
المسرح يعرف الهوية .. يصحح السلوك .. ويُعلم الأخلاق ويهذب الروح
منذ أنّ خطى أولى خطواته نحو التلفزيون لمع نجمه بين أقرانه، ولم يكنْ يومًا مجرد ممثل عابر، بل صوت فني رسَّخ حضوره بثبات، وترك بصمة واضحة في ذاكرة الليبيين. أربعة عقود من الإبداع شكلتْ مسيرة غنية تميز فيها بقدرة استثنائية على تجسيد التفاصيل الإنسانية بصدق ووعي جعلتْ حضوره جزءًا من تكوين «الدراما الليبية»، ويعد ضيفنا أحد أبرز الوجوه التي برزتْ في مسلسلي )الكنة، والعمارة(؛ حيث استطاع أن يقدم شخصيات نابضة بالحياة مؤكدًا أنَّ الفن الحقيقي لا يحتاج إلى ضجيج، بل يفرض نفسه بموهبة صادقة، وتاريخ متين.
حديثنا معه هو حديث عن جيل كامل من المبدعين الذين حافظوا على حرارة المسرح، ووهج «الدراما الليبية» ليبقى اسمه له وزنه وحضوره في خارطة الفن الليبي لن اطيل عليكم ضيفنا هو الفنان «عامر الحوك»…
كيف تصفُ بداياتكَ في التمثيل؟، وهل كانتْ الصدفة هي من قادتك إلى المسرح والتلفزيون أم للشغف المبكر للفن؟
بدايتي كانتْ من المسرح المدرسي؛ حيث أديتُ عملين الأول دور صلاح الدين الأيوبي، والثاني عمر المختار.
وكان سبب دخولي هذا المجال الأستاذ الراحل محمد الساحلي الذي شجعني، فهو ممثل ومخرج معروف للجميع له العديد من الأعمال وهو من دفع بيّ لـ«لفرقة القومية» للتمثيل والموسيقى عام 1978 هناك التقيتُ بالأساتذ المرحوم مختار الأسود، والمرحوم محمد شرف الدين، وسعد الجازوي.
آنذاك كانتْ الفرقة القومية مدرسة حقيقية تصقل الفنان، ومنها انطلقنا للعمل .
أول عمل تلفزيوني بعنوان : «لا إله إلا الله محمد رسول الله» للكاتب مصطفى الأمير والمخرج محمد مختار رحمه الله. بعدها شاركتُ في مسرحية «سويلمه» بدور البطولة صحبة الفنانة زهرة مصباح، والفنان محمد البوزيدي والمخرج عبدالسلام حسين ثم مسرحية «المشروع» ضمن نخبة من فنانين منهم محمد شرف الدين، ومختار الأسود ومصطفى الأمير، وحسن الكشيك الذي كان أستاذ الكوميديا الله يرحمهم جميعًا.
كفنان مخضرم أخبرنا ما الذي تغير في رؤية «الحوك» للفن بين الأمس واليوم؟
هناك فرقٌ شاسعٌ في السابق كان الفن حقيقيًا، ورسالةً واضحةً؛ فالإنسان لم يكنْ يسعى إلى الربح، واستغلال أفكار، بل كان العمل بدافع المحبة والأمانة والمسؤولية تجاه المجتمع .. عملتُ مع أسماء كبيرة مثل:
الهادي راشد، وعبد الباسط البدري رحمه الله مخرج سينما؛ فقد كانتْ ليَّ سابقة في فيلم سينمائي بعنوان «الشهيدة زائة»، والعديد من الموسيقيين، والمسرحيين، والمخرجين ناهيك عن الممثل يوسف الغرياني، والمرحوم إسماعيل العجيلي كل هؤلاء الفنانين كانوا ضمن الفرقة القومية التي تأسستْ في 1952وكانتْ من أقوى الفرق؛ حيث شاركنا بالعديد من العروض المسرحية داخل وخارج ليبيا تلك كانتْ فترة ذهبية خرجتْ منها أسماء كبيرة بعضهم رحل عنا وآخرون مازالوا موجودين ونسأل الله أن يمد في أعمارهم.
قدمتَ أدوارًا بارزة في مسلسلي «الكنه والعمارة» ومازال المتلقي يحرص على متابعتهما رغم مشاهدته لها مرات عديدة برأيكَ ما خصوصية كل دور؟، وكيف عملتَ على رسم ملامح الشخصية؟
كنتُ دائمًا أحب المسرحَ، ولكنَّي اتجهتُ للتلفزيون، وقدمتُ فيه أعمالاً كثيرة.
كما أنَّني قرأتُ نصوصًا عديدة واحببتها لأنني أحب الإنتاج التلفزيوني قدمنا الكثير في مواسم رمضان الكريم، واشتغلتُ مع عديد الفنانين منهم:
أ. يوسف الغرياني، والمرحوم إسماعيل العجيلي وخدوجة صبري، وغيرهم.
أحاول أن اذكرهم فهذا حقه.
كما انتجتُ عدة برامج رمضانية من بينها «معزومين»، و«الفالحة»، اضافة إلى التمثيل بعدها كانتْ ليَّ أدوار في عدة مسلسلات منها «العمارة»، و«طريق الشوق»، وبرنامج «اشكي» للكاتب عبدالرحمن حقيق، والمخرج محمد مختار صحبة رفيقي الفنان عياد الز ليطني وأ.مصطفى المصراتي الله يرحمه.
في الحقيقة لا يوجد مخرجون بحجم مخرجي الدراما السابقين، ولكن الجيل الجديد متجهون في سياق آخر لم تكن بدايتهم فرقة، ولم يعرفوا معاناة المسرح.
ما الذي يحتاجه المسرح اليوم ليستعيد مكانته الطبيعية؟
المسرح يحتاج للكثير هذا السؤال مهم ويحتاج إلى اجابة مطولة؛ فقدنا دار عرض ومسرح الكشاف، والعديد من المسارح حقيقة للأسف تهالكتْ مع الزمن، فهل يعقل مدينة مثل طرابلس لا تمتلك مسرحًا؟! ، ميزانيات تصرف فهل اصبح بناء مسرح صعبًا إلى هذا الحد.
المسرح يعرف الهوية البصرية للممثل كذلك يصحح سلوك الإنسان، ويُعلم الاخلاق ويهذب الروح أخطاء كثيرة في الشارع العام يصلحها المسرح فهو أستاذ الشعوب.
عاصرنا تلك الفترة، مخرجون وممثلون مخضرمون تواروا ولم يعد هناك من يبحث ويسأل على النصيحة، ولا يعطوك فرصة لأنهم جيل آخر هذا الجيل لم يعاصر تجارب المسرح القوية، ومع هذا مازال هناك فنانون يستحقون الدعم ولكن أرى أنّ الأساسيات لا بد أنّ يستشفها من الفنان نفسه، أو المخرج وعليه أن يعيشها رغم ان هناك فنانين يمرون بوعكات صحية مثل الفنان إبراهيم الخمسي الذي قدم الكثير للطفل، والمسرح، والسينما.
شخصية رصينة، ومبدع مازال يعطي من وقته وجهده رغم إعاقته اتمنى بالفعل أنّ يتم علاجه والوقوف بجانبه ومساعدته هذا اقل ما يمكن أن نقدمه له مقابل ما يعطيه حتى يومنا.
المسرح يعلم الكثير؛ فليس من السهل الوقوف على الركح فهو له بعد، وعمق لا يوصف؛ فمن يقف عليه لا يعرف مجاملةً ولا يخشى لومة لائم؛ فهو مرأة الشعوب .
إما الآن فأصبح المسرح للتهريج، وهذا لا يمت للمسرح بصلة، والحمد الله مثلنا ليبيا في الداخل والخارج فمنذ 2016حتى 2021 كنتُ مدير عام المركز القومي للسينما فقد دعمنا أ.محمد البيوضي بالهيئة وفتحنا عدة فروع منها غريان، وسبها، وبنغازي، ودرنه؛ فكانت سنوات أكثر من جميلة.
شاركنا بمجهودات ذاتية مع بعض المخرجين والكتَّاب بمشاركات بسيطة في عدة مهرجانات بين مصر، وتونس، والجزائر والمغرب.
ومن منبر «فبراير» أحب أن اشكر أ. محمد البيوضي على دعمه لنا في تلك السنوات فقد كان شخصًا متعاونًا.
عندما تُسدل الستارة، أو تنطفي الكاميرا مَنْ هو «عامر الحوك» بعيدًا عن الأضواء؟
درستُ بمعهد الموسيقى، والاخراج بمدينة بنغازي، انتقلتُ إلى طرابلس واتممتُ دراستي بمعهد «جمال الدين الميلادي».
«الحوك» ينتمي إلى أسرة مترابطة مقيمة بالمدينة القديمة كان جدي يعمل بالحياكة، ثم انتقلنا إلى الشارع الغربي عمري يناهز 71عامًا – بطول عمرك -.
اضافة إلى كوني فنان فأنا رياضي تحصلتُ على «الحزام الأسود» في يوغسلافيا، ودربتُ عدة جهات حكومية وأندية رياضية، وكنتُ أوازن بين «الفن والرياضة»، وهذا اسعد ما في مسيرتي.
فيلم «ريح القبلي» يلخصُ الواقع الليبي بعد وفاة المجاهد عمر المختار، أ.محمد المسماري المخرج المبدع في عمله اخرج فيلمًا سينمائيًا تم تصوير بعض مشاهده في المنطقة الشرقية وسبها وغريان كما اننا صورنا بعض مشاهد في المدينة القديمة.. الفيلم يروي الحياة ما بعد وفاة عمر المختار فهو يتناول قرارات «بالبو» بحق المجاهدين وهو إعدامهم او نفيهم او سجنهم إلى أن ينتهي الفيلم سنقوموا بعرضه في المهرجانات فهو تاريخ مهم وحافل ومشرف لكل ليبي، ومن مصر الشقيقة كان معنا المصور البارع والمخرج السينمائي علي بهادر، وهو شخصية معاصرة تربطني به علاقة صداقة واخوة وعمل.



