على الطريق

الرَّبـــاط

عمرو الكوني

كان‭ ‬شخص‭ ‬يُدعى‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬من‭ ‬قرى‭ ‬الريف‭ ‬الليبي‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الزراعة‭ ‬والرعي‭ ‬وبعض‭ ‬الوظائف‭ ‬البسيطة‭ ‬مثل‭ ‬التعليم‭ ‬والجيش‭ ‬والشرطة‭ ‬،‭ ‬فعاش‭ ‬طفولته‭ ‬كبقية‭ ‬أطفال‭ ‬القرية‭ ‬يقاوم‭ ‬المرض‭ ‬والبرد‭ ‬والحر‭ ‬وربما‭ ‬حتى‭ ‬الجوع‭ ‬والعطش‭ ‬،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬قاوم‭ ‬تلك‭ ‬الطبيعة‭ ‬بقوة‭ ‬ومناعة‭ ‬منحها‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬لكي‭ ‬يواصل‭ ‬رحلة‭ ‬حياة‭ ‬رسمها‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يعيشها‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الاسرة‭ ‬الفقيرة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الكد‭ ‬والتعب‭ ‬لكي‭ ‬تبني‭ ‬أسرة‭ ‬سعيدة‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬رغم‭ ‬‮ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬من‭ ‬تكاليف‭ ‬الحياة‭ ‬الصعبة‭ .‬

‮    ‬‭ ‬عاش‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬أقرانه‭ ‬تلك‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬وُصفت‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الكلام‭ ‬حتى‭ ‬‮    ‬أن‭ ‬كوّن‭ ‬أسرة‭ ‬كغيره‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬وأنجب‭ ‬الاطفال‭ ‬كما‭ ‬تحصّل‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬ينفصل‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬القرية‭ ‬التي‭ ‬أحبها‭ ‬ولأنها‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬أجله‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحفزه‭ ‬بالاستقرار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القرية‭ ‬وعدم‭ ‬مغادرتها‮     ‬‭ ‬‮ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ .‬

‮    ‬‭ ‬وبدأ‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬يعد‭ ‬الاسباب‭ ‬بنفسه‭ ‬للقاء‭ ‬ربه‭ ‬،‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬مشروع‭ ‬أغنام‭ ‬ظناً‭ ‬منه‭ ‬أنه‭ ‬سيسعده‭ ‬والله‭ ‬يعلم‭ ‬أنه‭ ‬سبب‭ ‬في‭ ‬قتله‭ ‬،‭ ‬قدّم‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬استقالته‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬وأُعطي‭ ‬مبلغاً‭ ‬مالياً‭ ‬لتصفية‭ ‬حقوقه‭ ‬العسكرية‭ ‬،‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬كان‭ ‬مساعداً‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬مشروعه‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬هدفاً‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬الذين‭ ‬يملكون‭ ‬قطعان‭ ‬الاغنام‭ ‬وفعلاً‭ ‬حقق‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬حلماً‭ ‬له‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬يدسه‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬اشترى‭ ‬قطيع‭ ‬الاغنام‭ ‬واستأجر‭ ‬راعي‭ ‬لهذا‭ ‬القطيع‭ ‬واشترى‭ ‬حماراً‭ ‬وربى‭ ‬كلاب‭ ‬وأعد‭ ‬جميع‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬لإنجاح‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬،‭ ‬وبدأ‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬عمله‭ ‬بجد‭ ‬ونية‭ ‬صادقة‭ ‬وراحة‭ ‬خلفت‭ ‬سروراً‭ ‬لقلبه‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬صاحب‭ ‬أغنام‭ ‬مثل‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬أقرانه‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬أفضل‭ ‬منهم‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬شدة‭ ‬تعلقه‭ ‬بهذا‭ ‬المشروع‭ ‬كان‭ ‬يذهب‭ ‬يومياً‭ ‬للتمشي‭ ‬وراء‭ ‬القطيع‭ ‬في‭ ‬المرعى‭ ‬مما‭ ‬زاده‭ ‬راحة‭ ‬بال‭ ‬وضمير‭ ‬تكسوه‭ ‬السعادة‭ ‬والحمد‭ ‬والشكر‭ ‬لله‭ ‬الذي‭ ‬أعانه‭ ‬‮         ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬يطمح‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬شديد‭ ‬التعلق‭ ‬به‭ ‬،‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬يمكث‭ ‬في‭ ‬المرعى‭ ‬مع‭ ‬الراعي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الاحيان‭ ‬وخاصة‭ ‬يومي‭ ‬الخميس‭ ‬والجمعة‭ .‬

‮    ‬‭ ‬أما‭ ‬الحقيقة‭ ‬المًرة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬مَلَك‭ ‬الموت‭ ‬يروضه‭ ‬ويعد‭ ‬له‭ ‬العدة‭ ‬للاقتراب‭ ‬‮       ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المصيدة‭ ‬،‭ ‬سبحان‭ ‬الله‭ ‬يتم‭ ‬تكليف‭ ‬فريق‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬تجهيز‭ ‬مسرح‭ ‬للجريمة‭ ‬النكراء‭ ‬التي‭ ‬سيرتكبها‭ ‬الرّباط‭ ‬،‭ ‬سائق‭ ‬الجرار‭ ‬الذي‭ ‬يجر‭ ‬الرّباط‭ ‬يدوس‭ ‬على‭ ‬دواسة‭ ‬السرعة‭ ‬مسرعاً‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬التأخر‭ ‬عن‭ ‬الموعد‭ ‬المحدد‭ ‬له‭ ‬وصاحب‭ ‬الزرع‭ ‬مُصر‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬الموعد‭ ‬المحدد‭ ‬ويؤكد‭ ‬على‭ ‬صاحب‭ ‬الرّباط‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬التخلف‭ ‬أو‭ ‬التأخير‭ ‬عن‭ ‬الموعد،‭ ‬والناس‭ ‬الذين‭ ‬حضروا‭ ‬لهذه‭ ‬الجريمة‭ ‬كلُ‭ ‬مُسرع‭ ‬ومُصر‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬الموعد‭ ‬المحدد‭ ‬والمكان‭ .‬

‮    ‬‭ ‬أخي‭ ‬القارئ‭ ‬للأسف‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬التجهيز‭ ‬لموقع‭ ‬الجريمة‭ ‬كلُ‭ ‬فيما‭ ‬يخصه‭ ‬لإتمامها‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬مخطط‭ ‬لها‭ ‬وعبد‭ ‬السلام‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬شيئاً‭ ‬مما‭ ‬يُحاك‭ ‬له‭ .‬

‮    ‬‭ ‬وبدأ‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الفلك‭ ‬الذي‭ ‬اتخذه‭ ‬مقراً‭ ‬لمشروعه‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬ليس‭ ‬مشروع‭ ‬الاغنام‭ ‬بل‭ ‬مشروع‭ ‬الموت‭ …. ‬الذي‭ ‬نُعد‭ ‬له‭ ‬جميعنا‭ ‬ولكن‭ ‬بدون‭ ‬علم‭ ‬عن‭ ‬خطواته‭ .‬

‮    ‬‭ ‬نرجع‭ ‬إلى‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ … ‬رأى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يدرسون‭ ‬الشعير‭ ‬بعد‭ ‬حصاده‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬يلتقي‭ ‬الناس‭ ‬أصدقاء‭ ‬وأقارب‭ ‬للتعاون‭ ‬كطبيعة‭ ‬العمل‭ ‬الزراعي‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬المسكين‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬شيئاً‭ ‬عما‭ ‬يُحاك‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬يعتبر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الاماكن‭ ‬التي‭ ‬حول‭ ‬المشروع‭ ‬حرماً‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يتعرف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬فيها‭ ‬فقدِم‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬ليثبت‭ ‬للجميع‭ ‬أنه‭ ‬هنا‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬مساعدة‭ ‬من‭ ‬يرغب‭ ‬‮       ‬في‭ ‬المساعدة‭ ‬،‭ ‬فوجد‭ ‬جامعوا‭ ‬أشلائه‭ ‬ومشيعي‭ ‬جثمانه‭ ‬مجتمعين‭ ‬حول‭ ‬تلك‭ ‬الآلة‭ ‬اللعينة‭ ‬يغذونها‭ ‬بالتبن‭ ‬لربطه‭ ‬وإخراجه‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاخرى‭ ‬في‭ ‬قوالب‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬‮    ‬له‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يلفه‭ ‬رداؤه‭ ‬حول‭ ‬جسمه‭ ‬وتقدم‭ ‬للمساعدة‭ ‬وأخذ‭ ‬الفركة‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الاشخاص‭ ‬وبدأ‭ ‬يغذي‭ ‬الرّباط‭ ‬بالتبن‭ ‬لربطه‭ ‬وهو‭ ‬يعمل‭ ‬بجد‭ ‬وإخلاص‭ ‬ونسي‭ ‬نفسه‭ ‬ولا‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬مَلَك‭ ‬الموت‭ ‬قد‭ ‬أوقعه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المصيدة‭ ‬التي‭ ‬أودت‭ ‬بحياته‭ ‬والتهمته‭ ‬تلك‭ ‬الآلة‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تفرق‭ ‬بين‭ ‬الصغير‭ ‬والكبير‭ ‬ولا‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والتبن‭ ‬ناسية‭ ‬أن‭ ‬لديه‭ ‬مشروع‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬يريد‭ ‬استكماله‭ .‬

‮    ‬‭ ‬وبهذه‭ ‬الجريمة‭ ‬النكراء‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬الرّباط‭ ‬أمام‭ ‬الجميع‭ ‬متحدياً‭ ‬جميع‭ ‬القوانين‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬طرفة‭ ‬عين‭ ‬قُذف‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬جوف‭ ‬الرّباط‭ ‬قطعاً‭ ‬وأشلاءً‭ ‬تم‭ ‬تجميعها‭ ‬في‭ ‬ردائه‭ ‬وأخذت‭ ‬لكي‭ ‬تدفن‭ .‬

‮    ‬‭ ‬وبعد‭ ‬أيام‭ ‬تم‭ ‬تقديم‭ ‬الربّاط‭ ‬للمحاكمة‭ ‬وكذلك‭ ‬سائق‭ ‬الجرار‭ ‬وصاحب‭ ‬الربّاط‭ ‬وصاحب‭ ‬الزرع‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬حضر‭ ‬هناك‭ ‬،‭ ‬وبعد‭ ‬المرافعات‭ ‬أمام‭ ‬القاضي‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬‮«‬‭ ‬أُثبتت‭ ‬براءة‭ ‬الجميع‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الربّاط‭ ‬وأعلن‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬أن‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬هو‭ ‬المتهم‭ ‬الاول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى