الرئيسية

الشتاء الذي يلم العيلة الشاهي يركرك عالجمر .. والجدات يروين الحكايات

شهد عبد الحفيظ

لم‭ ‬يكن‭ ‬الشتاء‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الليبية‭ ‬مجرد‭ ‬فصلٍ‭ ‬تتساقط‭ ‬فيه‭ ‬الأمطار،‭ ‬وتتقلب‭ ‬فيه‭ ‬الرياح،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬فصلًا‭ ‬يختبر‭ ‬دفء‭ ‬القلوب،‭ ‬ويجمع‭ ‬العائلات‭ ‬حول‭ ‬حكايات‭ ‬الجدّات،‭ ‬وعالة‭ ‬الشاي،‭ ‬و«السنفنز‮»‬‭ ‬الساخن‭.‬

كان‭ ‬الشتاء‭ ‬موسمًا‭ ‬للسمر‭ ‬الطويل،‭ ‬وللتبادل،‭ ‬وللمشاركة؛‭ ‬حيث‭ ‬يجتمع‭ ‬النَّاس‭ ‬رغم‭ ‬صعوبة‭ ‬الظروف‭ ‬والبرد‭ ‬القارس‭.‬

اليوم‭ ‬تغير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬اللمّة‭ ‬تلقائية،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬الحكايات‭ ‬تُروى‭ ‬سوى‭ ‬عبر‭ ‬شاشة‭ ‬الهاتف‭. ‬أصبح‭ ‬الشتاء‭ ‬فصلًا‭ ‬باردًا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القلوب،‭ ‬رغم‭ ‬حرارة‭ ‬المدافئ‭ .‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الاستطلاع،‭ ‬نستعيد‭ ‬شتاء‭ ‬الأمس‭ ‬وشتاء‭ ‬اليوم‭ ‬عبر‭ ‬حكايات‮ ‬‭ ‬طويلة‭ ‬ومترابطة‭ ‬لأشخاص‭ ‬عاشوا‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات،‭ ‬لكل‭ ‬منهم‭ ‬ذاكرة‭ ‬ودفء‭ ‬يحكيه‭ ‬بشغف‭ ‬وحنين‭.‬‮  ‬‭ ‬

‮ ‬‭ ‬حوش‭ ‬الشتاء‭ .. ‬واللمة‭ ‬التي‭ ‬تربّينا‭ ‬عليها

تجلس‭ ‬الحاجة‭ ‬امباركة‮ ‬‭ ‬75‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬بيتها‭ ‬القديم،‭ ‬تقول‭:‬

زمان‭ ‬كان‭ ‬الشتاء‭ ‬يجي‭ ‬ومعه‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭. ‬ننفض‭ ‬الفراشات‭ ‬الصوف‭ ‬ونمد‭ ‬حصيرة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬الحوش‭. ‬الحوش‭ ‬كان‭ ‬يبرد‭ ‬بسرعة،‭ ‬لكن‭ ‬كنا‭ ‬نسخّنه‭ ‬باللمة‭.‬

أولادي‭ ‬كانوا‭ ‬يجريون‭ ‬من‭ ‬المدرسة،‭ ‬يرمون‭ ‬شناطيهم،‭ ‬ويجلسون‭ ‬حول‭ ‬الكانون‭. ‬أول‭ ‬قطرة‭ ‬مطر‭ ‬‮…‬‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬الحكايات‭.‬

اليوم،‭ ‬يجلسون‭ ‬معي،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬مشغول‭ ‬بهاتفه‮…‬‭ ‬الشتاء‭ ‬تغير،‭ ‬والدفء‭ ‬تغير‭ ‬معه‭.‬

‮ ‬‭ ‬المطر‭ ‬الذي‭ ‬ينزل‭ .. ‬وتنزل‭ ‬معه‭ ‬القلوب‭ ‬لبعض

سامي‮ ‬‭ ‬48‭ ‬عامًا‭ ‬يروي‭:‬

أمي‭ ‬كانت‭ ‬تقول‭: ‬الشتاء‭ ‬يلم‭ ‬النّاس،‭ ‬والصيف‭ ‬يفرّقهم‭. ‬كنت‭ ‬أعود‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬مبلولًا‭ ‬من‭ ‬المطر،‭ ‬أجد‭ ‬الحوش‭ ‬دافئًا‭ ‬برائحة‭ ‬الحطب،‭ ‬وأخوتي‭ ‬مجتمعين،‭ ‬والجدة‭ ‬تحكي‭ ‬لنا‭ ‬الحكايات‭.‬

آخر‭ ‬مرة‭ ‬تجمعنا‭ ‬فيها‭ ‬كانت‭ ‬جنازة‭ ‬والدي‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬المطر‭ ‬يمرّ،‭ ‬ونحن‭ ‬متفرقون،‭ ‬كلٌ‭ ‬في‭ ‬عالمه‭.‬”

رائحة‭ ‬‮«‬السفنز‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُحيي‭ ‬الحوش

فدوى‮ ‬‭ ‬55‭ ‬عامًا‭ ‬تقول‭:‬

في‭ ‬أول‭ ‬مطرة،‭ ‬نضبح‭ ‬للجيران‭: ‬تعالوا‭! ‬الوليدات‭ ‬يركضون،‭ ‬الجيران‭ ‬يدخلون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إذن‭.‬

السنفنز‭ ‬يملأ‭ ‬الحوش‭ ‬رائحة‭ ‬وضحكًا‭.‬

اليوم‭ ‬أصنع‭ ‬‮«‬السفنز‮»‬،‭ ‬وأصورها‭ ‬لـ‭)‬لفيسبوك‭(. ‬اللمة‭ ‬أصبحت‭ ‬إلكترونية،‭ ‬لا‭ ‬حقيقية‭.‬

‮ ‬‭ ‬حكايات‭ ‬الجدّ‭ .. ‬أهم‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬قناة

الحاج‭ ‬عمر‮ ‬‭ ‬63‭ ‬عامًا‭ ‬يصف‭:‬

جدي‭ ‬كان‭ ‬يحكي‭ ‬عن‭ ‬الغولة،‭ ‬وأم‭ ‬السعف،‭ ‬ونحن‭ ‬نرتجف‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والبرد‭. ‬القصص‭ ‬كانت‭ ‬تعلمنا‭ ‬الشجاعة‭ ‬والصبر‭.‬

أحفادي‭ ‬اليوم‭ ‬يطلبون‭ ‬الفيديو‭ ‬بدل‭ ‬الحكاية‭. ‬الخيال‭ ‬والضحك‭ ‬الحقيقي‭ ‬اختفيا‭.‬”

‮ ‬‭ ‬الشتاء‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عيدًا

أمينة‭ ‬48‭ ‬عامًا‭ ‬تقول‭:‬

من‭ ‬أول‭ ‬قطرة‭ ‬مطر‭ ‬تجمع‭ ‬الجارات،‭ ‬الشاي‭ ‬يركرك‭ ‬على‭ ‬الجمر،‭ ‬الحكايات‭ ‬تبدأ‭.‬

اليوم‮…‬‭ ‬المطر‭ ‬ينزل،‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬غرفته‭. ‬الشتاء‭ ‬لا‭ ‬يجمع،‭ ‬صار‭ ‬فصل‭ ‬عزلة‭.‬

‮ ‬‭ ‬أخي‭ ‬الذي‭ ‬سرقته‭ ‬الدنيا

عبدالرحمن‮ ‬‭ ‬52‭ ‬عامًا‭ ‬يروي‭:‬

أنا‭ ‬وأخي‭ ‬كنا‭ ‬نترقب‭ ‬الشتاء‭ ‬لنلتقي،‭ ‬ونسهر‭ ‬طول‭ ‬الليل‭ ‬حول‭ ‬الكانون‭. ‬اليوم‭ ‬يمرّ‭ ‬الشهر‭ ‬ولا‭ ‬نلتقي‭. ‬الشتاء‭ ‬لم‭ ‬يتغير‮…‬‭ ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬تغيرنا‭.‬”

عزاء‭ ‬برسالة‭ ‬‮…‬‭ ‬وشتاء‭ ‬بلا‭ ‬بشر

سلوى‭ ‬46‭ ‬عامًا‭ ‬تقول‭:‬

زمان‭ ‬لو‭ ‬رن‭ ‬جرس‭ ‬البيت،‭ ‬الجار‭ ‬يدخل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استئذان‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬يجب‭ ‬الاتصال‭ ‬والموافقة‭. ‬الضحكة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تلقائية‭.‬”

زمان،‭ ‬لو‭ ‬أحد‭ ‬يمرض،‭ ‬الحوش‭ ‬يمتلئ‭. ‬اليوم‭ ‬نتلقى‭ ‬عزاء‭ ‬برسالة‭. ‬الشتاء‭ ‬صار‭ ‬باردًا‮…‬‭ ‬والحزن‭ ‬وحيدًا‭.‬

زيارة‭ ‬بلا‭ ‬موعد‭ .. ‬ذكريات‭ ‬لا‭ ‬تُنسى

سامية‭ ‬57‭ ‬عامًا‭ ‬تقول‭:‬

أحلى‭ ‬شيء،‭ ‬الجارة‭ ‬تدخل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استئذان،‭ ‬الجدة‭ ‬تقول‭: ‬تعالوا‭ ‬نشرب‭ ‬الشاي،‭ ‬ونتحدث‭ ‬عن‭ ‬الأيام‭ ‬اليوم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتصل‭ ‬قبل‭ ‬الزيارة‮…‬‭ ‬الضحكة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تلقائية‭.‬

المطر‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬الشاطئ‭ .. ‬ودفء‭ ‬الحوش

يوسف‭ ‬50‭ ‬عامًا‭ ‬يروي‭:‬

في‭ ‬مطر‭ ‬شديد،‭ ‬الحوش‭ ‬مظلم،‭ ‬الكانون‭ ‬يشتعل،‭ ‬الأطفال‭ ‬يركضون،‭ ‬الجدة‭ ‬تروي‭ ‬الحكايات‭. ‬كل‭ ‬قطرة‭ ‬مطر‭ ‬لها‭ ‬صوت،‭ ‬وكل‭ ‬صوت‭ ‬يخلق‭ ‬قصة‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬لو‭ ‬شاف‭ ‬المطر‭ ‬أحد،‭ ‬يغلق‭ ‬الباب‭ ‬ويشاهد‭ ‬التلفزيون‭.‬

‮ ‬‭ ‬الليل‭ ‬الطويل‭ .. ‬وحكايات‭ ‬الجدّات

خديجة‭ ‬60‭ ‬عامًا‭ ‬تقول‭:‬

كانت‭ ‬الليالي‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬الشتاء‭ ‬فرصة‭ ‬للجلوس‭ ‬مع‭ ‬الجدّات‭. ‬قصص‭ ‬الغولة‭ ‬والبحّارة‭ ‬كانت‭ ‬تجعلنا‭ ‬نخاف‭ ‬ونضحك‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬الأطفال‭ ‬يطلبون‭ ‬الفيديو‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الحكاية‭.‬

‮ ‬‭ ‬الشاي‭ ‬على‭ ‬الجمر‮…‬‭ ‬لقاء‭ ‬الأجيال

نجلاء‭ ‬40‭ ‬عامًا‭ ‬تروي‭:‬

الشتاء‭ ‬يبدأ‭ ‬بالشاي‭ ‬على‭ ‬الجمر،‭ ‬الجدات‭ ‬يعلّمن‭ ‬الصبر‭ ‬والحكمة‭. ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬يعرف‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الشاشة،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬معنى‭ ‬اللمة‭.‬

المطر‭ ‬الذي‭ ‬جمعنا‭ ‬ضد‭ ‬البرد

عادل‭ ‬37‭ ‬عامًا‭ ‬يصف‭:‬

ليلة‭ ‬مطر‭ ‬شديد،‭ ‬انقطع‭ ‬التيار،‭ ‬جلسنا‭ ‬حول‭ ‬الكانون،‭ ‬الجدّات‭ ‬يروين‭ ‬الحكايات،‭ ‬الأمهات‭ ‬يحضرن‭ ‬الحساء،‭ ‬الأولاد‭ ‬يضحكون‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬لو‭ ‬انقطع‭ ‬التيار،‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬يضبط‭ ‬مصباحه‭ ‬ويكمل‭ ‬هاتفه‭.‬

‮ ‬‭ ‬اللمة‭ ‬قبل‭ ‬المدرسة

هدى‮ ‬32‭ ‬عامًا‭ ‬تقول‭:‬

الشتاء‭ ‬كان‭ ‬يبدأ‭ ‬صباحًا‭ ‬بلمة‭ ‬صغيرة،‭ ‬الشاي‭ ‬الساخن،‭ ‬الكاكاوية‭. ‬الأطفال‭ ‬يجلسون‭ ‬قبل‭ ‬المدرسة،‭ ‬يسمعون‭ ‬الحكايات‭ ‬ويذهبون‭ ‬بابتسامة‭. ‬الآن‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬يذهب‭ ‬وحيدًا‭.‬

الليالي‭ ‬المطيرة‭ .. ‬وصدى‭ ‬الضحك

رياض‮ ‬‭ ‬50‭ ‬عامًا‭ ‬يروي‭:‬

ليلة‭ ‬مطر‭ ‬شديد،‭ ‬الجدّات‭ ‬تحكي،‭ ‬الأولاد‭ ‬يضحكون،‭ ‬الرجال‭ ‬يروون‭ ‬قصص‭ ‬شبابهم‭. ‬المطر‭ ‬كان‭ ‬موسيقى،‭ ‬الضحك‭ ‬دفء‭. ‬اليوم‭ ‬المطر‭ ‬صامت‭ ‬والضحك‭ ‬نادر‭.‬

القهوة‭ ‬والسفنز‮…‬‭ ‬حكاية‭ ‬الشتاء

كوثر‭ ‬37‭ ‬عامًا‭ ‬تقول‭:‬

مع‭ ‬أول‭ ‬قطرة‭ ‬مطر،‭ ‬السنفنز‭ ‬جاهز،‭ ‬القهوة‭ ‬ساخنة‭. ‬الجيران‭ ‬يدخلون‭ ‬بلا‭ ‬موعد‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬نأكل‭ ‬السنفنز‭ ‬بصمت،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يشاركنا‭ ‬سوى‭ ‬صورة‭ ‬على‭ ‬الهاتف‭.‬”

آخر‭ ‬مطرة‭ ‬جمعتنا

فتحي‭ ‬50‭ ‬عامًا‭ ‬يروي‭:‬

آخر‭ ‬مرة‭ ‬تلمّينا‭ ‬كل‭ ‬العائلة‭ ‬كانت‭ ‬مطرة‭ ‬يناير‭ ‬2011‭. ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬تفرّقنا‭. ‬المطر‭ ‬لوحده‭ ‬لا‭ ‬يجمع‮…‬‭ ‬القلوب‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭.‬‮ ‬‭ ‬الزيارات‭ ‬العفوية‮…‬‭ ‬

‮ ‬‭ ‬دفء‭ ‬الشتاء‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحوش

عبدالسلام‭ ‬52‭ ‬عامًا‭ ‬يقول‭:‬

ليلة‭ ‬مطر‭ ‬شديد،‭ ‬الجيران‭ ‬دخلوا،‭ ‬الحوش‭ ‬امتلأ،‭ ‬الكانون‭ ‬يشتعل،‭ ‬الشاي‭ ‬يغلي،‭ ‬السفنز‭ ‬يسخن‮…‬‭ ‬اليوم‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬غرفته،‭ ‬الهاتف‭ ‬بين‭ ‬اليدين‭.‬”

جدتي‭ ‬كانت‭ ‬تصنع‭ ‬الشتاء

حنان‭ ‬33‭ ‬عامًا‭ ‬تقول‭:‬

جدتي‭ ‬كانت‭ ‬تصنع‭ ‬الشتاء،‭ ‬تجمعنا،‭ ‬تروي‭ ‬القصص،‭ ‬تعلمنا‭ ‬الصبر‭ ‬والشجاعة‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬الشتاء‭ ‬موجود‭ ‬جسديًا‭ ‬فقط‭. ‬الحكايات‭ ‬اختفت،‭ ‬الدفء‭ ‬رحل‭ ‬معها‭.‬

المطر‭ ‬وأصوات‭ ‬الطفولة

ناصر‭ ‬35‭ ‬عامًا‭ ‬يصف‭:‬

المطر،‭ ‬أصوات‭ ‬الأطفال‭ ‬وهم‭ ‬يركضون‭ ‬في‭ ‬الحوش،‭ ‬صوت‭ ‬الجدّة‭ ‬وهي‭ ‬تروي‭ ‬قصة،‭ ‬ضحكات‭ ‬الأمهات،‭ ‬صوت‭ ‬الكانون‭.‬

اليوم‭ ‬المطر‭ ‬صامت،‭ ‬والأطفال‭ ‬مع‭ ‬هواتفهم،‭ ‬الصوت‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬رنين‭ ‬الرسائل‭.‬

الشباك‭ ‬المبلل‭ ‬وأصوات‭ ‬المطر‭ ‬

خلود‭ ‬36‭ ‬عامًا‭ ‬تقول‭:‬

أيام‭ ‬المطر‭ ‬كانت‭ ‬أجمل‭ ‬أيام‭ ‬السنة‭. ‬أجلس‭ ‬قرب‭ ‬الشباك،‭ ‬أسمع‭ ‬المطر‭ ‬وهو‭ ‬يطرق‭ ‬على‭ ‬الزنك،‭ ‬أشم‭ ‬رائحة‭ ‬الحطب‭ ‬والدخان،‭ ‬وأرى‭ ‬الأطفال‭ ‬يجتمعون‭ ‬حول‭ ‬الكانون‭.. ‬الجدّة‭ ‬تحكي‭ ‬حكايات‭ ‬عن‭ ‬البحّارة‭ ‬والقرى‭ ‬البعيدة،‭ ‬ونحن‭ ‬نرتجف‭ ‬من‭ ‬البرد‭ ‬ونضحك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬المطر‭ ‬يسقط٫‭ ‬لكن‭ ‬الصوت‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬رسائل‭ ‬الهواتف،‭ ‬والدفء‭ ‬اختفى‭.‬

شاهي‭ ‬الشتاء‭ ‬وذكريات‭ ‬الطفولة

لطيفة‭ ‬42‭ ‬عامًا‭ ‬تروي‭:‬

أمي‭ ‬كانت‭ ‬تحضّر‭ ‬الشاي‭ ‬وتدعونا‭ ‬نتجمع‭ ‬في‭ ‬الحوش‭ ‬قبل‭ ‬الغروب‭. ‬تقلي‭ ‬الكاكاوية،‭ ‬السفنز‭ ‬ساخن،‭ ‬والضحك‭ ‬يتردد‭ ‬بين‭ ‬الجدران‭. ‬الجدات‭ ‬يروين‭ ‬حكايات‭ ‬طويلة‭ ‬عن‭ ‬أبطال‭ ‬زمان،‭ ‬عن‭ ‬الحروب‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وعن‭ ‬الطفولة‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬الشاي‭ ‬حاضر،‭ ‬لكن‭ ‬الروح‭ ‬غائبة،‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬غرفته،‭ ‬والضحك‭ ‬أصبح‭ ‬إلكترونيًا‭.‬

الليالي‭ ‬الممطرة‭ ‬ووهج‭ ‬الكانون

عمران‮ ‬‭ ‬39‭ ‬عامًا‭ ‬يقول‭:‬

أتذكر‭ ‬ليلة‭ ‬مطر‭ ‬شديد،‭ ‬انطفأتْ‭ ‬الأنوار،‭ ‬جلسنا‭ ‬حول‭ ‬الكانون،‭ ‬وكانت‭ ‬الجدّة‭ ‬تحكي‭ ‬قصة‭ ‬عن‭ ‬الغولة‭. ‬كل‭ ‬ضحكة‭ ‬كانت‭ ‬تملأ‭ ‬الحوش‭ ‬دفءً‭ ‬وفرحًا‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬لو‭ ‬انقطع‭ ‬التيار،‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬يمسك‭ ‬هاتفه،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬يشبه‭ ‬الأمس‭.‬”

اللمة‭ ‬التي‭ ‬توارت‭ ‬بين‭ ‬الهواتف

منى‭ ‬35‭ ‬عامًا‭ ‬تقول‭:‬

زمان،‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬قطرة‭ ‬مطر‭ ‬تجمع‭ ‬الجميع‭. ‬الجيران‭ ‬يدخلون‭ ‬بلا‭ ‬موعد،‭ ‬الأطفال‭ ‬يركضون،‭ ‬الشاي‭ ‬يغلي‭ ‬على‭ ‬الجمر،‭ ‬والسفنز‭ ‬يخرج‭ ‬ساخنًا‭. ‬اليوم‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬هاتفه،‭ ‬حتى‭ ‬اللقاءات‭ ‬العائلية‭ ‬باتت‭ ‬قليلة،‭ ‬والشتاء‭ ‬صار‭ ‬باردًا‭ ‬بدون‭ ‬أحباب‭.‬

حكايات‭ ‬وقصص‭ ‬الجدّات‭ ‬والليالي‭ ‬الطويلة

المحجوب‮ ‬‭ ‬48‭ ‬عامًا‭  ‬يروي‭:‬

كانت‭ ‬الجدّات‭ ‬يروين‭ ‬حكايات‭ ‬عن‭ ‬زمن‭ ‬الحرب،‭ ‬عن‭ ‬الحصاد،‭ ‬عن‭ ‬الغول‭ ‬والبحّارة‭.‬

كل‭ ‬قصة‭ ‬كانت‭ ‬تعلّمنا‭ ‬الصبر‭ ‬والشجاعة‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬القصص‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬موجودة،‭ ‬وأحفادي‭ ‬يعرفون‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬شاشة‭ ‬الهاتف‭.‬

المطر‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬القلوب

سلوى‭  ‬غادة‭ ‬40‮ ‬‭ ‬عامًا‭ ‬تقول‭:‬

أجمل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الشتاء‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬قطرة‭ ‬مطر‭. ‬تجمع‭ ‬العائلة،‭ ‬الحوش‭ ‬دافئ،‭ ‬الكانون‭ ‬يشعل،‭ ‬الأطفال‭ ‬يلعبون،‭ ‬الجدة‭ ‬تحكي‭ ‬الحكايات‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬المطر‭ ‬صامت،‭ ‬والقلوب‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭.‬

الشتاء‭ ‬مدرسة‭ ‬الحياة

أيمن‭ ‬43‭ ‬عامًا‭ ‬يروي‭:‬

في‭ ‬الشتاء‭ ‬نتعلم‭ ‬الصبر‭ ‬والحكمة‭ ‬من‭ ‬الحكايات‭ ‬التي‭ ‬تحكيها‭ ‬الجدّات‭. ‬المطر‭ ‬يضفي‭ ‬روحًا‭ ‬على‭ ‬الكلام،‭ ‬واللمة‭ ‬تعلمنا‭ ‬التضامن‭ ‬والمحبة‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬الشتاء‭ ‬يمرّ‭ ‬بلا‭ ‬صوت،‭ ‬والدرس‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬الهاتف‭.‬

الشاي‭ ‬والكاكاوي‭.. ‬دفء‭ ‬لا‭ ‬يُنسى

حليمة‭ ‬55‭ ‬عامًا‭ ‬تقول‭:‬

كان‭ ‬الشاي‭ ‬على‭ ‬الجمر‭ ‬والكاكاوية‭ ‬الساخنة‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مساء‭ ‬شتوي‭. ‬الجيران‭ ‬يأتون‭ ‬بلا‭ ‬موعد،‭ ‬الأطفال‭ ‬يضحكون،‭ ‬والقصص‭ ‬تُروى‭ ‬بحب‭. ‬اليوم‮…‬‭ ‬الحكايات‭ ‬اختفت،‭ ‬والدفء‭ ‬صار‭ ‬ذكرى‭.‬”

الليالي‭ ‬الطويلة‭ ‬وحكايات‭ ‬الجدّات

رشيد‮ ‬‭ ‬46‭ ‬عامًا‭ ‬يروي‭:‬

كل‭ ‬ليلة‭ ‬مطر‭ ‬كانت‭ ‬فرصة‭ ‬لسماع‭ ‬قصص‭ ‬عن‭ ‬الأجداد،‭ ‬عن‭ ‬الشجاعة،‭ ‬عن‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭. ‬كان‭ ‬الشتاء‭ ‬يربط‭ ‬الأجيال‭.‬

اليوم‭ ‬الليالي‭ ‬الطويلة‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬سوى‭ ‬ضجيج‭ ‬الهاتف،‭ ‬والقصص‭ ‬صارتْ‭ ‬كلمات‭ ‬بلا‭ ‬روح‭.‬

بين‭ ‬شتاء‭ ‬الأمس‭ ‬وشتاء‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬الفارق‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬الرياح‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬غزارة‭ ‬المطر،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬دفء‭ ‬القلوب‭.‬

زمان‭ ‬كان‭ ‬المطر‭ ‬يجمع‭ ‬العيلة،‭ ‬والبيت‭ ‬يفيض‭ ‬حياة،‭ ‬والقصص‭ ‬تعلم‭ ‬الصبر‭ ‬والشجاعة‭. ‬اليوم،‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬قربت‭ ‬المسافات،‭ ‬لكن‭ ‬المشاعر‭ ‬باردة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى