
مع موعد اقتراب الامتحانات النهائية سواء أكانت لسنوات النقل، أم للشهادات والتي تتزامن كل صيف؛ حيث تشتد الحرارة مع الرطوبة العالية، يعود المشهد ذاته في أغلب البيوت الليبية : أوراق مبعثرة، وسهر طويل، وجهد مضن، قلق يملأ الجو، وصمت ثقيل لا يكسره إلا صوت دعوات الأمهات.
هذه الأيام يخوضُ طلبةُ الشهادة الثانوية امتحانًا ليس في المواد فقط، بل في )الصبر، والتحمّل، والتوازن النفسي(.
فهل يتم الاهتمام بالأجواء النفسية لهؤلاء الطلاب؟!.
امتحان أعصاب قبل أن يكون امتحان أقلام
في كل عام، وتحديدًا مع اقتراب موعد امتحانات الشهادة الثانوية بقسميها )العلمي، والأدبي(، تتغير ملامح البيوت الليبية؛ حيث تتحوَّل الجدران إلى سبورات، والمكاتب إلى ساحات معارك، والهدوء يصبح مطلبًا أساسيًا في كل بيت فيه طالب، أو طالبة يستعد لخوض هذا «الامتحان المصيري».
الضغط النفسي الهائل الذي يعيشه طلبة الشهادة الثانوية، لا يتعلق فقط بصعوبة المنهج أو ضخامة المحتوى الدراسي، بل هو نتاج مزيج معقد من الضغوط الاجتماعية، والعائلية والتوترات السياسية والاقتصادية التي يعيشها البلد.
في كثير من الأحيان، يبدو وكأن النجاح في هذا الامتحان هو مفتاح الحياة بأكملها، بينما الفشل فيه يوازي كارثة، حتى وإن كان مؤقتًا. وسط هذا الواقع، يغيب أحيانًا الدعم النفسي والتربوي الحقيقي، سواء من المؤسسات التعليمية أو حتى من بعض الأسر، فيتحوَّل الطالب من «متعلم» إلى «ناجٍ» من معركة ذهنية صامتة.
وبين طالب يراجع تحت ضوء شمعة، وآخر يقاوم المقارنات القاسية من أهله، وثالث يعاني من وساوس الامتحان، تصبح الأجواء النفسية المحدَّد الأول للنتيجة، لا المادة الدراسية.
في هذا التحقيق، نسلط الضوء على الجانب الذي لا يُذكر كثيرًا في قصص التفوق والرسوب: الحالة النفسية للطلاب.. نستعرض شهادات واقعية من طلاب في مختلف أنحاء ليبيا، وننقل آراء مختصين في التربية، والصحة النفسية، بحثًا عن إجابة لسؤال كبير:
هل نُعد طلابنا نفسيًا كما نُعدهم دراسيًا؟
«نراجع تحت ضغط مش طبيعي»
آية / طالبة
)أنا مرات نعرف المعلومة، لكن من الخوف ننسى أحسُ أن مستقبلي كله مربوطٌ بأسبوع واحد، والضغط زايد من الأهل والمدرسة(.
️ )نخاف نرسب مش من الامتحان، من نظرة النَّاس(:
خديجة اللافي / طالبة
)الرسوب في الشهادة يعد عيبًا كبيرًا، النّاس ما ترحمش. حتى لو تعبت، الخوف من كلام المجتمع أحيانًا أكبر من الامتحان نفسه(.
بشرى سعيد/ طالبة
)أنا ما نخافش من الامتحان نفسه، نخاف من النتيجة، نخاف نخيب ظن أمي اللي قاعدة كل يوم تدعيلي، وتراجع معايا، الضغط يجي من حب النّاس، مش كرههم(.
حسام عطية / طالب
)من بداية السنة وأنا في حالة توتر كل حاجة محسوبة، حتى الطلعة مع صحابي صارت ذنبًا مرات نحس بنختنق، لكن نكتم لأننا لازم نكون ‹قدّها›(.
مجدولين عطية / طالبة
)ما عندناش كهرباء مستقرة، والنت مرات يقطع، ومع هذا مطلوب منّا نراجع ونتفوق. الضغط مش بس من الدراسة، الضغط من الحياة نفسها(.
إياد جمعة / طالب
)نقعد نراجع أسبوع كامل، لكن يوم الامتحان نتوتر وننسى كل شيء، الحضور الأمني، التفتيش، أصوات المراقبين .. كلها تخوف(.
عماد علي / طالب
)النّاس تحكم على الطالب من النتيجة، مش من جهده، أنا نحب ننجح طبعًا، لكن مرات نحس إني نراجع باش نرضي النّاس، مش نحقّق حلمي(.
يقول أ. أشرف/اختصاصي إرشاد نفسي:
)الضغوط النفسية في فترة الامتحانات تؤثر على التركيز، وقد تؤدي لحالات قلق مفرط، أو حتى نوبات هلع، للأسف، مازال كثير من الأهالي يركزون على الدرجات أكثر من سلامة أولادهم النفسية(.
ويضيف:
)نحتاج إلى حملات دعم نفسي موجهة للطلاب في المدارس، ومراكز استشارة داخل المؤسسات التعليمية.(.
بحسب تقديرات غير رسمية، أكثر من 60% من طلاب الشهادة يعانون من :
- اضطرابات نوم خلال فترة الامتحانات.
- نسبة لجوء الطلبة للأدوية المهدئة أو المنشطات ارتفعت خلال السنوات الأخيرة، بسبب غياب التوجيه النفسي السليم.
رغم أن المسؤولية الأكبر تقع على الطالب، إلا أن الأسرة والمدرسة تلعبان دورًا محوريًا في خلق بيئة مريحة.
حيث تقول أ. فاطمة احنيش :
- ضرورة وجود مرشد نفسي في كل مدرسة ثانوية.
- تدريب المعلمين على أساليب الدعم النفسي للطلاب.
- إطلاق حملات توعية للأهالي عن كيفية تخفيف التوتر المنزلي خلال الامتحانات.
- تشجيع الطلاب على ممارسة الرياضة والنوم المنتظم خلال فترة الاستعداد.
)الشهادة مش نهاية الدنيا(
عبارة نسمعها كثيرًا، لكنها لا تجد طريقها بسهولة إلى قلوب طلابنا الذين يعيشون معركة نفسية صامتة خلف جدران البيوت والفصول الدراسية.
الاهتمام بالأجواء النفسية لطلاب الشهادة ليس رفاهية، بل ضرورة تربوية وإنسانية. فالعقل المتزن أكثر قدرةً على النجاح من العقل المضغوط بالخوف.