رتوش

(البياصة الحمراء) في درنة معلم أندلسي لم يرحمه (دانيال)

فرج غيث

عبر‭ ‬الأزقة‭ ‬الضيقة‭’ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬درنة‭ ‬القديمة‭ ‬والبيوت‭ ‬القديمة‭ ‬بأبوابها‭ ‬الخشبية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬سوق‭ ‬الظلام‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬منتصف‭ ‬السوق‭ ‬هناك‭ ‬زقاق‭ ‬صغير‭ ‬تدخل‭ ‬منه‭ ‬لتجد‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬ساحة‭ ‬صغيرة،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬تجوَّل‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬بدرنـة‭ ‬الزاهرة‭ ‬مر‭ ‬ّعلى‭ ‬هذه‭ ‬الساحة‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ..‬

بـ‭)‬البياصة‭ ‬الحمراء‭(‬

‭ ‬Pi azza‭ ‬Al Hamraa،‭ ‬حيث‭ ‬الراحة‭ ‬والسكون،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان،‭ ‬سكون‭ ‬روحاني‭ ‬لم‭ ‬يتأثر‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬تنسيك‭ ‬الحزن،‭ ‬وتُسرِّب‭ ‬لكَ‭ ‬اطمئناناً‭ ‬دافئاً،‭ ‬يذكِّرك‭ ‬بعبق‭ ‬درنة‭ ‬القديم،‭ ‬برائحتها‭ ‬الحاضرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الأماكن‭ ‬الجميلة‭ ‬والتراثية‭ ‬في‭ ‬درنة‭ ‬الزاهرة،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬كانت‭ ‬توجد‭ ‬فاسقية‭ ‬أندلسية،‭ ‬عند‭ ‬سـوق‭ ‬الخرازة‭ )‬سـوق‭ ‬صناعة‭ ‬الأحذية‭ ‬المحلية‭(‬،‭ ‬و«الفاسقية‮»‬‭ ‬في‭ ‬التعريف‭ ‬اللغوي‭ ‬هي‭ :‬

حوض‭ ‬من‭ ‬الرخام‭ ‬في‭ ‬وسطه‭ ‬نافورة‭ ‬ماء،‭ ‬ففي‭ ‬صمتك‭ ‬ترتسم‭ ‬مساحات‭ ‬الفرح‭ ‬الحقيقي‭ ‬وتشدك‭ ‬من‭ ‬الوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬هذه‭ ‬الفاسقية‭ ‬الأندلسية‭ ‬المرصعة‭ ‬بفسيفسـاء‭ ‬البـلاط‭ ‬الأرجواني‭ ‬التي‭ ‬تنبجـس‭ ‬منها‭ ‬المياه‭ ‬الفضية‭ ‬المتطايرة‭ ‬فتتشابك‭ ‬ألوانها‭ ‬مع‭ ‬خيــوط‭ ‬أشعـة‭ ‬الشمس‭ ‬الذهبية‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬أندلسية‭ ‬جميلة‭ ‬تعرف‭ ‬بالميدان‭ ‬الأحمر،‭ ‬أو‭ ‬البياصة‭ ‬الحمراء‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬لأهل‭ ‬درنة‭ ‬تسميتها،‭ ‬بالإيطالية‭ )‬بياصة‭ ‬اليكو‭(‬،‭ ‬وكلمة‭ )‬بياصة‭ ‬Piazza‭( ‬تعني‭ ‬بالإيطالية‭ ‬ميدان،‭ ‬تتوسطه‭ ‬نافورة‭ ‬جميلة‭ ‬مرصعة‭ ‬بالفسيفساء،‭ ‬يلفت‭ ‬نظرك‭ ‬البلاط‭ ‬الأحمر‭ ‬ذي‭ ‬النسق‭ ‬الجميل‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬منه‭ ‬التسمية،‭ ‬تبعث‭ ‬رذاذ‭ ‬الماء‭ ‬لتلطف‭ ‬الجو‭ ‬فيها‭ ‬وتعكس‭ ‬سماء‭ ‬درنة‭ ‬الزرقاء‭ ‬على‭ ‬أديم‭ ‬مائها‭ ‬الرقراق،‭ ‬واعتلت‭ ‬النافورة‭ ‬رأسين‭ ‬لحصان‭ ‬لتضيف‭ ‬لمسة‭ ‬ابداعية‭ ‬أخرى‭ ‬لهذا‭ ‬المكان،‭ ‬الذي‭ ‬اصبح‭ ‬مكانًا‭ ‬للشباب‭ ‬والرجال‭ ‬والشيوخ‭ ‬ليقضوا‭ ‬فيه‭ ‬أوقاتهم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬يتسم‭ ‬بالرونق‭ ‬الاندلسي‭ ‬الجميل‭.‬

والبياصة‭ ‬الحمراء‭ .. ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬فناء‭ ‬مغلق‭ ‬تحيط‭ ‬به‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المقاهي‭ ‬العربية،‭ ‬وميدان‭ ‬ذي‭ ‬طراز‭ ‬أندلسي‭ ‬يعود‭ ‬بناؤه‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العائلات‭ ‬الأندلسية‭ ‬التي‭ ‬استوطنت‭ ‬درنة،‭ ‬فترة‭ ‬تأسيس‭ ‬سوق‭ ‬الظلام‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬تأسيسه‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الحكم‭ ‬العثماني‭ ‬الثاني‭ ‬لليبيا‭ )‬1835م‭ – ‬1911م‭(‬،‭ ‬ويغلب‭ ‬عليها‭ ‬فن‭ ‬العمارة‭ ‬الأندلسية،‭ ‬وتبلغ‭ ‬مساحة‭ ‬ميدان‭ ‬البياصة‭ ‬الحمرا‭  ‬50‭ ‬مترًا‭ ‬عرض

و‭ ‬120مترًا‭ ‬طول‭(.‬

معلم‭ ‬جميل‭ ‬ارتبط‭ ‬بالحضارة‭ ‬الأندلسية‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬فترة‭ ‬العهد‭ ‬العثماني‭ ‬الثاني،‭ ‬ويؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬خريطة‭ ‬السيد‭ ‬مامولي‭ ‬المبعوث‭ ‬من‭ ‬الجمعية‭ ‬الإيطالية‭ ‬للجغرافيا‭ ‬والاستكشاف،‭ ‬والتي‭ ‬انجزها‭ ‬في‭ ‬1896م‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬مجيء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الايطالي‭ ‬بـ‭ ‬15‭ ‬عامًا،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬فترة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الايطالي‭ ‬أضيف‭ ‬لها‭ ‬رواقان‭ ‬بمجموعة‭ ‬اقواس‭ ‬علي‭ ‬جانبي‭ ‬الساحة،‭ ‬وشهدت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬اهتمامًا‭ ‬جماليًا‭ ‬حيث‭ ‬استحدث‭ ‬في‭ ‬وسطها‭ ‬حوض‭ ‬ماء‭ ‬تتوسطه‭ ‬نافورة‭ ‬مياه‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬جمالها،‭ ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬لجنة‭ ‬التراث‭ ‬بمدينة‭ ‬درنة‭ ‬بإضافة‭ ‬رسم‭ ‬تمثالي‭ ‬لحصان‭ ‬من‭ ‬راسين‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬جمالها‭.‬

أخذت‭ ‬اسمها‭ ‬الشعبي‭ ‬المعروف‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬أرضيتها‭ ‬الرخامية‭ ‬الحمراء‭ ‬اللون‭ ‬من‭ ‬اعمال‭ ‬التبليط‭ ‬بالأجر‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الايطالي،‭ ‬تطل‭ ‬عليه‭ ‬محال‭ ‬تجارية‭ ‬متعددة،‭ ‬وشقة‭ ‬سكنية‭ ‬تسمى‭ ‬باللهجة‭ ‬الدرناوية‭ ‬‮«‬عللي‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬مستغلة‭ ‬لأحد‭ ‬اعضاء‭ ‬الحزب‭ ‬الفاشستي‭ ‬الإيطالي‭ ‬يدعى‭ ‬‮«‬اليكو‮»‬‭. ‬

تتوزع‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬البياصة‭ ‬الحمراء‭ ‬المقاهي،‭ ‬وتتعالى‭ ‬الضحكات‭ ‬ويتسامر‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والأصحاب‭ ‬وتزهر‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الثقافة،‭ ‬هي‭ ‬الوجهة‭ ‬الأولى‭ ‬والأهم‭ ‬لأغلب‭ ‬الأمسيات‭ ‬الشعرية‭ ‬والقصصية‭ ‬والملتقيات‭ ‬الثقافية‭ ‬والحوارات‭ ‬الفكرية‭ ‬أيضا،‭ ‬فلكل‭ ‬مدينة‭ ‬قبلة‭ ‬ثقافيه‭ ‬يتوجه‭ ‬إليها‭ ‬المثقفون،‭ ‬وقبلة‭ ‬درنة‭ ‬الثقافية‭ ‬ميدان‭ ‬البياصة‭ ‬الحمراء‭ ‬الميدان‭ ‬المتعطر‭ ‬بالياسمين‭ ‬الدرناوي،‭ ‬صرحٌ‭ ‬ثقافي‭ ‬للمثقفين‭ ‬والفنانين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬بالمدينة‭ ‬يحوي‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬كل‭ ‬الأفكار‭ ‬الناشئة‭ ‬والمترعرعة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬الوجهة‭ ‬الأولى‭ ‬والأهم‭ ‬لأغلب‭ ‬الأمسيات‭ ‬الشعرية‭ ‬والقصصية‭ ‬والملتقيات‭ ‬الثقافية‭ ‬والحوارات‭ ‬الفكرية،‭ ‬وفي‭ ‬ميدان‭ ‬البياصه‭ ‬الحمرا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬نوعٌ‭ ‬من‭ ‬الزخم‭ ‬الثقافي،‭ ‬حيث‭ ‬الأمسيات‭ ‬التي‭ ‬يلتقى‭ ‬فيها‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتَّاب‭ ‬والمثقفون‭ ‬والفنانون،‭ ‬فقد‭ ‬أقيمت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المهرجانات‭ ‬والأمسيات‭ ‬والندوات‭ ‬الفكرية،‭ ‬جعلت‭ ‬الميدان‭ ‬ينبض‭ ‬بالفن‭ ‬والثقافة،‭ ‬واحيت‭ ‬نخب‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬مدينة‭ ‬درنة‭ )‬ليالي‭ ‬الشعر‭(‬‭ ‬ضمن‭ ‬فعاليات‭ ‬الأمسيات‭ ‬الرمضانية‭ ‬وتحت‭ ‬شعار‭ )‬ليالي‭ ‬رمضان‭ ‬درناوية‭( ‬في‭ ‬البياصة‭ ‬الحمرا،‭ ‬وأقيمت‭ ‬الحفلات‭ ‬الموسيقية،‭ ‬والمسابقات‭ ‬الأدبية‭ ‬والمعلومات‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬ليال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬وكانت‭ ‬تختتم‭ ‬السهرة‭ ‬بظهور‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬الطبال‮»‬‭ ‬ليعلن‭ ‬عن‭ ‬موعد‭ ‬انتهاء‭ ‬السهرة‭ ‬والاستعداد‭ ‬للسحور،‭ ‬وهي‭ ‬عادة‭ ‬درناوية‭ ‬قديمة‭.‬

كان‭ ‬الميدان‭ ‬الملجأ‭ ‬الأول،‭ ‬والأخير‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يفكر‭ ‬أو‭ ‬يكتب،‭ ‬وكان‭ ‬عليل‭ ‬الياسمين،‭ ‬وارتشاف‭ ‬الشاي‭ ‬الأخضر‭ ‬بالنعناع‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬خشبية‭ ‬في‭ ‬فناء‭ ‬أحد‭ ‬المقاهي‭ ‬المقابلة‭ ‬للنافورة‭ ‬التي‭ ‬يعتليها‭ ‬رأسا‭ ‬حصان‭ ‬وأصوات‭ ‬المثقفين‭ ‬الجالسين‭ ‬هناك،‭ ‬وصفوة‭ ‬المكان‭ ‬وتصاميمه‭ ‬الأندلسية،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬كفيل‭ ‬بأن‭ ‬يولد‭ ‬فكرة‭ ‬ما‭ ‬يهرب‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬قصيدة‭ ‬خارج‭ ‬الأسوار،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬للبياصة‭ ‬قدسيتها‭ ‬ورونقها‭ ‬الثقافي‭ ‬المزدحم‭ ‬بالأقلام‭ ‬والقصائد‭ ‬والشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬والأغاني‭ ‬الشعبية‭ ‬أيضا،‭ ‬تحت‭ ‬أقواسها‭ ‬الأندلسية‭ ‬وشجر‭ ‬الياسمين‭ ‬المنسدل‭ ‬من‭ ‬حوائطها،‭ ‬تعد‭ ‬حمام‭ ‬السلام‭ ‬للمدينة‭..‬

كانت‭ ‬فسحات‭ ‬البياصة‭ ‬الحمراء‭ ‬ترتبط‭ ‬بسوق‭ ‬الظلام‭ ‬والجامع‭ ‬الكبير‭ ‬ووكالة‭ ‬الطرابلسي،‭ ‬فسحات‭ ‬استراحة‭ ‬من‭ ‬عناء‭ ‬البيع‭ ‬والشراء‭ ‬ولأحاديث‭ ‬شؤون‭ ‬الساعة‭ ‬أحيانًا،‭ ‬تتقاطع‭ ‬بعض‭ ‬الأزقة‭ ‬لتؤدي‭ ‬إما‭ ‬دخولاً‭ ‬أو‭ ‬خروجًا‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬وفسحاته،‭ ‬للبياصة‭ ‬الحمراء‭ ‬خمسة‭ ‬منافذ،‭ ‬منفذان‭ ‬مباشران‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬الظلام‭ ‬ومنفذ‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬ميدان‭ ‬وسوق‭ ‬الخرازة‭ ‬تحاذيه‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬‮«‬قهوة‭ ‬شلغوم‮»‬،‭ ‬ومنفذ‭ ‬قرب‭ ‬وكالة‭ ‬الحصادي،‭ ‬ويقود‭ ‬إلى‭ ‬زقاق‭ ‬ينحرف‭ ‬بزاوية‭ ‬قائمة‭ ‬لينتهي‭ ‬في‭ ‬الزقاق‭ ‬الذي‭ ‬أتينا‭ ‬منه‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬محل‭ ‬السنفاز‭ ‬محمد‭ ‬التونسي‭ ‬الرجل‭ ‬الطيب‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬وطاب‭ ‬له‭ ‬المقام‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬درنة‭ ‬الزاهرة،‭ ‬المنفذ‭ ‬الجنوبي‭ ‬يتميز‭ ‬بمحل‭ ‬‮«‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الحبوش‮»‬‭ ‬بينما‭ ‬يتميز‭ ‬المنفذ‭ ‬الشمالي‭ ‬بمحل‭ ‬الحاج‭ ‬محجوب‭ ‬الحصادي‭ ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬يسار‭ ‬الداخل‭ ‬من‭ ‬خلاله،‭ ‬يلي‭ ‬المنفذ‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬ميدان‭ ‬الخرازة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المحال‭ ‬التي‭ ‬تطل‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬الميدان،‭ ‬منها‭ ‬محل‭ ‬جعفر‭ ‬رحيّم،‭ ‬ومحل‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬خيال،‭ ‬والمنفذ‭ ‬الجنوبي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الخارج‭ ‬من‭ ‬سوق‭ ‬الخضرة‭ .. ‬وفى‭ ‬قبالة‭ ‬البياصة‭ ‬الحمراء‭ ‬تشاهد‭ ‬مقهى‭ ‬الحاج‭ ‬الهرش‭ ‬الشهير‭ ‬بمختلف‭ ‬المشروبات‭ ‬الساخنة‭ ‬والباردة‭ ‬لعل‭ ‬أشهرها‭ ‬زجاجة‭ ‬مشروب‭ ‬قازوزة‭ ‬مصنع‭ ‬صداقة‭ ‬العائلي‭ ‬لصاحبه‭ ‬الحاج‭ ‬حسن‭ ‬صداقة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬شعار‭ )‬النخلة‭( ‬المميز،‭ ‬أحد‭ ‬معالم‭ ‬مدينة‭ ‬درنة،‭ ‬وهي‭ ‬تقدم‭ ‬لك‭ ‬على‭ ‬طاولتك‭ ‬وأنت‭ ‬جالس‭ ‬على‭ ‬كرسيك،‭ ‬ومقهى‭ ‬جويدة‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تزينه‭ ‬لوحات‭ ‬جدارية‭ ‬رسمت‭ ‬بألوان‭ ‬زيت‭ ‬الزواق‭ ‬فكانت‭ ‬متقنة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬محسوبة‭ ‬على‭ ‬التزويقة،‭ ‬دليل‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬ذوق‭ ‬صاحبها‭ ‬الرفيع،‭ ‬وهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬أعجبت‭ ‬مواطن‭ ‬اردني‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬درنة‭ ‬ونقلها‭ ‬الى‭ ‬بلاده‭ ‬وأسس‭ ‬مطعم‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الأردنية‭ ‬عمان‭ ‬جدرانه‭ ‬تزينها‭ ‬لوحات‭ ‬جدارية‭.‬

البياصة‭ ‬الحمراء‭ ‬وعطرها‭ ‬الاندلسي‭ ‬بيت‭ ‬درنة‭ ‬الثقافي‭ ‬وقبلة‭ ‬الادباء‭ ‬والكتَّاب‭ ‬والشعراء‭ ‬والمثقفين‭ ‬والفنانين‭ ‬والرياضين‭ ‬داخل‭ ‬مدينة‭ ‬درنة،‭ ‬نشاط‭ ‬لهذا‭ ‬المعلم‭ ‬الثقافي‭ ‬الذى‭ ‬صدح‭ ‬بصوت‭ ‬السلم‭ ‬والفن‭ ‬والجمال،‭ ‬اهالي‭ ‬درنة‭ ‬متعطشون‭ ‬للابداع‭ ‬للفن‭ ‬والمسرح‭ ‬لأعمال‭ ‬وقفشات‭ ‬درناوية‭ ‬واعمال‭ ‬فنية‭ ‬تحيي‭ ‬الشارع‭ ‬الدرناوي‭ ‬الذي‭ ‬ازداد‭ ‬اقباله‭ ‬وحضوره‭ ‬للبياصة،‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬اقامة‭ ‬سهرات‭ ‬كل‭ ‬اسبوع‭ ‬تنوعت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الثقافية‭ ‬والرياضية‭ ‬والمسرحية‭ ‬وفنية‭ ‬وخصص‭ ‬يوم‭ ‬للمؤسسات‭ ‬التطوعية‭.‬

أضافت‭ ‬الكثير‭ ‬للمثقفين‭ ‬بالمدينة‭ ‬الذين‭ ‬تمت‭ ‬دعوتهم‭ ‬لمناسبات‭ ‬ثقافية‭ ‬وفنية‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬البياصة‭ ‬حتى‭ ‬أصبحوا‭ ‬القلب‭ ‬النابض‭ ‬لها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬بداية‭ ‬رحلة‭ ‬أحد‭ ‬مثقفي‭ ‬درنة‭ ‬صديقي‭ ‬الأستاذ‭ ‬مصطفى‭ ‬الطرابلسي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬مثيرة‭ ‬للشغف‭ ‬ومليئة‭ ‬بالزخم‭ ‬الثقافي‭.‬

يقول‭ ‬صديقي‭ ‬الأستاذ‭ ‬مصطفى‭ ‬الطرابلسي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭:‬

بدأت‭ ‬رحلتي‭ ‬معها‭ ‬عام‭ ‬2006م‭ ‬حيث‭ ‬أنشأ‭ ‬الصديق‭ ‬المصور‭ ‬شحات‭ ‬اشليمبو‭ ‬مقهى‭ ‬خاص‭ ‬بالمهتمين‭ ‬بالفن،‭ ‬وزعت‭ ‬على‭ ‬لياليه‭ ‬كافة‭ ‬من‭ ‬أمسيات‭ ‬شعرية‭ ‬وعرض‭ ‬مسرحي‭ ‬وليلة‭ ‬الموروث‭ ‬الثقافي‭ ‬وليلة‭ ‬الكشافة‭ ‬والهلال‭ ‬الأحمر‭ ‬والحفل‭ ‬الختامي‭..‬

البياصة‭ ‬الحمراء‭ ‬منتدى‭ ‬يؤمه‭ ‬كل‭ ‬عاشق‭ ‬لشيء‭ ‬اسمه‭ ‬الفن‭ ‬وفي‭ ‬قادم‭ ‬الأيام‭ ‬الجهود‭ ‬ساعية‭ ‬لإقامة‭ ‬عديد‭ ‬المناشط،‭ ‬إن‭ ‬مسيرة‭ ‬المثقفين‭ ‬والفنانين‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬البياصة‭ ‬حافل‭ ‬جدا‭ ‬ويدعو‭ ‬للفخر‭ ‬أيضا،‭ ‬طالما‭ ‬الياسمين‭ ‬يفوح‭ ‬عطرًا‭ ‬بميدانها،‭ ‬وطرازها‭ ‬الأندلسي‭ ‬يروي‭ ‬تاريخ‭ ‬ثقافة‭ ‬المدينة‭ ‬لكل‭ ‬عابر‭ ‬منها‭.‬

إننا‭ ‬أمام‭ ‬حالات‭ ‬استثنائية‭ ‬كثيرة‭ ‬صنعتْ‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬محرابا‭ ‬لحياة‭ ‬رائعة‭ ‬وجميلة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬أروع‭ ‬وأجمل،‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬تمتعت‭ ‬بجمال‭ ‬الطبيعة‭ ‬الخلابة‭ ‬وروعة‭ ‬أهلها،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬حين‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬أمام‭ ‬استثناء‭ ‬مميز،‭ ‬وعلامة‭ ‬حضارية‭ ‬وأنت‭ ‬تقف‭ ‬أمام‭ ‬البياصة‭ ‬الحمراء‭ ‬الجميلة‭.‬

درنة‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬الجمال‭ ‬موطناً‭ ‬له‭: ‬الأكلات‭ ‬جميلة،‭ ‬الزهور‭ ‬جميلة،‭ ‬الفتيات‭ ‬جميلات،‭ ‬اللكنة‭ ‬جميلة،‭ ‬المسرح‭ ‬جميل،‭ ‬الغناء‭ ‬جميل،‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬في‭ ‬أنديتها‭ ‬جميلة،‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يلعب‭ ‬بها‭ ‬فريقا‭ ‬المدينة،‭ ‬النادي‭ ‬الافريقي‭ ‬ونادي‭ ‬دارنس‭ ‬ولا‭ ‬يشبههم‭ ‬في‭ ‬الاداء‭ ‬إلا‭ ‬فريق‭ ‬نادي‭ ‬الهلال‭ ‬في‭ ‬بنغازي‭ ‬وفريق‭ ‬نادي‭ ‬الوحدة‭ ‬في‭ ‬طرابلس،‭ ‬هي‭ ‬طريقة‭ ‬لعبهم‭ ‬التي‭ ‬عرفوا‭ ‬بها‭ ‬منذ‭ ‬الستينيات،‭ ‬حيث‭ ‬يلعبون‭ ‬الكرة‭ ‬للمتعة‭.‬

اختفى‭ ‬هذا‭ ‬المعلم‭ ‬الجميل‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬سنة‭ ‬2023م،‭ ‬عندما‭ ‬اجتاحت‭ ‬السيول‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬فيها‭ ‬اعصار‭ ‬‮«‬دانيال‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬المدينة،‭ ‬وراح‭ ‬معه‭ ‬أحبتنا‭ ‬من‭ ‬أخيار‭ ‬البلاد،‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬جميعًا،‭ ‬واستذكره‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الذكرى‭ ‬الأولى‭ ‬لهذه‭ ‬الكارثة‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وأنا‭ ‬انظر‭ ‬إلى‭ ‬لوحة‭ ‬البياصة‭ ‬الحمراء‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬الفنان‭ ‬أبوبكر‭ ‬الشيخ‭ ‬بريشته‭ ‬وهي‭ ‬معلقة‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬غرفة‭ ‬صالون‭ ‬بيتي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى