
كان شخص يُدعى عبد السلام يعيش في قرية من قرى الريف الليبي التي تعتمد على الزراعة والرعي وبعض الوظائف البسيطة مثل التعليم والجيش والشرطة ، فعاش طفولته كبقية أطفال القرية يقاوم المرض والبرد والحر وربما حتى الجوع والعطش ، ورغم ذلك فقد قاوم تلك الطبيعة بقوة ومناعة منحها الله له لكي يواصل رحلة حياة رسمها الله له أن يعيشها مع تلك الاسرة الفقيرة التي تقوم على حياة الكد والتعب لكي تبني أسرة سعيدة قدر الإمكان رغم ما تعانيه من تكاليف الحياة الصعبة .
عاش عبد السلام مع أقرانه تلك الحياة التي وُصفت في بداية الكلام حتى أن كوّن أسرة كغيره من الشباب وأنجب الاطفال كما تحصّل على عمل في القوات المسلحة ولكنه لم ينفصل عن حياة القرية التي أحبها ولأنها مسقط رأسه ، كما لا ننسى أن أجله هو الذي يحفزه بالاستقرار في هذه القرية وعدم مغادرتها إلى أي مكان .
وبدأ عبد السلام يعد الاسباب بنفسه للقاء ربه ، بدأ في تكوين مشروع أغنام ظناً منه أنه سيسعده والله يعلم أنه سبب في قتله ، قدّم عبد السلام استقالته من القوات المسلحة وأُعطي مبلغاً مالياً لتصفية حقوقه العسكرية ، هذا المبلغ كان مساعداً له في تحقيق مشروعه الذي كان هدفاً له في هذه الحياة مثله مثل أهل القرية الذين يملكون قطعان الاغنام وفعلاً حقق ما كان حلماً له إلا أن هذا الحلم لا يعرف ما يدسه الزمن في طياته ولكن على كل حال اشترى قطيع الاغنام واستأجر راعي لهذا القطيع واشترى حماراً وربى كلاب وأعد جميع ما يلزم لإنجاح هذا المشروع ، وبدأ عبد السلام عمله بجد ونية صادقة وراحة خلفت سروراً لقلبه أنه أصبح صاحب أغنام مثل غيره من أقرانه بل ربما أفضل منهم ، ومن شدة تعلقه بهذا المشروع كان يذهب يومياً للتمشي وراء القطيع في المرعى مما زاده راحة بال وضمير تكسوه السعادة والحمد والشكر لله الذي أعانه على تحقيق ما يطمح له حتى أنه كان شديد التعلق به ، الامر الذي جعله يمكث في المرعى مع الراعي في بعض الاحيان وخاصة يومي الخميس والجمعة .
أما الحقيقة المًرة هي أن مَلَك الموت يروضه ويعد له العدة للاقتراب من تلك المصيدة ، سبحان الله يتم تكليف فريق للعمل على تجهيز مسرح للجريمة النكراء التي سيرتكبها الرّباط ، سائق الجرار الذي يجر الرّباط يدوس على دواسة السرعة مسرعاً خوفاً من التأخر عن الموعد المحدد له وصاحب الزرع مُصر على الحضور في الموعد المحدد ويؤكد على صاحب الرّباط على عدم التخلف أو التأخير عن الموعد، والناس الذين حضروا لهذه الجريمة كلُ مُسرع ومُصر على الحضور في الموعد المحدد والمكان .
أخي القارئ للأسف قد تم التجهيز لموقع الجريمة كلُ فيما يخصه لإتمامها كما هو مخطط لها وعبد السلام لا يعلم شيئاً مما يُحاك له .
وبدأ عبد السلام يدور في ذلك الفلك الذي اتخذه مقراً لمشروعه ولكن هذه المرة ليس مشروع الاغنام بل مشروع الموت …. الذي نُعد له جميعنا ولكن بدون علم عن خطواته .
نرجع إلى عبد السلام … رأى مجموعة من الناس يدرسون الشعير بعد حصاده وفي هذا العمل يلتقي الناس أصدقاء وأقارب للتعاون كطبيعة العمل الزراعي ، وكان هذا المسكين الذي لا يعلم شيئاً عما يُحاك له وهو يعتبر في جميع الاماكن التي حول المشروع حرماً له ولا بد له أن يتعرف على ما يجري فيها فقدِم إلى هذه المجموعة ليثبت للجميع أنه هنا وقادر على مساعدة من يرغب في المساعدة ، فوجد جامعوا أشلائه ومشيعي جثمانه مجتمعين حول تلك الآلة اللعينة يغذونها بالتبن لربطه وإخراجه من الناحية الاخرى في قوالب فما كان له إلا أن يلفه رداؤه حول جسمه وتقدم للمساعدة وأخذ الفركة من أحد الاشخاص وبدأ يغذي الرّباط بالتبن لربطه وهو يعمل بجد وإخلاص ونسي نفسه ولا يعلم أن مَلَك الموت قد أوقعه في تلك المصيدة التي أودت بحياته والتهمته تلك الآلة القاسية التي لا تفرق بين الصغير والكبير ولا بين الإنسان والتبن ناسية أن لديه مشروع مهم في حياته يريد استكماله .
وبهذه الجريمة النكراء التي ارتكبها الرّباط أمام الجميع متحدياً جميع القوانين ، وفي أقل من طرفة عين قُذف عبد السلام في جوف الرّباط قطعاً وأشلاءً تم تجميعها في ردائه وأخذت لكي تدفن .
وبعد أيام تم تقديم الربّاط للمحاكمة وكذلك سائق الجرار وصاحب الربّاط وصاحب الزرع وكل من حضر هناك ، وبعد المرافعات أمام القاضي وهو « الرأي العام « أُثبتت براءة الجميع بما في ذلك الربّاط وأعلن الرأي العام أن عبد السلام هو المتهم الاول في هذه القضية