شرَّع الله الصداق «المهر» للزوجة، حفاظًا على حقوقها، وصونًا لكرامتها.. ينقسم الصداق في أغلب عقود الزواج، إلى مُقدّم يُدفع للزوجة حال عقد الزواج، ومؤخر هو بذمة الزوج، وحقٌ للزوجة، وإن توفي الزوج قبل الوفاء به، يُعطى للزوجة قبل تقسيم الميراث، لأنه دينٌ على الزوج، امتثالاً لقوله تعالى )من بعد وصية يوصي بها أو دين(..
القضية .. التي بين أيدينا، تتساءل فيها الزوجة المطلقة، عن إسقاط حقها في مؤخر صداقها من قبل محكمة الأحوال الشخصية، بعد طلاقها من زوجها..
حيث تقول السيدة، إنها تزوجتْ منذ عشر سنوات، إلا أن الله لم يرزقها بأبناء، وبدأتْ رحلة العلاج لعدد من مراكز علاج العقم داخل البلاد، وكان زوجها معها في مراحل العلاج خلال السنوات الأولى، إلا أنه في السنوات الأخيرة أصبح غير مهتم رغم نصائح الأطباء..
توترتْ العلاقة بيننا بسبب هذا الأمر، ما أثر على حالتي النفسية، واضطرني ذات يوم للخروج من المنزل دون أخذ الإذن منه، فقام برفع قضية طلاق أمام المحكمة الخاصة بالأحوال الشخصية…وبعد جلسات، ومداولات استمرت لأشهر، حكمت المحكمة بتطليقي من زوجي، وسقوط جميع حقوقي، وألزمتني بالمصاريف..
سؤالي هنا .. كيف يسقط حقٌ سابق، وهو مؤخر الصداق، الذي هو حقٌ ليّ ودينٌ على الزوج، بخطأٍ لاحق، رغم أني لم أخطيء بحق زوجي، عدا ما سردته سابقاً، وهل هذا الأمر منصوص عليه قانوناً، أم أنه يعود لتقدير القاضي..؟
الرأي القانوني :
يُثير حقُ الزوجة في صداقها كثيرًا من الاشكالات القانونية، واللبس الذي يقع فيه حتى القانوني المختص .. وسنحاول بإذن الله تعالى أنّ نشرح هذا الامر بشكل مقتضب، ومبسط حتى يتسنى لغير المختصين فهمه على الوجه الصحيح، ولا نتطرق للشق الشرعي وآراء الفقهاء في هذا الشأن حتى نختصر المسألة :
أولًا: الصداق في قانون الاحوال الشخصية الليبي المنصوص عليه في القانون رقم )10/(1984 وتعديلاته هو المبلغ، أو القيمة العينية من الذهب المنصوص عليه في عقد الزواج وله عدة صور تكتب في عقد الزواج وفي العادة يقسم بين قسمين .. الأول ويقال له «الحال منه»، والآخر «المؤجل منه» ويسمى «مؤخر الصداق» .. وافترض المشرَّع أن الزوجة قد استلمتْ مقدم صداقها عند الدخول بها أما المؤخر منه فله عديد الصور ..
أولها أن يكون غير محدّد الأجل ويكتفى فيها المتعاقدان على ذكره دون ذكر أجل استحقاقه، وهنا يفترض المشرَّع أن يحل أجله بأحد الأجلين «الموت، أو الطلاق»، ومنه ما يكون محدّد المدة وهنا في مبدأ حديث للمحكمة العليا استقر رأيها على استحقاق الزوجة لمؤخر صداقها حتى قبل حلول أجله إذا وقع الطلاق ..
سؤال آخر :
هل مؤخرُ الصداق حقٌ مطلقٌ للزوجة تستحقه فى كل الاحوال ؟!!.
الاجابة القانونية بالطبع لا .. ذلك أنّ هناك حالات معينة يسقط فيها عن الزوجة مؤخر صداقها .. فوفًقا لنص المادة «39» من القانون رقم 10/84 يسقط حق الزوجة في مؤخر صداقها إذا لم تستطع اثبات ضررها إذا اقامت دعوى تطليق للضرر في مواجهة زوجها ..
كما يسقط حقها في مؤخر الصداق إذا ثبت الحاقها الأذى بزوجها، ويسقط أيضًا إذا رفضتْ العودة لبيت الزوجية إذا صدر ضدها حكمٌ بالزامها بالرجوع إلى بيت الزوجية .. ولأن في هذا الجانب من عقد الزواج ينظر المشرّع للعقد كعقد معاملات ويعامل معاملة سائر العقود الرضائية فتحكمه قاعدة )العقد شريعة المتعاقدين(؛ أي أن العقدَ ملزم للطرفين ويلتزمان به، ولا يحق لطرف أن يغير ما جاء فيه دون إرادة الطرف الثاني .. كما أن قيمة مؤخر الصداق هو دين لا يسقط على المدين إلا بـ)الإبراء، أو الوفاء(.
ويستحق إذا حل أجله بقوة القانون أو بحكم قضائي، وتصبح ذمة المدين كلها ضامنة للوفاء به ..
أما بخصوص سؤال الأخت التي ذكرتْ فيه أن حقها في مؤخر الصداق سقط عنها :
فالأغلب أنها اقامت دعوى تطليق ضد زوجها، ولم تفلح في اثبات الضرّر. وقضى بتطليقها لاستحالة دوام العشرة واسقاط حقوق طالب التفريق.
المحامي/أحمد بن نعمة