التعايش المشترك بين السكان في سلام، هو الإنسانية، التي هي أكبر من كل صراعات السياسة، والتعايش السلمي الذي ساد المجتمع في مدينة بنغازي )أول مدينة كوزموبوليتية في التاريخ( نموذجًا مميزًا يُحتذى به في كل المدن خاصة بين أهل المواثيق السماوية، والطوائف الأخرى، لقد عكس الأخلاق الحميدة التي تربى عليها آباؤنا في زمن لم تكن ظروف الحياة فيه بالسهلة، وأظهر هذا التعايش صورًا متنوعة لأعمال الخير التي تميز بها أهل بنغازي قبل أن تدخل عليه أيديولوجيات متطرفة مختلفة، باسم الدين والديمقراطية..بنغازي عاصمةٍ )ليبيا الثقافيةٍ( التي أنجبت عديد الفلاسفة، والكتّاب والأدباء والمفكرين والمثقفين والشعراء، اُطلق عليها لقب )رباية الذايح( أم ورد فائح، رواية العطش والمعاطن نزايح، أي بيت من لا بيت له، حيث كانت دومًا أمّا لكل من عاش فيها، وسُميتْ مدينةِ الملحِ )كوية الملح( حين كان الملحُ يسمى الذهب الأبيض.لقد كانت بنغازي دومًا غنيةً وتجعل من يأتي إليها غنيًا،.هي قبلة تتجه إليها عيون الغرباء للبحث عن الرزق، لتعدد فرص الرزق فيها، من تجارة وصناعة وصيد وغيرها من المهن، وفد إليها الكثير من الشباب للبحث عن الرزق، ومنهم من وُلِدَ فيها، هي مدينة )الحب والسلام(، وقد أحبّها وعشقها كل من لامس ترابها، وشرب من مائها، وتناول أطباقها، وصادق أهلها الطيبيين، هي مدينة الغريب، جميلة الشروق والغروب، مدينة السلام، بسمة العيون والقلوب، منارة العباد، وأجمل البلاد، المدينة التي لازال الكثير ممن غادرها عائدًا لبلده يحن إليها، منهم الجميلة «Tiziana Vanetti» الرسامة والفنانة التشكيلية الإيطالية الرائعة، البنغازية المولد واللومباردية الأصل، التي لدتْ في مدينة بنغازي في 4 فبراير من العام 1968م، أبدعت برسمها للوحات فنية رائعة لمدينة بنغازي، المدينة التي حملتها في قلبها، وشاركت بها في كل المعارض الفنية التي أقامتها، وجسدت لنا هذه الجملة )عندما يسكن الحب الوجدان تبدع الروح الإنسانية وتقدم أجمل الفنون(، إلى جانبTiziana كانت توجد سيدة جميلة وأنيقة ذات أصول يونانية، من سكان شارع «العقيب»، تتمتع بحضور لافت، كريمة ومحبة لجيرانها، وكانت دائمة الحضور في كل مناسباتهم، وكان الجميع كبارًا وصغارًا يحبونها ويحترمونها، كانت تعشق نادي الهلال، وهو العشق ذاته الذي ربط الليبيين من أصول يونانية بنادي الهلال العريق، هذه السيدة الجميلة رسمها الفنان على مادى ولازالت هذه اللوحة الفنية الرائعة تحكي لنا عن تلك الأيام الجميلة التي عاشتها هذه السيدة الجميلة في بنغازي.
الطبيب Emo Prosdocimo وشقيقه Guido، اسسا مستشفى بردوشمو Prosdocimo الأخوان Prosdocimo طبيبان إيطاليان قدما إلى بنغازي في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، اتصفا بالإنسانية والطيبة، واحبهما سكان المدينة، لما قدماه لهم من افضل الخدمات الطبية، والكثير من سكان بنغازي لا يزالون يذكرونهما بكل الود والمحبة، ولا يزالون يحملون لهما الود والمحبة في قلوبهم حتى بعد رحيلهما، وطبيب الأطفال «ليفينتاكس» من أطباء بنغازي المعروفين، جاء إلى مدينة بنغازي في العام 1945م بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان أحد سكان عمارة )ساسكو( في ميدان الشجرة وكان يعالج المرضى من أبناء المدينة في المبنى ذاته، ولم يكن يأخذ مقابلًا نضير ما يقوم به من خدمات طبية، وكذلك طبيب الاطفال «نيكولا هاليفاكس» كانت عيادته في عمارة مقابلة لعمارة شركة شحات للملاحة المطلة على بحر الشابي.
عائلة «كاريداكس» العاشقة لنادي الهلال، عاشت وعملت في بنغازي حتى ثمانينيات القرن الماضي، كان أحد أبناء هذه العائلة السيد «اغرغيرى كاريداكس» عضوًا في المجلس البلدي بالمدينة وعضو اللجنة الأولمبية الليبية، وراعى النشاطات الأهلية الرياضية، ورئيس الجالية اليونانية في بنغازي، وصاحب محل الكريستال بعمارة Prosdocimo بميدان الشجرة عمارة )بن هلوم( لاحقًا، ومن عشاق نادي الهلال، وهو والد صديقنا الهيلاهوب الرائع «ليونيدا كاريداكس»، كانت بصماتهم فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالمدينة واضحة وملموسة في زمن كان الوئام الاجتماعي والتعايش السلمى عنوانًا لمدينة بنغازي التي أختارها الكثيرون منهم مستقرًا ووطنًا ثانيًا له.
من الحرفيين كان الأشقاء «ديمتري وكليو وانثولا نيكيفوراكيس»، يملكون قاعة تصوير، وكان أحدهم يعرف بـ )القوبو( لأنه أحدب الظهر.
«ايليو زارافتيس» اندمج في المجتمع الليبي وعاش معهم أفراحهم واتراحهم، وعشق فريق نادي الهلال منذ نعومة اضافره ولعب في صفوفه، وظل مشجعًا له.
«اندريه سوروكوس» رائد صناعة القهوة في بنغازي منتصف القرن الماضي، كان يملك مطحن بن )قهوة( كان الأشهر والافضل في بنغازي بفضل رائحتها المميزة حيث تنبعث من ذلك المطحن نكهة البن )المحمص( والممزوج بالكسبر والمستكة أحيانًا. ابنه فرج استمر في المطحن بعد وفاة والده ولا يزال يعيش في بنغازي، وله لدان، وبنتان، الولدان «رمضان، ونور» والبنتان «أمينة وصفية»، وبعد أن توفيت زوجته الأولى تزوج من سيدة ليبية أخرى.
«ستاثيس ياناكوبولوس» هو صاحب شركة «سيكليس» للمقاولات، ومازال يعيش في بنغازي.
«اندريه كاتسوراكيس» عشق الفن الشعبي ويحفظ أغاني )العلم(، كان يملك اسطولًا كبيرًا من الشاحنات كانت تعمل ما بين مدينة بنغازي وواحة الكفرة، حتى اشتهرت الطريق باسمه طريق «اندريه».
«يورغوس لارياس» لعب ضمن صفوف فريق نادي الهلال لكرة القدم، كان يحفظ الكثير من الأمثال الشعبية الليبية وكذلك اغاني )العلم( الشعبية.
«مايك باسترااندرياس»، كان يملك مع شريكه علي القماطي فندق Grand Hotel في شارع ادريان بلت عبدالمنعم رياض.
«اينابا» صاحب مطعم شطائر )تن بالدحي( من بعد العصر حتى المساء وكان مكانه حديقة شارع الاستقلال شارع جمال عبدالناصر حيث كان يوجد تمثال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكان المطعم لا يفتح في الفترة الصباحية، كانت شطائر التن لها طعم خاص فترة الخمسينيات والستينيات وبداية السبعينيات التي مرت لا زال كل أبناء بنغازي يذكرونها، وربطتها بنادي الهلال لأن هذا النادي الذي عرف رياضي وثقافي واجتماعي بامتياز، وبخصوصيته العائلية، لأنه ارتبط بعائلات البلاد المتحضرة.
تحية خاصة للصديق الرائع الهيلاهوب عبدالسلام الزغيبي الذي اتحفني بمعلومات وافية عن الجالية اليونانية في بنغازي.