يعد الدستور من الركائز الأساسية التي تحدَّد ملامح الدولة، ومبادئها فمنذ عام 2011، دخلتْ ليبيا في مرحلة انتقالية كانت مليئة بالتحديات السياسية، والأمنية، مما جعل الحاجة إلى دستور جديد تبرز كضرورة ملحّة؛ فبعد سنوات من الانتظار والترقب، طُرِحَ مشروع الدستور الليبي في عام 2017، ليكون بمثابة الأمل الذي يعيد للبلاد استقرارها، ويحقق تطلعات الشعب الليبي لكن، على الرغم من الجهود المبذولة، فقد واجه هذا المشروع عديد العراقيل، بدءًا من الانقسامات السياسية وصولًا إلى عدم توافق الأطراف المختلفة حول بنوده وبسبب هذه الأوضاع تعيش ليبيا حالةً من الجمود السياسي.
حول غيابه، والعراقيل وإلى أين وصلتْ الخطوات جاءت الآراء ..
الشارع يسأل .. أين الدستور ؟!
يقول المواطن حسن الدردار : وينه الدستور من كثر ما طالت المدة من 2017 نسيناه كل ما يحدث في البلاد من تجاوزات وسرقات وانفلات أمني وتخبط سببه الحقيقي أننا دولة بلا دستور.
في حين أضاف السيد سالم الأمين: أن الدستور تأخر لأنه لا وجود لنية حقيقية لخروجه للنَّور ومن الطبيعي أن غيابه يخدم مصلحة أطراف سياسية لها مصالح لضمان استمرارها وأيضاً للإفلات من المحاسبة، والمحاكمات العادلة وزيادة الانقسام، وضعف حال المواطن الذي يعد الخاسر الأكبر والمتضرَّر الأول في غياب الدستور
أما حنان الجيلاني : أكدتْ طالما هناك تدخلات خارجية، وأطراف خارجية تُحرك أطرافًا داخلية لمصالحها .. )الدستور بعيد علينا بعد السمى عالأرض(.
الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي
في 3 أبريل 2014 تشكيلت الهيئة بعد انتخابات مباشرة، حيث تم اختيار أعضائها من بين مجموعة المرشحين من مختلف المناطق الليبية؛ حيث تضمنت مهامها صياغة الدستور والاستماع إلى آراء المجتمع؛ وقامت الهيئة بتنظيم جلسات استماع، ومناقشات مع مختلف فئات المجتمع، بما في ذلك ممثلين عن القبائل، والنقابات، والمنظمات المدنية، لضمان تمثيل واسع لأفكار وآراء الليبيين حتى تم الوصول لمسودة الدستور التي أعلنت الهيئة عن الانتهاء من صياغتها في يوليو 2017 التي تضمنت عديد القضايا المهمة مثل :
حقوق الإنسان، نظام الحكم، والانتخابات في حين واجهت الهيئة تحديات كبيرة، بما في ذلك الانقسامات السياسية والاضطرابات الأمنية، مما حال دون إجراء الاستفتاء على الدستور.
سالم كشلاف عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور قال : يرى مع أن المسودة الجديدة تمثل بارقة أمل للخروج من الفوضى السياسية التي تعاني منها ليبيا إلا أن الوصول مازال بعيدًا، ويؤكد على أهمية دعم المجتمع الدولي والمحلي لهذه المسودة لضمان نجاحها.
منظمات المجتمع المدني
مها الشحومي رئيسة منظمة )أمل ليبيا( غياب مشاركة المجتمع المدني بفعالية في صياغة الدستور أدى إلى انعدام الثقة في العملية الدستورية؛ يجب أن تكون هناك شفافية أكبر وحوارٌ مجتمعي واسع النطاق لضمان قبول الدستور.
في حين أضاف الناشط الحقوقي كمال الذيب: أن أهمية إشراك الشباب والنساء ضرورة ملحة في هذا الملف الدستور يجب أن يكون تعبيرًا عن جميع فئات المجتمع، وليس عن القوى السياسية فقط.
في حين أكدت المنظمة الليبية لمناهضة التعذيب أن تأخير اقرار الدستور سوف يضاعف من الانتهاكات لحقوق الإنسان؛ إضافة إلى أهمية وجود نصوص تحمي حقوق الإنسان وتحقق العدالة.
آراء السياسيين
يؤكد محمد عبد الكريم سياسي مستقل: التأخير في إقرار الدستور يعود إلى غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف المتصارعة، الأطراف تضع مصالحها الضيقة فوق مصلحة الوطن، يجب على المجتمع الدولي ممارسة مزيدًا من الضغط لإنهاء هذا الملف.
أما السيد أمين تحالف القوى الوطنية خالد المريمي فأكد أن : النقاط الخمس التي لم يتم التوافق عليها بين لجنتي البرلمان والدولة في اجتماعات العاصمة المصرية القاهرة، هي لبُ أي دستور، أو قاعدة دستورية.
رؤية برلمانية
يؤكّد برلمانيون أنَّ هناك تحدياتٍ قانونية وسياسية تعيق وجود الدستور بما في ذلك الخلافات حول بعض المواد الدستورية.
فاطمة الشريف عضو مجلس النَّواب تقول: مجلس النَّواب لم يتلقَ مسودة دستورية تحظى بتوافق شعبي، وهو ما أدى إلى رفض عدة محاولات للتصويت عليها. يجب تعزيز الحوار بين الأطراف المختلفة للوصول إلى دستور يلبي طموحات الجميع.
وحول ارتباط حالة الفوضى بغياب الدستور أكد البرلماني سالم قنان أن غياب الدستور يعيق جهود بناء الدولة، ويزيد من حالة الفوضى.
وأشار إلى أهمية وجود توافق بين جميع الأطراف السياسية لإقرار الدستور في أقرب وقت ممكن.
أما البرلمانية أسماء الخوجة فأكدتْ: رغم وجودها في لجنة مناقشة الخلافات حول مواد دستورية كاللغة، والترشح العسكري، وغيرهما، والمقاربة لوجود حل إلا إن الاختلاف جاء في أمور هامشية عرقلة المسار وإعاقة المفوضية العليا للاستفتاء على الدستور من قبل الليبيين.
قلق المجلس الأعلى للدولة
السيد عضو المجلس الأعلى عبدالرحمن السويحلي: عبّر عن قلقه بشأن تأخر إقرار الدستور، مشيرًا إلى أن هذا التأخير يُسهم في تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية في البلاد.
وأكد على ضرورة الإسراع في إقرار الدستور كخطوة أساسية لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في ليبيا.. كما دعا إلى ضرورة وجود توافق بين جميع الأطراف السياسية لضمان إقرار دستور يعكس تطلعات الشعب الليبي ويعزَّز من حقوق المواطنين.
المفوضية العليا للانتخابات
تعد المفوضية العليا جهة تنفيذية رقابية على سير الانتخابات وأداة للوصول للهدف السياسي التوافقي، وهو إقرار الدستور في أكثر من مرة وعبر وسائل الإعلام مختلفة أشار رئيس المفوضية السيد عماد السايح أن غياب الدستور يمثل أحد الأسباب الرئيسة وراء تأخر الانتخابات.
وأكد أن الدستور هو الإطار القانوني الذي يضمن إجراء الانتخابات بشكل صحيح وشفاف و أوضح السائح أن الانتخابات يجب أن تُعد أداة لتحقيق الاستقرار والتنمية، وليست هدفًا في حد ذاتها.
موضحًا أن نجاح الانتخابات يعتمد على وجود إطار دستوري واضح يحظى بقبول واسع بين جميع الأطراف، وضرورة الحوار بين الأطراف السياسية لتجاوز العراقيل الحالية
وأكدتْ المفوضية من جهتها ردًا على كونها سببًا في تأخر الدستور واقرار الاستفتاء حوله أن المفوضية ليست إلا جهة تنفيذي إذا ما قدَّم لها الدستور وقوانينه وبأمر المحكمة العليا ستشرع في الاستفتاء عليه وأن أي ملاحظات من المفوضية لا تتعدى كونها ملاحظات فنية وفي حال قبل الطعن فالقانون رقم )6( وأُحيل للمفوضية الي ستشرع بعد تحديد ميزانية للاستفتاء على الدستور ولن تتأخر.
المحكمة العليا
تعد المحكمة العليا في ليبيا جهة حاسمة في النظر في الطعون الدستورية، حيث تُسهم في ضمان التزام القوانين بالدستور، وتعزيز سيادة القانون، موقف المحكمة العليا من الطعن في قانون الدستور الليبي يتضمن عدة جوانب مهمة تتعلق بالإجراءات القانونية، والقرارات الصادرة عنها وأهم ملاحظاتها جاءت حول : الطعن الدستوري.
المحكمة العليا تلقتْ طعونًا دستورية تتعلق بعدم دستورية بعض القوانين؛ حيث يتم تقديم هذه الطعون من قبل الأفراد أو الجهات المعنية، مثل أعضاء مجلس النَّواب، أو مؤسسات المجتمع المدني على سبيل المثال، تم تقديم طعن دستوري يتعلق بالفقرة )11( من المادة )30( من الإعلان الدستوري المعدَّل بموجب التعديل الدستوري السابع، حيث اعتبرت المحكمة أن التصويت على هذا التعديل لم يحقَّق النصاب المطلوب.
المحامية هند محمد أكدتْ بأن الحكم الدستوري يحظى بأهمية بالغة لأن جميع الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا تعد ملزمة لجميع الجهات، مما يعزَّز من مبدأ سيادة القانون، ويضمن حماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين .. كما أن هذه الأحكام تقوم بدور حيوي في تعزيز الاستقرار السياسي من خلال توفير إطار قانوني واضح.
نقاط الخلاف .. ومراقبون دوليون
أكدتْ أصواتٌ محلية ونشطاء سياسيون، ومراقبون دوليون من بعثة الأمم المتحدة، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة «هيومن رايتس ووتش» أن أهم النقاط التي أخرتْ الدستور تكمن في :
1. مكان العاصمة.
2.الهيئات السياسية.
3. مصدر التشريع.
4. حقوق الأقليات.
5. اللامركزية.
6. الهيئات المستقلة.
هذه النقاط تتطلب حوارًا شاملًا بين جميع الأطراف المعنية لضمان إقرار دستور يعكس تطلعات الشعب الليبي، ويحقّق آماله؛ فهل سينجح الليبييون، ويتحقَّق الاستفتاء حول الدستور.
بتشكيل لجنة وطنية شاملة تضم سياسيين ومستقلين وممثلين عن المجتمع المدني لصياغة دستور توافقي.
إلى جانب تعزيز الحوار الوطني وضع جدول زمني واضح، وملزم لإتمام العملية الدستورية.
يظل إقرار دستور جامع وشامل أمرًا ضروريًا لتحقيق الاستقرار في ليبيا. وبينما تتعالى الأصوات المطالبة بالتغيير، فإن الإرادة الوطنية الحقيقية هي المفتاح لكسر الجمود وتحقيق حلم الليبيين بدولة موحدة وديمقراطية
فهل يتحقق الحلم أم يظل بعيد المنال..؟!.