭ ‬

معمر‭ ‬الزايدي

سؤال‭ ‬الوجود‭ ‬نطرحه‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬دائما‭ ‬ونحن‭ ‬ندري‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬ندري‭ . ‬أي‭ ‬ونحن‭ ‬نعي‭ ‬أهمية‭ ‬وجودنا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بكل‭ ‬مانحتوي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬الإمكانيات‭ ‬والممكنات‭ ‬والمستحيلات‭ ‬أو‭ ‬الصعاب‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬تحديا‭ ‬نتعرض‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أوقاتنا‭ .‬

أو‭ ‬كنا‭ ‬لانعي‭ ‬ولكننا‭ ‬نتحرك‭ ‬داخل‭ ‬الخضم‭ ‬اليومي‭ ‬في‭ ‬إيقاع‭ ‬العادة‭ ‬وتكرار‭ ‬السلوك‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬أشبه‭ ‬ماتكون‭ ‬بالصراع‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬دائرة‭ ‬محورها‭ ‬الذات‭ ‬والأنا‭ ‬والحلم‭ ‬والمتخيل‭ ‬وتكتنفها‭ ‬كل‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬نعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تعترض‭ ‬سبيلنا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ذواتنا‭ .‬

ولا‭ ‬تدخر‭ ‬جهداً‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬إنتشارنا‭ ‬والسيطرة‭ ‬علينا‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬وبالتالي‭ ‬تحجيمنا‭ ‬أو‭ ‬تقزيمنا‭ ‬لنبدو‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬نجاهد‭ ‬للخروج‭ ‬منه‭ ‬وعنه‭ .‬

هذا‭ ‬الصراع‭ ‬نتصوره‭ ‬غالباً‭ ‬من‭ ‬خارجنا‭ ‬ومن‭ ‬غيرنا‭ ‬الذي‭ ‬يروق‭ ‬لنا‭ ‬وصفه‭ ‬بالمحاسيد‭ ‬وأصحاب‭ ‬النوابا‭ ‬غير‭ ‬الحسنة‭ ‬أولاد‭ ‬الحرام‭ ‬اللي‭ ‬لايناموا‭ ‬ولايخلوا‭ ‬غيرهم‭ ‬بنام‭ ‬أعداء‭ ‬النجاح‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإسقاطات‭ ‬التي‭ ‬برأيي‭ ‬لاتنتمي‭ ‬للحقيقة‭ ‬بشيء‭ ‬اللهم‭ ‬الا‭ ‬في‭ ‬النزر‭ ‬اليسير‭ ‬غير‭ ‬المؤثر‭ ‬لو‭ ‬كنا‭ ‬فعلا‭ ‬نتوفر‭ ‬على‭ ‬النجاح‭ ‬كمكتسب‭ ‬ثمين‭ ‬تولد‭ ‬عن‭ ‬مكابدة‭ ‬وبحث‭ ‬وجهد‭ ‬مبذول‭ .‬

لكنني‭ ‬أرى‭ ‬أننا‭ ‬ناجحون‭ ‬بالصدفة‭ ‬ونعتقد‭ ‬أن‭ ‬جهدنا‭ ‬تكلل‭ ‬بالنجاح،‭ ‬نحن‭ ‬فعلا‭ ‬نتاج‭ ‬صدفة‭ ‬وفرصة‭ ‬وخارجين‭ ‬عن‭ ‬المنطق‭ ‬ولا‭ ‬أعمم‭ ‬وإنما‭ ‬أشير‭ ‬الى‭ ‬حالة‭ ‬عامة‭ ‬تعني‭ ‬جانب‭ ‬مهم‭ ‬وشريحة‭ ‬عريضة‭ ‬ومؤثرة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ . ‬

إن‭ ‬مانعتقدهم‭ ‬أعدائنا‭ ‬وعصا‭ ‬دواليبنا‭ ‬ليسوا‭ ‬خارجنا‭ ‬بقدر‭ ‬ماهم‭ ‬فينا‭ ‬يسكنوننا‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أضافرنا‭ ‬كبرنا‭ ‬معهم‭ ‬وفيهم‭ ‬وعرفنا‭ ‬حيلهم‭ ‬وألاعيبهم‭ ‬وأفشلنا‭ )‬بذكائنا‭( ‬مؤامراتهم‭ ‬ولكنهم‭ ‬لايتوقفون‭ … ‬ولن‭ ‬يتوقفوا‭ ‬لأنهم‭ ‬في‭ ‬داخلنا‭ . ‬يتنفسون‭ ‬الهواء‭ ‬الذي‭ ‬نتنفسه‭ ‬ويشربون‭ ‬من‭ ‬كؤوسنا‭ ‬وينامون‭ ‬معنا‭ ‬بعد‭ ‬ليل‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬التحدث‭ ‬معهم‭ .‬

وهذي‭ ‬حيلة‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيجاد‭ ‬التوازن‭ ‬الضروري‭ ‬لمد‭ ‬جسور‭ ‬التواصل‭ ‬بشكل‭ ‬مرضي‭ ‬مع‭ ‬المحتمع‭ ‬فهو‭ ‬يسقط‭ ‬أخطاءه‭ ‬على‭ ‬الاخرين‭ ‬ويبرر‭ ‬ويختلق‭ ‬المعاذير‭ ‬ويصنع‭ ‬المعجزات‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬حقيقة‭ ‬ذاتك‭ ‬وبالتالي‭ ‬تتحرر‭ ‬من‭ ‬عقدك‭ ‬وأفكارك‭ ‬التي‭ ‬تقيدك‭ ‬ولاتفبدك‭ ‬كشخص‭ ‬سوي‭ ‬أبيض‭ ‬وناصع‭ ‬حقيقي‭ ‬وصالح‭ ‬خالد‭ ‬عبر‭ ‬تواريخ‭ ‬الأمم‭ ‬ببساطة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬وصفك‭ ‬بالإنسان‭ .‬

وهي‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬أو‭ ‬آلية‭ ‬دفاعية‭ ‬تفترضها‭ ‬النفس‭ ‬حتى‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬توازن‭ ‬الوهم‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬المرء‭ ‬وبالتالي‭ ‬تجره‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التخلف‭ ‬والسوداوية‭ ‬ويبقى‭ ‬رهين‭ ‬الحقد‭ ‬والتباغض‭ ‬ويسعى‭ ‬لا‭ ‬لمعرفة‭ ‬ذاته‭ ‬وماهيته‭ ‬بل‭ ‬لتكريس‭ ‬نمط‭ ‬يتحكم‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬ينتج‭ ‬له‭ ‬ومنه‭ ‬سوى‭ ‬السلبية‭ ‬والضمور‭ .‬

لطالما‭ ‬كانت‭ ‬رحلة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الذات‭ ‬مضنية‭ ‬وشاقة‭ ‬ونحتاج‭ ‬فيها‭ ‬لرفيق‭ ‬كالمرايا‭ ‬يرينا‭ ‬مكامن‭ ‬العيب‭ ‬ويساعدنا‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬وفق‭ ‬منظومة‭ ‬أخلاقية‭ ‬سامية‭ ‬وسماوية‭ ‬تهتم‭ ‬بالروح‭ ‬ولاتهمل‭ ‬البدن‭ . ‬

فالإنسان‭ ‬بنظرة‭ ‬هو‭ ‬روح‭ ‬تمر‭ ‬بتجربة‭ ‬بشرية‭ . ‬لا‭ ‬كما‭ ‬يعتقد‭ ‬الكثيرين‭ ‬أنه‭ ‬بشر‭ ‬يمر‭ ‬بتجربة‭ ‬روحية‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى