
لم يكن الشتاء في الذاكرة الليبية مجرد فصلٍ تتساقط فيه الأمطار، وتتقلب فيه الرياح، بل كان فصلًا يختبر دفء القلوب، ويجمع العائلات حول حكايات الجدّات، وعالة الشاي، و«السنفنز» الساخن.
كان الشتاء موسمًا للسمر الطويل، وللتبادل، وللمشاركة؛ حيث يجتمع النَّاس رغم صعوبة الظروف والبرد القارس.
اليوم تغير كل شيء لم تعد اللمّة تلقائية، ولم تعد الحكايات تُروى سوى عبر شاشة الهاتف. أصبح الشتاء فصلًا باردًا من حيث القلوب، رغم حرارة المدافئ .
في هذا الاستطلاع، نستعيد شتاء الأمس وشتاء اليوم عبر حكايات طويلة ومترابطة لأشخاص عاشوا هذه اللحظات، لكل منهم ذاكرة ودفء يحكيه بشغف وحنين.
حوش الشتاء .. واللمة التي تربّينا عليها
تجلس الحاجة امباركة 75 عامًا في زاوية بيتها القديم، تقول:
زمان كان الشتاء يجي ومعه حياة جديدة. ننفض الفراشات الصوف ونمد حصيرة كبيرة في نص الحوش. الحوش كان يبرد بسرعة، لكن كنا نسخّنه باللمة.
أولادي كانوا يجريون من المدرسة، يرمون شناطيهم، ويجلسون حول الكانون. أول قطرة مطر … كانت بداية الحكايات.
اليوم، يجلسون معي، لكن كل واحد مشغول بهاتفه… الشتاء تغير، والدفء تغير معه.
المطر الذي ينزل .. وتنزل معه القلوب لبعض
سامي 48 عامًا يروي:
أمي كانت تقول: الشتاء يلم النّاس، والصيف يفرّقهم. كنت أعود من المدرسة مبلولًا من المطر، أجد الحوش دافئًا برائحة الحطب، وأخوتي مجتمعين، والجدة تحكي لنا الحكايات.
آخر مرة تجمعنا فيها كانت جنازة والدي. اليوم… المطر يمرّ، ونحن متفرقون، كلٌ في عالمه.”
رائحة «السفنز» التي كانت تُحيي الحوش
فدوى 55 عامًا تقول:
في أول مطرة، نضبح للجيران: تعالوا! الوليدات يركضون، الجيران يدخلون من دون إذن.
السنفنز يملأ الحوش رائحة وضحكًا.
اليوم أصنع «السفنز»، وأصورها لـ)لفيسبوك(. اللمة أصبحت إلكترونية، لا حقيقية.
حكايات الجدّ .. أهم من ألف قناة
الحاج عمر 63 عامًا يصف:
جدي كان يحكي عن الغولة، وأم السعف، ونحن نرتجف من الخوف والبرد. القصص كانت تعلمنا الشجاعة والصبر.
أحفادي اليوم يطلبون الفيديو بدل الحكاية. الخيال والضحك الحقيقي اختفيا.”
الشتاء الذي كان عيدًا
أمينة 48 عامًا تقول:
من أول قطرة مطر تجمع الجارات، الشاي يركرك على الجمر، الحكايات تبدأ.
اليوم… المطر ينزل، كل واحد في غرفته. الشتاء لا يجمع، صار فصل عزلة.
أخي الذي سرقته الدنيا
عبدالرحمن 52 عامًا يروي:
أنا وأخي كنا نترقب الشتاء لنلتقي، ونسهر طول الليل حول الكانون. اليوم يمرّ الشهر ولا نلتقي. الشتاء لم يتغير… نحن الذين تغيرنا.”
عزاء برسالة … وشتاء بلا بشر
سلوى 46 عامًا تقول:
زمان لو رن جرس البيت، الجار يدخل من دون استئذان. اليوم… يجب الاتصال والموافقة. الضحكة لم تعد تلقائية.”
زمان، لو أحد يمرض، الحوش يمتلئ. اليوم نتلقى عزاء برسالة. الشتاء صار باردًا… والحزن وحيدًا.
زيارة بلا موعد .. ذكريات لا تُنسى
سامية 57 عامًا تقول:
أحلى شيء، الجارة تدخل من دون استئذان، الجدة تقول: تعالوا نشرب الشاي، ونتحدث عن الأيام اليوم يجب أن تتصل قبل الزيارة… الضحكة لم تعد تلقائية.
المطر في وادي الشاطئ .. ودفء الحوش
يوسف 50 عامًا يروي:
في مطر شديد، الحوش مظلم، الكانون يشتعل، الأطفال يركضون، الجدة تروي الحكايات. كل قطرة مطر لها صوت، وكل صوت يخلق قصة. اليوم… لو شاف المطر أحد، يغلق الباب ويشاهد التلفزيون.
الليل الطويل .. وحكايات الجدّات
خديجة 60 عامًا تقول:
كانت الليالي الطويلة في الشتاء فرصة للجلوس مع الجدّات. قصص الغولة والبحّارة كانت تجعلنا نخاف ونضحك. اليوم… الأطفال يطلبون الفيديو بدلاً من الحكاية.
الشاي على الجمر… لقاء الأجيال
نجلاء 40 عامًا تروي:
الشتاء يبدأ بالشاي على الجمر، الجدات يعلّمن الصبر والحكمة. الجيل الجديد يعرف كل شيء من الشاشة، لكنه لا يعرف معنى اللمة.
المطر الذي جمعنا ضد البرد
عادل 37 عامًا يصف:
ليلة مطر شديد، انقطع التيار، جلسنا حول الكانون، الجدّات يروين الحكايات، الأمهات يحضرن الحساء، الأولاد يضحكون. اليوم… لو انقطع التيار، كل واحد يضبط مصباحه ويكمل هاتفه.
اللمة قبل المدرسة
هدى 32 عامًا تقول:
الشتاء كان يبدأ صباحًا بلمة صغيرة، الشاي الساخن، الكاكاوية. الأطفال يجلسون قبل المدرسة، يسمعون الحكايات ويذهبون بابتسامة. الآن كل واحد يذهب وحيدًا.
الليالي المطيرة .. وصدى الضحك
رياض 50 عامًا يروي:
ليلة مطر شديد، الجدّات تحكي، الأولاد يضحكون، الرجال يروون قصص شبابهم. المطر كان موسيقى، الضحك دفء. اليوم المطر صامت والضحك نادر.
القهوة والسفنز… حكاية الشتاء
كوثر 37 عامًا تقول:
مع أول قطرة مطر، السنفنز جاهز، القهوة ساخنة. الجيران يدخلون بلا موعد. اليوم… نأكل السنفنز بصمت، لا أحد يشاركنا سوى صورة على الهاتف.”
آخر مطرة جمعتنا
فتحي 50 عامًا يروي:
آخر مرة تلمّينا كل العائلة كانت مطرة يناير 2011. بعد ذلك تفرّقنا. المطر لوحده لا يجمع… القلوب هي التي تجمع. الزيارات العفوية…
دفء الشتاء في قلب الحوش
عبدالسلام 52 عامًا يقول:
ليلة مطر شديد، الجيران دخلوا، الحوش امتلأ، الكانون يشتعل، الشاي يغلي، السفنز يسخن… اليوم كل واحد في غرفته، الهاتف بين اليدين.”
جدتي كانت تصنع الشتاء
حنان 33 عامًا تقول:
جدتي كانت تصنع الشتاء، تجمعنا، تروي القصص، تعلمنا الصبر والشجاعة. اليوم… الشتاء موجود جسديًا فقط. الحكايات اختفت، الدفء رحل معها.
المطر وأصوات الطفولة
ناصر 35 عامًا يصف:
المطر، أصوات الأطفال وهم يركضون في الحوش، صوت الجدّة وهي تروي قصة، ضحكات الأمهات، صوت الكانون.
اليوم المطر صامت، والأطفال مع هواتفهم، الصوت الوحيد هو رنين الرسائل.
الشباك المبلل وأصوات المطر
خلود 36 عامًا تقول:
أيام المطر كانت أجمل أيام السنة. أجلس قرب الشباك، أسمع المطر وهو يطرق على الزنك، أشم رائحة الحطب والدخان، وأرى الأطفال يجتمعون حول الكانون.. الجدّة تحكي حكايات عن البحّارة والقرى البعيدة، ونحن نرتجف من البرد ونضحك في الوقت نفسه. اليوم… المطر يسقط٫ لكن الصوت الوحيد هو رسائل الهواتف، والدفء اختفى.
شاهي الشتاء وذكريات الطفولة
لطيفة 42 عامًا تروي:
أمي كانت تحضّر الشاي وتدعونا نتجمع في الحوش قبل الغروب. تقلي الكاكاوية، السفنز ساخن، والضحك يتردد بين الجدران. الجدات يروين حكايات طويلة عن أبطال زمان، عن الحروب الصغيرة، وعن الطفولة. اليوم… الشاي حاضر، لكن الروح غائبة، كل واحد في غرفته، والضحك أصبح إلكترونيًا.
الليالي الممطرة ووهج الكانون
عمران 39 عامًا يقول:
أتذكر ليلة مطر شديد، انطفأتْ الأنوار، جلسنا حول الكانون، وكانت الجدّة تحكي قصة عن الغولة. كل ضحكة كانت تملأ الحوش دفءً وفرحًا. اليوم… لو انقطع التيار، كل واحد يمسك هاتفه، ولا شيء يشبه الأمس.”
اللمة التي توارت بين الهواتف
منى 35 عامًا تقول:
زمان، من أول قطرة مطر تجمع الجميع. الجيران يدخلون بلا موعد، الأطفال يركضون، الشاي يغلي على الجمر، والسفنز يخرج ساخنًا. اليوم كل واحد على هاتفه، حتى اللقاءات العائلية باتت قليلة، والشتاء صار باردًا بدون أحباب.
حكايات وقصص الجدّات والليالي الطويلة
المحجوب 48 عامًا يروي:
كانت الجدّات يروين حكايات عن زمن الحرب، عن الحصاد، عن الغول والبحّارة.
كل قصة كانت تعلّمنا الصبر والشجاعة. اليوم… القصص لم تعد موجودة، وأحفادي يعرفون كل شيء من شاشة الهاتف.
المطر الذي يربط القلوب
سلوى غادة 40 عامًا تقول:
أجمل شيء في الشتاء كانت أول قطرة مطر. تجمع العائلة، الحوش دافئ، الكانون يشعل، الأطفال يلعبون، الجدة تحكي الحكايات. اليوم… المطر صامت، والقلوب بعيدة عن بعضها.
الشتاء مدرسة الحياة
أيمن 43 عامًا يروي:
في الشتاء نتعلم الصبر والحكمة من الحكايات التي تحكيها الجدّات. المطر يضفي روحًا على الكلام، واللمة تعلمنا التضامن والمحبة. اليوم… الشتاء يمرّ بلا صوت، والدرس الوحيد هو الهاتف.
الشاي والكاكاوي.. دفء لا يُنسى
حليمة 55 عامًا تقول:
كان الشاي على الجمر والكاكاوية الساخنة جزءًا من كل مساء شتوي. الجيران يأتون بلا موعد، الأطفال يضحكون، والقصص تُروى بحب. اليوم… الحكايات اختفت، والدفء صار ذكرى.”
الليالي الطويلة وحكايات الجدّات
رشيد 46 عامًا يروي:
كل ليلة مطر كانت فرصة لسماع قصص عن الأجداد، عن الشجاعة، عن حب الوطن. كان الشتاء يربط الأجيال.
اليوم الليالي الطويلة لا تحمل سوى ضجيج الهاتف، والقصص صارتْ كلمات بلا روح.
بين شتاء الأمس وشتاء اليوم ليس الفارق في قوة الرياح ولا في غزارة المطر، بل في دفء القلوب.
زمان كان المطر يجمع العيلة، والبيت يفيض حياة، والقصص تعلم الصبر والشجاعة. اليوم، التكنولوجيا قربت المسافات، لكن المشاعر باردة.



